لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

وثائق بريطانية: الروس استغلوا المثلية الجنسية لتجنيد جاسوس داخل المخابرات البحرية الملكية

12:46 م الأحد 25 ديسمبر 2022

حكم على فاسل بالسجن 18 عاما بعد إدانته بالتجسس عام

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

لندن-بي بي سي:
ستظل أجهزة الاستخبارات البريطانية تتذكر اسم جون ويليام كريستوفر فاسل لفترة طويلة.

كان فاسل، قبل ستين عاما، محور واحدة من جولات حرب الجواسيس التي استعرت بين المملكة المتحدة والاتحاد السوفيتي.

تكشف وثائق الاستخبارات الداخلية البريطانية "إم آي 5"، لأول مرة، تفاصيل دقيقة مثيرة عن عملية ناجحة لجهازالاستخبارات السوفيتي "كيه جي بي" مكنته من تجنيد فاسل مستغلا ميوله الجنسية المثلية، وعن حجم أنشطته التجسسية المعادية لبلاده.

في مثل هذه الأيام من عام 1962، حُكم على فاسل بالسجن لمدة 18عاما بعد إدانته بالتجسس لمصلحة موسكو.

بدأ مشوار فاسل مع جريمة التجسس في أثناء عمله في فرع الاستخبارات العسكرية بملحقية البحرية الملكية بسفارة بريطانيا في روسيا بين عامي 1954 و1956. ثم واصل أنشطته بعد عودته إلى لندن. وعندما كُشفت الفضيحة، اهتزت الحكومة البريطانية المحافظة برئاسة هارولد ماكميلان.

وتكشف الوثائق أنه رغم كل ما مر بالجاسوس نتيجة تعاونه مع موسكو، فإنه ظل، وهو في سجنه، يُكِّن لمشغليه الروس الاحترام ويثني على طريقتهم في التعامل معه.

وفق الوثاثق، التي أفرج عنها ضمن قرابة 150 ملفا استخباراتيا يتناول حرب الجواسيس مع موسكو، فإن ميول فاسل الجنسية لم تكن معروفة. وشكى من أنه أُوفد إلى موسكو دون توعيته أو تحذيره من المخاطر المحتملة.

وتكشف اعترافاته التفصيلية التي سجلها إم آي 5 أنه "لم يتلق أي تعليمات رسمية تحذره من أخطار روسية، أو أي خطر يشكله الموظفون الروس المحليون (العاملون في السفارة البريطانية)".

سعى الدبلوماسي الشاب، الذي كان في الثلاثين من عمره، إلى "الحصول على أي معلومات أو تلقين إرشادي دون جدوى". وحتى عندما بدأ مهمته "حذره رئيس البعثة فقط، في دردشة قصيرة، من أنه لا بأس من الكلام مع الروس فقط في مسرح أو مطعم أو مكان عام".

التحذير الوحيد الواضح الذي تلقاه فاسل هو "إذا أقمت صداقة مع روسي أو روسية، يجب أن تأتي وتخبر السفارة بها".

وأكد أنه "لم يحذره أحد بالسفارة من أي من السوفيت العاملين بها".

كيف تمكن كي جي بي من تجنيد فاسل؟

من داخل السفارة البريطانية بدأت عملية التجنيد.

فقد جر أحد الموظفين الروس الدبلوماسي الشاب إلى مصيدة جنسية دُبرت بإحكام بالغ.


يقول فاسل : "لم أكن أدرك أنه رغم أن مثل هؤلاء الموظفين يأتون للعمل في السفارة عن طريق المكتب الروسي (أي بعد موافقة مكتب الشؤون الروسية في لندن)، فإنه من المحتمل أن تزرعهم السلطات الروسية (في السفارة)".

ويضيف "لقد افترضت أنه طالما عمل هؤلاء لدى السفارة، فإنهم لابد قد خضعوا بالفعل للتدقيق من جانب رئيس البعثة (البريطانية في موسكو) بشكل ما".

في هذا الوقت كانت المثلية الجنسية مُجرمة في بريطانيا والاتحاد السوفيتي. ولا تزال مجرمة في روسيا، وريثة الاتحاد السوفيتي، حتى اليوم. غير أن أفراد مجتمع الميم في بريطانيا يتمتعون، خاصة منذ صدور قانون المساواة عام 2010، بقدر هائل من الحقوق، بما في ذلك حق الالتحاق بكل مؤسسات الدولة بما فيها القوات المسلحة.

وحسب اعترافات فاسل التفصيلية، فقد نصب الكيه جي بي المصيدة الجنسية له مستخدما أحد الموظفين المحليين في السفارة، الذي وصفه فاسل بأنه كان "مساعدا للغاية" . فقد دعاه هذا الرجل إلى حفل ليلي رُتب في غرفة سرية بمطعم قريب من مسرح البولشوي الشهير بالعاصمة الروسية. أفرط الدبلوماسي البريطاني في الشرب، ليستيقظ صباحا ليجد نفسه عاريا ومعه رجال روس في السرير "وقد مارسوا معه الجنس، وجرى تصوير ما حدث".

تقول الاعترافات "أتذكر أن اثنين أو ثلاثة أشخاص دخلوا السرير معي بلا ملابس. ثم وقعت تصرفات جنسية فاضحة".

لم يجرؤ فاسل على إبلاغ أحد، في السفارة أو خارجها، بما حدث في تلك الليلة.

وبعد أيام، رُتب لقاء بينه وبين ضابط بالجيش السوفيتي، مارس معه الجنس، وتم تصويرهما معا، ثم اختفى الضابط في لحظة. قبض على فاسل، و"خضع للتحقيق، وأُبلغ بأن سلوكه جريمة عقابها في الاتحاد السوفيتي هو السجن" و"هدد الروس بإعطاء الصور للسفارة". وقال له المحققون "نعلم أنك لست جاسوسا، ولكن هناك جواسيس آخرين في سفارتك".

وبدأ نشاط فاسل التجسسي على سفارته لمصلحة الروس.

ما مدى استفادة الروس من العملية؟

يروي الجاسوس البريطاني أنه سرب إلى الروس وثائق مهمة تخص ملحقية الاستخبارات البحرية البريطانية في السفارة.

يقول "كنت آخذ الوثائق، وأضعها إما تحت معطفي أو في حذائي ذي الرقبة الطويلة أو في كيس يحوي أطعمة". ويضيف "لم تكن الوثائق تبقى مع الروس أكثر من ليلة واحدة"، لتصويرها ثم ردها إليه لإعادتها في خزانتها دون أن ينتبه أحد.

استغل الكي جي بي علاقات فاسل الواسعة في الوسط الدبلوماسي، خارج السفارة البريطانية.

وتكشف الوثائق أن علاقاته العملية والجنسية امتدت لتشمل دبلوماسيين في سفارات الولايات المتحدة ومصر وإثيوبيا والهند وباكستان وأفغانستان وفنلندا وسويسرا وبلجيكا. وتتحدث عن وجود دبلوماسيين مثليين جنسيا في بعض هذه السفارات. وعبر فاسل عن اعتقاده بأن الروس "أوقعوا بهم" لاستغلالهم في أنشطة تجسس لمصلحتهم. وكشف عن بعض أسماء هؤلاء للمخابرات البريطانية.

شكر رسمي ووعد بترقية
قبل عودته في أول عام 1956، تلقى رسالة من قسم الاستخبارات في قيادة البحرية البريطانية في لندن "تشكره على عمله الجيد للغاية في موسكو".

وتضيف الرسالة الموجهة من رئيس القسم "يتعين عليَّ أن أنصحك بأنك تقترب من مرحلة ترقي في الوظيفة سيفضل عندها رجال المؤسسة (كبار المسؤولين أصحاب القرار) بلا شك أن تقضي فترة في إدارة سلاح البحرية"، في لندن.

وهذا ما حدث بالفعل. فقد عُين سكرتيرا لنائب مدير الاستخبارات في البحرية الملكية البريطانية.

وزادت الوظيفة الجديدة من أهمية فاسل للروس. فلم تتوقف أنشطته. وخصص الـكي جي بي أحد رجاله في العاصمة البريطانية ليكون ضابط الاتصال بين فاسل وموسكو.

تركزت مهمته على تمرير أسرار وزارة البحرية البريطانية للروس. وأدى فاسل المهمة بقدر كبير من الكفاءة. فقد أتاح للروس الاطلاع على "وثائق بعضها تعلق بالخطط الأمنية الخاصة بحلف بغداد"، وتضمن البعض الآخر معلومات بالغة الأهمية وردت في تقارير موجهة من وزير الحربية إلى الاستخبارات البحرية.

فقد مكنت الوظيفة الجديدة فاسل من "الوصول إلى المعلومات السرية بكل درجات تصنفيها من حيث الحساسية، بداية من المعلومات الخاصة وانتهاء بتلك البالغة السرية، بما في ذلك وثائق متعلقة بالذرة". ولذا، فإن الروس كانوا حريصين على أن يسرب لهم فاسل أي وثائق تقع يداه عليها.

كان الجاسوس البريطاني بالغ الحرص في تنفيذ تكليفات الروس له حتى لا يلفت نظر زملائه في العمل.

نصحه الروس بـ "ألا يضع أي وثيقة في حقيبته الشخصية". فكان يضع الوثائق "بين طيات الصحف اليومية، ويعطيها لمشغله الروسي الذي يصورها ثم يعيدها له لإعادتها إلى الخزينة السرية".

كيف سقط فاسل؟
استمرت أنشطة العميل البريطاني، بعد عودته إلى لندن، حوالى ست سنوات، ليُفضح أمره في عام 1962. قبل هذا بعامين، ظهرت على حياة فاسل أعراض مثيرة للانتباه، وفق الوثائق. وشملت هذه الأعراض "ارتداءه ملابس فاخرة، وانتقاله إلى شقة أفخم في مكان أرقى، ما أثار التساؤل عن نفقاته التي تتجاوز دخله كموظف مدني".

وضعت السلطات الأمنية والمخابراتية فاسل تحت عملية مراقبة دقيقة كشفت عن أنشطته التجسسية عن طريق التنصت على مكالمته، ورصد تحركاته، والاطلاع على رسائله البريدية.

حوكم الجاسوس وقضت المحكمة بسجنه 18عاما، قضى منها 10 أعوام في السجن.

لم تغلق الأجهزة الأمنية الملف.

خلال سنوات السجن العشر، ظل جهاز إم آي 5 على اتصال بالجاسوس السجين. وبعد إجراءات تأمين صارمة، وافقت هيئة السجون على ترتيب لقاءات بينه وبين أفراد من الجهاز داخل السجن، والخروج من الحبس برفقة أفراد من الجهاز لزيارة الأماكن التي كان يلتقي فيها بمشغله الروسي في مناطق مختلفة في لندن وضواحيها.

وتكشف تقارير ضباط المخابرات، عن هذه اللقاءات والزيارات الخارجية، عن فاسل كان لا يزال معجبا، رغم كل ما حدث، بطريقة الروس في تشغيله.

ورى أن الروس كانوا لا يترددون في مطالبته بوقف أي نشاط عندما يعبر لهم عن أي هاجس، حتى إن لم يحدد مصدره أو مبرره.

وقال "لم يكن يقترب أي روسي من الشقة التي أسكن فيها".

ويقول أحد التقارير إن فاسل أثنى على واحد من ضباط الاستخبارات الروس، ووصفه بأنه "كان مهذبا للغاية". كما نقل التقرير عن الجاسوس السجين تأكيده أنه "كان معجبا جدا" بهذا الضابط، الذي كان "يؤكد له دائما أن الروس يعملون وفقا نظام مؤمن للغاية". وأشار فاسل إلىى أنه كان يثق في كلام الضابط.

وبعد لقاء مع فاسل أواخر عام 1971، كتب ضباط من إم آي 5 تقريرا أكد أنه رغم توريطه من جانب الروس، لا يزال فاسل "معجبًا بقدر هائل" بأحد مشغليه السابقين في المخابرات السوفيتية. وسبب الإعجاب هو أن هذا المشغل "أبدى قدرا ضخما من الثقة فيه وفهمه". ورأى إم آي 5 أن هذا "يؤكد ذكاء مديريه الروس، الذين طوروا معه علاقة أبوية معه".

لم يكن الأمريكيون بعيدين عن قضية فاسل.

خلال وجوده في السجن، عرض رجال إم آي 5 عليه قائمة، أرسلها لهم مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي "إف بي آي"، بأسماء أفراد عملوا في السفارة الأمريكية في موسكو. وسعى الأمريكيون إلى معرفة العناصر الأمريكية التي كانت على صلة بالجاسوس.

وأبلغ فاسل عن أنه كانت له صلات جنسية مع أحد المبرمجين التابعين للبحرية الأمريكية، وشخص آخر عمل سابقا في القنصلية الأمريكية في هامبورج بألمانيا. وقال إنه كان على صلات مماثلة مع شخص آخر في السفارة انتقل للعمل الآن (عام 1963) رئيسا وحدة الاتصالات بوزارة الخارجية الأمريكية.

في شهر أكتوبر عام 1972 أُفرج عن فاسل بشروط من السجن بعد قضائه 10 سنوات من مدة الحكم. وغير اسمه لأسباب تتعلق بأمنه، ثم عمل بهذا الإسم موظفا في جمعية خيرية ثم شركة محاماة لسنوات طويلة.

وتوفي عن 72 عاما، إثر أزمة قلبية بينما كان يستقل حافلة نقل عام في لندن عام 1996.

كيف أثرت الفضيحة على الموقف من المثلية الجنسية؟
في واحدة من عشرات المقابلات مع ضباط أم آي 5 عام 1963، كشف فاسل عن عدد من المسؤولين المثليين جنسيا، سواء الذين كان له اتصال بهم أو سمع عنهم من آخرين.

وقال "كان معروفا في دوائر المثليين جنسيا أن الوكيل الدائم لوزارة الداخلية مثلي جنسيا".

وأشار تقرير سري عن هذه المقابلة إلى أن فاسل "ألمح أيضا إلى إن تيد (إدوارد) هيث واحد مع هؤلاء". حينها كان هيث، الذي تولى رئاسة الحكومة البريطانية بين عامي 1970 و1974، نائبا لوزير الخارجية والمنسق بين الحكومة والبرلمان.

وتكشف الوثائق عن أنه بسبب فضيحة فاسل، سادت حالة من جنون الشك والهوس من المثليين جنسيا واعتبارهم خطرا أمنيا لأنهم عرضة للابتزاز كما حدث مع فاسل نفسه.

واتسع نطاق تحريات إم آي 5 لتشمل الأشخاص الذين كان يُشك في أنهم مثليون ويعملون في المؤسسات الحكومية.

وشملت التحريات أيضا أشخاصا مثليين تربطهم علاقات مع آخرين يعملون في جهات سواء بالحكومة البريطانية أو بحكومات أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة وكندا.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: