هل يستفيد داعش من حرب روسيا وأوكرانيا؟
(دويتشه فيله)
على وقع الحرب في أوكرانيا، أعلن تنظيم داعش أنه سوف يستغل حقيقة مفادها أن الغرب بات منشغلا بالصراع مع روسيا. وإزاء ذلك، يرى مراقبون أن استفادة التنظيم من الحرب قد ترتبط بتفاقم الأوضاع الاقتصادية.
أصدر تنظيم داعش تهديدا في منتصف أبريل الماضي، إذ نُسب إلى المتحدث باسمه إطلاق حملة "ثأرًا" لمقتل زعيمه السابق "أبو إبراهيم الهاشمي القرشي" في غارة أمريكية في شمال سوريا في فبراير.
ودعا داعش إلى استغلال انشغال أوروبا بالحرب الدائرة في أوكرانيا إذ حث المتحدث في التسجيل الجديد مناصري التنظيم إلى استغلال "الفرصة المتاحة.. فأوروبا على صفيح ساخن" لاستئناف شن عمليات فيها. في المقابل، اقترحت مجلة تابعة لتنظيم القاعدة على أنصارها أن يجدوا طريقة للحصول على بعض من الأسلحة التي يُجرى تسليمها إلى المدنيين في أوكرانيا وبعد ذلك يستخدمونها لشن هجمات ضد البلدان الأوروبية.
ويبدو أن الدول الأوروبية لم تنتبه كثيرا بالطرح الخاص بإمكانية استغلال التنظيمات المتطرفة مثل القاعدة وداعش انشغال الغرب بالحرب لشن هجمات رغم أن داعش ينضوي تحت لوائه حوالي 12 جماعة في مناطق مختلفة من آسيا إلى إفريقيا التي باتت الآن مركزا لأعمال عنف تُتسب إلى التنظيم المتطرف. وفي هذا الصدد، دق خبراء ناقوس الخطر إزاء وجود طريقة أخرى يمكن أن تستفيد منها التنظيمات المتطرفة جراء الحرب في أوكرانيا.
استغلال الاضطرابات الاجتماعية
ففي مقال نشره مركز "تريندز للبحوث والاستشارات"، كتب عزت إبراهيم، رئيس تحرير صحيفة "الأهرام ويكلي" المصرية، إنه "في ظل توقع موجة جديدة من الاضطرابات الاجتماعية الناجمة عن ارتفاع تكلفة المعيشة في المجتمعات المتضررة بشدة من الجائحة ثم تداعيات الأزمة في أوكرانيا، فإن الجماعات المتطرفة والإرهابية يتوقع أن تسعى لاستغلال الموقف لصالحها في المرحلة المقبلة".
كذلك حذر الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط من أن التنظيمات المتطرفة مثل داعش قد تستغل تداعيات الحرب في أوكرانيا وأيضا تداعيات ظاهرة التغير المناخي وذلك خلال مشاركته في الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي لمكافحة تنظيم "داعش" في مراكش بالمغرب في مايو الجاري.
الجدير بالذكر أن الحرب في أوكرانيا أضافت أعباءً جديدة على الدول التي تعاني من أزمات سابقة فعلى سبيل المثال أدت الحرب إلى نقص في الحبوب وارتفاع أسعار الوقود والمواد الغذائية مع ارتفاع معدلات التضخم في دول مثل لبنان وسوريا وتونس وليبيا واليمن.
وإزاء ذلك، يرى الخبراء أنه من الممكن مع استمرار الحرب، أن تتفاقم الأوضاع والأزمات في الدول التي تعصف بها حالة من عدم الاستقرار وهو ما قد يصب في صالح داعش، إذ قد تدفع الأزمات الاقتصادية والاضطرابات السياسية المزيد من السكان في هذه البلدان إلى الانضمام إلى جماعات متطرفة مثل داعش في خيار قابل للحياة.
تردي الوضع الاقتصادي والتطرف
يشار إلى أنه في عام 2015، شكل التونسيون أكبر عدد من المقاتلين الأجانب الذين انضموا إلى داعش فيما انضم إلى التنظيم عناصر من جميع أنحاء العالم مع تنامي قوته. وقد ذكرت مجموعة "صوفان" للاستشارات الأمنية أنه في ذاك العام انضم إلى داعش ستة آلاف تونسي مقارنة بقرابة 2500 من روسيا و 2400 من السعودية و 1700 من فرنسا و 760 من ألمانيا.
وقال خبراء إن هناك عدة أسباب دفعت الكثير من العناصر الأجنبية إلى الانضمام إلى داعش في ذاك الوقت، مشيرين إلى أن من بين الأسباب أن العديد من العناصر الأوروبية التي انضمت إلى التنظيم كانت ترى أن فكرة قيام "دولة إسلامية" قضية جذابة في ظل التهميش الذي يقولون أن المجتمعات المسلمة تتعرض له في أوروبا.
وكان المال أيضا من بين الأسباب وراء انضمام عناصر من دول مجاورة إلى داعش، وفقا لمقابلات أُجريت مع مسلحين سابقين من التنظيم. ُ
وفي ذلك، قالت آن سبيكهارد، مديرة المركز الدولي لدراسة التطرف العنيف ومقره الولايات المتحدة، إن "المشاكل المرتبطة بالاقتصاد في تونس دفعت الكثير من الشباب إلى الانضمام إلى داعش". وفي مقابلة مع DW، قالت سبيكهارد، التي أجرت مقابلات مع مسلحين سابقين من داعش، إن العديد من الشبان التونسيين لم يمتلكوا أموالا و لم يحصلوا على وظائف فضلا عن عدم تمكنهم من الزواج والاستقلال عن أسرهم. وأضافت "في المقابل، كان تنظيم داعش يوفر لهم وظائف وسكن مجاني وزوجات ناهيك عن عبيد الجنس المحتجزات لدى التنظيم".
الغضب واليأس ومصير الشباب
وبرزت على الواجهة في الوقت الحالي بعض المؤشرات التي تشير إلى أن داعش شرع في استغلال الأوضاع الاقتصادية الصعبة في الشرق الأوسط في تكرار للسيناريو الذي نفذه إبان ذروة قوته عام 2014. فقد وردت أنباء تفيد "باختفاء" أكثر من 40 شابا في وقت سابق من العام الجاري من مدينة طرابلس اللبنانية، فيما عرف ذويهم بمكان تواجد أبنائهم عندما قتل البعض منهم في معسكرات تدريب تابعة لداعش في المناطق الصحراوية بالعراق. وقال مسؤولون للصحفيين إن داعش عرض 500 دولار كراتب شهري فيما يئن لبنان تحت وطأة أزمة اقتصادية طاحنة.
ويبدو أن الأمر تكرر في أفغانستان حيث ذكرت تقارير أن ما يُعرف بـ "تنظيم ولاية خراسان- داعش" المعادي لحركة طالبان، قد عرض على الأفغان العاطلين عن العمل في المناطق الحدودية ما بين 270 دولارا إلى 450 دولارا كراتب شهري مقابل الانضمام إلى التنظيم.
استراتيجية طويلة الأمد
يشار إلى أن تنظيم داعش استغل في السابق الأوضاع السياسية غير المستقرة والفراغ في السلطة فضلا عن الأزمات الاقتصادية لجذب عناصر جديدة. وفي ذلك، قال تشارلي وينتر، محلل الإرهاب ومدير الأبحاث في " شركة"إكستراك" البريطانية غير الحكومية التي تراقب عنف التنظيمات المسلحة، إن قضية تحديد كيف تستفيد التنظيمات المتطرفة من الحرب في أوكرانيا سوف تستغرق بعض الوقت. وفي مقابلة مع DW، قال "قد تكون للحرب في أوكرانيا تأثيرات من الدرجة الثانية أو الثالثة، لكن من الصعب الربط بين ذلك وبين قدرات تنظيم داعش على ضم عناصر جديدة".
وأضاف وينتر - الباحث البارز في المركز الدولي لمكافحة الإرهاب ومقره هولندا- أنه عقب تفشي وباء كورونا، أصدر داعش بيانات مشابهة حيث زعم أن الوباء سوف يستنزف موارد "الأعداء" مع تحويل الإنفاق بعيدا عن الجوانب الأمنية ما يوفر فرصة للمتطرفين. وقال الخبير إن قادة داعش رأوا في ذلك خطة طويلة الأجل، محذرا من أن "تفاقم الأوضاع السياسية والاجتماعية خاصة في المناطق التي يتواجد فيها داعش قد تصب في صالح التنظيم".
بيد أن وينتر يشير إلى وجود عقبات قد تعيق داعش عن تحقيق أهدافه، لا سيما أن التنظيم بات في الوقت الحالي أصغر عما كان عليه في السابق فضلا عن قلة موارده المالية وأيضا تراجع عدد مسلحيه فضلا عن زوال "خلافته المزعومة" التي كانت تجذب عناصر إليه.
وتتفق في هذا الرأي آن سبيكهارد، مديرة المركز الدولي لدراسة التطرف العنيف ومقره الولايات المتحدة. وفي ذلك، أشارت إلى أن تنظيم داعش "أظهر معدنه الحقيقي البعيد كل البعد عن الإسلام فضلا عن أن الكثيرين اكتشفوا طبيعته الفاسدة وابتعدوا عن الانخداع به".
ورغم ذلك، حذر وينتر مما وصفه بـ "السيناريو الأسوأ" المتمثل في أن الحرب في أوكرانيا قد تجعل "عددا قليلا من الناس أكثر ميولا لأن يناصروا داعش. وأضاف "لكنني أعتقد أنه من غير المرجح حدوث تعبئة على نطاق يشبه ما رأيناه في السنوات الماضية."
فيديو قد يعجبك: