"فاجنر وأخواتها".. شركات أمن أجنبية تعبث بالأمن في أفريقيا
(دويتشه فيله)
استعانت بعض الدول الأفريقية بشركات أمن أجنبية كمجموعة "فاجنر" الروسية لحماية قادتها أو لنشرها في مناطق النزاع. وتزايدت الانتقادات ضد استخدام المرتزقة خاصة مع تورطهم في انتهاكات حقوق الإنسان وكذلك تمتعهم ﺑﺎﻹﻓﻼت ﻣﻦ اﻟﻌﻘﺎب.
تزايد اتساع استخدام المرتزقة في أفريقيا ما بين حماية الزعماء والقادة الأكثر نفوذا وممتلكاتهم وتأمين الاستثمارات الأجنبية وحتى الانخراط في النزاعات التي تعصف بالبلدان الأفارقة وذلك دون النظر في الخسائر والمخاطر حيال الاستعانة بهؤلاء.
وفي هذا السياق، يُجرى نشر عناصر تابعة لشركات عسكرية أجنبية في البلدان الأفريقية التي تعاني من أزمات وصراعات، بوتيرة تسارعت مؤخرا.
وقد أشارت "ﻣﺟﻣوﻋﺔ اﻷﺑﺣﺎث واﻟﻣﻌﻟوﻣﺎت ﺣول اﻟﺳﻼم واﻷﻣن" ومقرها بروكسل في دراسة نُشرت في مارس الماضي، إلى تورط عناصر مرتزقة في ارتكاب جرائم وانتهاكات حقوق الإنسان دون تردد.
وفي مقابلة مع DW، قالت أماندين دوسولييه، الخبيرة التي أشرفت على الدراسة، إن السنوات القليلة الماضية شهدتتزايد قوة الشركات العسكرية الخاصة ونفوذها في العديد من البلدان الأفريقية".
وحذرت من أن المرتزقة باتوا بمثابة دولة داخل دولة في بعض الدول الإفريقية مما يهدد سيادة هذه الدول.
استعان عدد من القادة في البلدان الأفارقة بمرتزقة وشركات أمن أجنبية خاصة لحراستهم
المرتزقة .. دور غامض
أما فيما يتعلق بعدد المرتزقة المنتشرين في بعض البلدان الأفريقية، فقد أكدت جايد أنجيفيسي، الخبيرة في المرصد الفرنسي للعلاقات الدولية، أنه من الصعب تقدير عدد المرتزقة أو الجنود الذين يعملون في شركات أمنية وعسكرية خاصة.
وعزت الباحثة ذلك إلى أن الكثير من هذه الشركات تعمل في الظل، مضيفة "لا توجد معلومات مفصلة عن الشركات العسكرية الخاصة المنتشرة دوليا".
وفي مقابلة مع DW، قالت إن هذه الشركات تعمل في الغالب بشكل غير رسمي حيث يجرى التمويه والتستر على أنشطتها.
بيد أن انتشار مجموعة فاجنر وهي منظمة مرتزقة روسية غامضة، في ليبيا وموزمبيق والسودان وجمهورية إفريقيا الوسطى ومالي جعلها في موضع الانتقاد بشكل رئيسي.
وفي ذلك، كشفت دراسة "ﻣﺟﻣوﻋﺔ اﻷﺑﺣﺎث واﻟﻣﻌﻟوﻣﺎت ﺣول اﻟﺳﻼم واﻷﻣن" عن أنه في أي وقت تظهر فيه عناصر مرتزقة من مجموعة فاجنر فإنهم يكونون في صدارة عناوين الصحف بشكل سلبي.
لكن الأمر لا يقتصر على مجموعة فاغنر بل امتد الأمر إلى شركات عسكرية وأمنية خاصة أخرى من دول أوروبية ومن الولايات المتحدة وحتى من بلدان أفريقية تنشر أيضا في ربوع القارة السمراء. وقالت الدراسة إن هذه الشركات لا تمتثل لقوانين حقوق الإنسان ولا تأخذها على محمل الجد.
قلق دولي
وأثار نشر مرتزقة في أفريقيا مخاوف دولية حيث أعربت مجموعة عمل تابعة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي عن بالغ قلقها بشأن "تزايد مشاركة مزودي الخدمات العسكرية والأمنية الخاصة في العمليات الإنسانية".
اتُهمت "بلاك ووتر" بانتهاك حقوق الإنسان في العراق بعد مقتل 14 مدنيا في إطلاق نار عشوائي بساحة النسور في بغداد
وإزاء ذلك، طالبت المجموعة الأممية في تقريرها، بالخروج بـ "إطار قانوني دولي ملزم" لعمل شركات الأمن الخاصة، مرجعة ذلك إلى ارتكاب شركات عسكرية خاصة انتهاكات حقوق الإنسان في الماضي في مناطق مختلفة من العالم.
واستشهدت المجموعة على ذلك بإطلاق حراس أمنيين من شركة "بلاك ووتر" العسكرية الأمريكية النار عشوائيا على مدنيين في سبتمبر عام 2007 في ساحة النسور في بغداد ما أدى إلى مقتل 14 شخصا بينهم أطفال.
وأدت هذه الحادثة إلى تسليط الضوء على قضية المتعاقدين الأمريكيين في قطاع الأمن ودور شركات الأمن الخاصة في مناطق النزاع.
ورغم ذلك، قالت المجموعة الأممية إن فظائع تشبه الجريمة التي وقعت في ساحة النسور لا تزال تُرتكب خاصة في القارة الأفريقية فيما أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش أن أنشطة المرتزقة في أفريقيا "لا تشكل مصدر قلق بالغ".
بدوره، أكد رئيس المفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقي محمد على ضرورة محاربة ظاهرة انتشار المرتزقة في أفريقيا في إطار تعزيز السلام والأمن في القارة.
فاجنر ليست الوحيد
ووجهت لشركات الأمن الخاصة، قائمة طويلة من الاتهامات إذ ارتكب مرتزقة من مجموعة فاجنر الروسية انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في عدة مرات ضد مدنيين بمناطق عديدة من بينها جمهورية أفريقيا الوسطى.
يطالب رئيس المفوضية الاتحاد الإفريقي بمحاربة ظاهرة انتشار المرتزقة في أفريقيا في إطار تعزيز السلام والأمن
وتعد المجموعة الاستشارية "دايك" الجنوب أفريقية من شركات الأمن الخاصة التي باتت في مرمى الانتقادات مؤخرا بعد أن قامت حكومة موزمبيق بالاستعانة بها لمحاربة مسلحي حركة الشباب المتطرفة في إقليم كابو ديلجادو في شمال البلاد.
وقال التقرير إن عناصر "دايك" أقدموا على قتل مدنيين بشكل عشوائي في يونيو 2020 دون تمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية.
ولا تعد مجموعة "فاجنر" شركة الأمن الأجنبية الخاصة التي تنشر عناصرها في بلدان أفريقية، بل تضم القائمة أيضا شركتي "كاسي" و"أكاديمي" وهما من أكبر الشركات الأمنية الخاصة في الولايات المتحدة.
كذلك، تتواجد شركات أمنية خاصة من القارة الأوروبية مثل شركة الحراسة الفرنسية "سيكوبيكس" وشركة "ايجيس" البريطانية لخدمات الدفاع وشركة "جي فور أس" العملاقة التي تأسست في 1901 بالدنمارك ومقرها الرئيسي بريطانيا.
وتضم القائمة أيضا مجموعة "أوميغا" الأوكرانية و"دايك" الجنوب أفريقية ومجموعة "إكسليس" الألمانية.
مرتزقة من ألمانيا
وليست مجموعة "إكسليس" شركة الأمن الخاصة الألمانية التي تنشر عناصر لها في أفريقيا إذ تتواجد شركة "أسجارد" للخدمات الأمنية أيضا في القارة السمراء.
وتستقطب "أسجارد" عناصر سابقة من الجيش الألماني والشرطة للقيام بمهام أمنية وتنشط الشركة بشكل رئيسي في السودان وليبيا وموريتانيا ومصر.
تؤكد الخبيرة أماندين دوسولييه أن معظم شركات تجنيد المرتزقة تتعمد إخفاء أنشطتها
ويبدو أن انتشار شركات أمنية خاصة في أفريقيا ليس أمرا وليد اللحظة، وفقا لما أفادت به دوسولييه، الباحثة في "ﻣﺟﻣوﻋﺔ اﻷﺑﺣﺎث واﻟﻣﻌﻟوﻣﺎت ﺣول اﻟﺳﻼم واﻷﻣن" . وقالت إن تاريخ صناعة الأمن الخاص في القارة الأفريقية يمتد منذ زمن طويل سواء في منطقة الساحل أو مالي أو جمهورية إفريقيا الوسطى.
وأرجعت الباحثة ذلك إلى عاملين الأول "ضعف المؤسسات الحكومية في بعض البلدان والثاني ما تزخر به القارة من ثروات معدنية ". وقالت إن دولا أفريقية مثل أنجولا وسيراليون ومجموعة دول الساحل الخمس والسودان وتشاد وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية إفريقيا الوسطى، قد لجأت إلى الاستعانة بخدمات قوات مرتزقة.
تزامن هذا مع زيادة حدة الانتقادات ضد استخدام "جيوش المرتزقة" في أفريقيا.
فخلال قمة الاتحاد الأفريقي في مطلع فبراير، دعا بانكول أديوي، مفوض الاتحاد للشؤون السياسية والسلام والأمن، إلى خروج المرتزقة بشكل كامل من أفريقيا.
فيديو قد يعجبك: