أمهات بديلات.. الحرب كشفت الوجه القبيح لشركات تأجير الأرحام
(دويتشه فيله)
عمل لا يمكن التراجع عنه حتى لو نشبت الحرب وعلقت بين الجبهات، إنه حمل الأم البديلة لجنين زوجين غريبين في رحمها. عندما تندلع الحرب كما في أوكرانيا تصبح الأمور معقدة وصعبة سواء بالنسبة للأم البديلة أو للزوجين.
أكياس نوم بألوان مموهة، ورفوف مليئة بالمعلبات، وأسرّة نوم للرضع بالإضافة إلى أقنعة واقية من الغازات. إنها مشاهد من فيلم دعائي قصير نشرته شركة بيوتيكسكوم " Biotexcem" على موقعها الالكتروني، وهي الأكبر من بين الوكالات التي تنظم عمل الأمهات البديلات.
تم تصوير هذا الفيديو في ملجأ محصن ضد الغارات الجوية وفي الخلفية يُسمع صوت صفارات الإنذار، حيث يمكن للأمهات البديلات الأوكرانيات اللجوء إلى هذا الملجأ في حال نشوب حرب. ورسالة الشركة من وراء هذا الفيلم الدعائي هو أنه يجب ألا ينقص الأمهات البديلات الحوامل أي شيء حتى في أوقات الحرب.
لكن الأمر على أرض الواقع مختلف تماما حسب الأم البديلة مارينا (اسم مستعار)، التي أنجبت طفلها أوائل شهر مارس في ملجأ الشركة. والذي كان باردا ومعتما، وهناك نقص في الطعام والماء والأدوية. ولمدة ثلاثة أيام لم تسمع أي شيء من الشركة، التي أتى موظفوها بعد ذلك وأخذوا الرضيع، من دون أن يجلبوا معهم أي طعام أو شراب.
كثير من الأمهات البديلات لا يستطعن مغادرة أوكرانيا بسبب وضعهن الصحي أو تهديد الشركة الوسيطة التي تعمل الأم البديلة لصالحها.
عروض شاملة وحسومات!
كشفت الحرب الوجه الحقيقي القبيح لعمل الشركات والوكالات التي تنشط في هذا المجال. وتشير التقديرات إلى أنه يولد في أوكرانيا حوالي ألفي طفل كل عام من رحم الأمهات البديلات لأزواج غرباء، وهو عمل مشروع وجذاب أيضا، إذ أن تسجيل الطفل باسم زوجين أجنبيين سهل وغير معقد نسبيا. حيث تقوم الوكالات العاملة في هذا المجال بالوساطة بين الزوجين والأم البديلة وتقدم عرضا شاملا مقابل 30 إلى 40 ألف يورو، وأحيانا هناك عروض أرخص أيضا. فعلى سبيل المثال قدمت شركة بيوتيكسكوم " Biotexcom" عرضا خاصا العام الماضي في يوم "الجمعة السوداء/ Black Friday" بحسم 3 بالمائة.
وتستغل الوكالات في الترويج لنشاطها أحلام وحاجة الطرفين، من جهة مشاعر وأمنيات الأزواج بأن يصبحوا آباء، ومن جهة أخرى حاجة النساء أي الأمهات البديلات للعمل والمال. إذ تحصل الأم البديلة خلال فترة الحمل على أضعاف ما تحصل عليه المرأة العاملة العادية، بتقاضيها من 15 ألف إلى 20 ألف يورو مقابل تأجير رحمها.
عقود قديمة وواقع جديد
إن الوضع الجديد في أوكرانيا، أي الحرب، غير منصوص عليه في العقد المبرم بين الزوجين والأم البديلة والشركة الوسيطة، وهو ما يثير أكثر من سؤال: هل تهرب الأم البديلة لإنقاذ حياتها أم لإنقاذ حياة الجنين الغريب في بطنها؟ وماذا لو أنها لا تريد الهروب والنزوح وتود البقاء مع أهلها وعائلتها في أوكرانيا؟ أو أنها تريد البقاء والدفاع عن وطنها؟
شركة بيوتكسيم تؤكد أن الأم البديلة النازحة ستعود إلى البلاد عندما يحين موعد وضع حملها/ ولادتها، لأنها تتقاضى أجرها على دفعات. سوزان كيرش كيبلر، مؤسسة وكالة "تحقيق الأحلام/Delivering Dreams" نقلت الأمهات البديلات لديها إلى الخارج بدون أي لغط، لتسطيع إعادتهن إلى أوكرانيا في الموعد المحدد للولادة. ووكالات أخرى، حسب تقارير موثوقة، هددت الأمهات البديلات المتعاونات معها، بالسجن حتى 15 عاما إذا غادرن أوكرانيا.
أمومة قسرية!
وسبب التهديد، هو أن الوضع القانوني للأم البديلة مختلف في الدول المجاورة لأوكرانيا. ففي أوكرانيا يمكن للمرأة أن تنجب من دون اعتبارها أما للمولود. وهي التي تقر بأبوة رجل غريب للمولود الذي يحصل على جواز سفر ويمكنه مغادرة أوكرانيا مع والده دون أي مشاكل أو عوائق، ومن ثم تقوم زوجته أو شريكة حياته بتبني الطفل.
في حين أن الأمر مختلف في كثير من البلدان التي ينزح إليها اللاجئون الأوكرانيون، حيث تصبح المرأة تلقائيا أما لمولودها، بغض النظر عما إذا كان مرتبطا بها من الناحية الجينية. فإذا وضعت الأم البديلة الأوكرانية مولودها في أحد بلدان الاتحاد الأوروبي الذي نزحت إليه، فإنها ستصيح أما لطفل لم ترغب أبدا فيه، أي أنها ستصبح أما بشكل قسري!
بالإضافة إلى العقبات والمشاكل القانونية، هناك أسباب أخرى تدفع الشركات والوكالات إلى منع الأم البديلة التي تتعاون معها من وضع مولودها خارج أوكرانيا. فحسب المحامي ماركو أولدنبورغر، الذي يقدم المشورة القانونية في ألمانيا للذين يريدون الحصول على طفل عن طريق أم بديلة، تخشى تلك الشركات كشف ما يجري داخلها أو تعرضها لخسائر مالية، يقول أولدنبورغر.
وبالنسبة لبعض الأمهات البديلات، فإن الهروب من الحرب والخروج من أوكرانيا غير ممكن أصلا. فحتى لو أرادت ذلك لا تستطيع لأنها قد تكون حاملا في الأشهر الأخيرة ولا تقدر على السفر.
أزواج يبحثون عن "أمهاتهم البديلات"!
أغلب المستشفيات المختصة بالإنجاب، تقع في منطقتي العاصمة كييف ومدينة خاركيف، التي اشتدت المعارك حولهما والقصف عليها. والكثير من موظفي الشركات والوكالات التي تنظم عمل الأمهات البديلة وتتوسط بينهن والأزواج، قد نزحوا من مناطق القتال، ومن الصعب الاتصال بهم. وبالتالي يرى الأزواج أنه قد تم التخلي عنهم. ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي، تبحث الأمهات البديلات والأزواج عن بعضهم البعض. فالعقد المبرم عن طريق الوكالة بين الزوجين والأم البديلة، لا ينص على كيفية الاتصال والتواصل بين الطرفين. كما يبدو أن الشركات كانت تمنع تواصل الأم البديلة مع الزوجين (أبوي) الجنين.
وتقول مارينا، وهي أيضا أم بديلة، إن الشركة منعتها من الاتصال مع الزوجين المتعاقدين معها. وحين عرف الزوجان بمكانها عن طريق أم بديلة أخرى صديقة لها، وأرسلا لها المال والطعام إلى الملجأ الذي كانت فيه عن طريق متطوع، قامت الشركة بتهديدها.
وفي الأثناء ينتظر الكثير من الرضع في الملاجئ الأوكرانيةأن يتم استلامهم من قبل والديهم البيولوجيين. وتفيد المعلومات بأن لدى شركة بيوتيكسكوم Biotexcom وحدها حوالي 600 أم بديلة حامل، ويولد كل يوم طفل واحد على الأقل.
بعض الأزواج "الوالدان البيولوجيان" يسافرون إلى أوكرانيا على مسؤوليتهم لإحضار أطفالهم من هناك، ولكن أبواب الدوائر الرسمية والسفارات مغلقة، ولا يمكن تسجيل المولود ولا الحصول على جواز سفر له. لكن ذلك ضروري ولابد منه، ليستطيع الزوجان الحصول على اعتراف رسمي وقانوني بالأبوة والأمومة لمولودهما الذي وضعته الأم البديلة. "وهذا غير متوفر حاليا" أو أنه لدى المرء طفل بدون أوراق وثبوتيات رسمية، يقول المحامي أولدنبورغر.
من خاركيف إلى باريس
بعض الأزواج يحاولون عن بعد من حيث يقيمون تنظم سفر "أمهاتهم البديلات" للخروج من أوكرانيا. سيريل وزوجها، شاهدا في البداية فقط صورة المرأة التي ستحمل جنينهما. منذ عشر سنوات يتمنى الزوجان الفرنسيان ويحاولان أن ينجبا طفلا، وقد حاولا ذلك بشتى الوسائل الممكنة حتى التبني. قبل نحو عام ونصف طلبا من شركة أوكرانية أن تجد لهما أما بديلة، وقد تحقق لهما ذلك وحملت الأم البديلة في شهر ديسمبر الماضي، أي قبل الغزو الروسي بشهرين.
حاول الزوجان الاتصال بالأم البديلة عن طريق الشركة التي ردت بعد أسبوعين، وحصلت سيريل على المعلومات اللازمة للاتصال بالأم البديلة، فنظمت ومولت سفرها من أوكرانيا إلى باريس. وقد دام السفر أسبوعا وعلى مراحل، لكي لا يكون مرهقا للأم ولا يحدث مكروه للجنين.
الأم البديلة تاتيانا وصلت إلى باريس منهكة ومتوترة، حيث أن عائلتها لا تزال في أوكرانيا. وقد وكلت سيريل محاميا ليقوم بالإجراءات القانونية اللازمة ليصبح المولود الذي سيولد في فرنسا طفلها هي وليس طفل تاتيانا. ولكن هل سينجح المحامي في ذلك؟ النتيجة غير معروفة "فنحن نتلمس طريقنا كالمكفوفين" يقول المحامي.
فيديو قد يعجبك: