لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

بعد تركه "بيت الشعب".. عون بين رئاستين ولبنان يدخل في فراغ سياسي

10:34 م الأحد 30 أكتوبر 2022

الرئيس اللبناني ميشال عون

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

بيروت - (بي بي سي)

رئاستان ترسمان مسيرة ميشال عون. الأولى، رئاسة الحكومة الانتقالية العسكرية، أما الثانية، فرئاسة الجمهورية اللبنانية التي يرحل عنها اليوم مع نهاية ولايته.

يترك عون "بيت الشعب"، كما يسمى القصر الجمهوري، بجدل كبير حول عهده الذي انفجرت فيه أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخ البلاد.

بين الرئاستين، حربان: "التحرير" في مواجهة الجيش السوري، و"الإلغاء" ضد ميليشيا القوات اللبنانية، الذراع العسكري لليمين المسيحي إبان الحرب الأهلية (1975- 1990) بينهما، تأسس تياره السياسي. بينهما، تحالف عميق، وتسويات لم تدم طويلا.

تلاقى عون، الضابط في الجيش اللبناني وقتها، في أفكاره أولا مع الميليشيات المسيحية، خلال الحرب الأهلية، بعدما بات الوجود الفلسطيني المسلح هاجسه، صار وقفه عند حده همه الوحيد، وكذلك استرجاع سيادة الدولة، حسبما يذكر الصحفي سركيس نعوم في كتابه "ميشال عون حلم أم وهم".

خطط وشارك معهم في معارك عديدة، من أبرزها حصار مخيم تل الزعتر للاجئين الفلسطينيين عام 1976.

عام 1984، عيّن رئيس الجمهورية أمين الجميل، عون قائدا للجيش. لم يكن الأخير مرتاحا لوجود ميليشيا مسلحة إلى جانب الجيش، فوقعت صدامات عديدة بين عناصره ومسلحي القوات.

بينما اعتبر عون أنه يمثل الدولة وإن تحت الغطاء المسيحي، رأى آخرون فيه طامحا إلى الانفراد بالقيادة وساعيا إلى رئاسة الجمهورية.

الحكومة العسكرية والحربان

أعلن أمين الجميل عشية انتهاء ولايته في سبتمبر/أيلول 1988، إقالة الحكومة برئاسة سليم الحص، وتشكيل حكومة عسكرية برئاسة عون، بعد تعذّر انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

اعتبر الحص أن قرار إقالته غير شرعي، فأصبح في لبنان حكومتان، واحدة في بيروت الشرقية، وأخرى في القسم الغربي من العاصمة. الأولى للمسيحيين، والثانية للمسلمين.

في 14 مارس/آذار 1989، أعلن عون الحرب لإخراج القوات السورية من لبنان.

يذكر سركيس نعوم أن القوات اشتركت في المعركة إلى جانب عون، وعادت "الاجتماعات أسبوعية بين عون وجعجع للتشاور والتنسيق".

خلال حرب التحرير بدأت حرب "الإلغاء" بعد أن اتهم عون، القوات والبطريرك الماروني نصر الله صفير، بالموافقة على اتفاق الطائف الذي توصل إليه أعضاء مجلس النواب في أكتوبر/تشرين أول 1989، لإنهاء الحرب الأهلية.

جرّد الطائف رئاسة الجمهورية، المنصب المسيحي الماروني الأول، من صلاحياتها التنفيذية، وأناط بها رئيس الحكومة السني.

لم يكن من الممكن بدء المرحلة الجديدة في لبنان - في نظر رعاة التسوية، أي سوريا والسعودية والولايات المتحدة - في ظل موقف عون المعارض، والمقاتل على الأرض، والرافض لتسليم السلطة إلى الرئيس المنتخب إلياس الهراوي، فبات يُنظر إليه على أنه "متمرد على الشرعية".

ولذلك، أجهزت القوات السورية على "تمرده"، وقصفت القصر الجمهوري يوم 13 أكتوبر/تشرين أول 1990. لجأ عون يومها إلى السفارة الفرنسية، ثم منها إلى باريس.

تحول هذا اليوم إلى تاريخ يحييه "التيار العوني" في كل عام، وعلامة فارقة في "نضاله"، كما يعبّر أنصاره.

ثقل شعبي

استكمل عون عمله السياسي من فرنسا، وأسّس التيار الوطني الحر عام 1994، مركزا في خطابه على إخراج الجيش السوري من لبنان. وعمل على ما عرف بـ "قانون محاسبة سوريا" الذي أقرّه الكونغرس الأمريكي عام 2003، وهدف إلى إنهاء وجودها في لبنان.

لكن بعد صدور القرار 1559، واغتيال رفيق الحريري عام 2005، خرجت سوريا من لبنان، ما سمح لعون بالعودة، حيث استقبله الآلاف من أنصاره، الذين انضووا وقتها ضمن جمهور حركة 14 مارس/آذار.

أثبتت الانتخابات البرلمانية التي جرت في العام 2005 ثقل عون الشعبي، ففاز بـ 21 نائبا، ليمتلك أكبر تكتل مسيحي في مجلس النواب.

أطلق عون شعارين رئيسيين: الإصلاح والتغيير، واسترجاع حقوق المسيحيين، من خلال التوازن الطائفي في وظائف الدولة، وإعادة الصلاحيات لرئيس الجمهورية.

منحه خطابه مصداقية في شارعه كونه لم يشارك في السلطة بعد انتهاء الحرب الأهلية، ما يعني عدم مسؤوليته عن الوضع الاقتصادي، وأضعف الوزن السياسي للمسيحيين.

دعامة الرئاسة

في 6 فبراير/شباط 2006، وقّع التيار الوطني الحر وثيقة تفاهم مع حزب الله ستضعه في تحالف مع قوى 8 مارس/آذار، التي تمايز عنها في الرؤية والمواقف.

بعد عامين، حلّ عون ضيفا على الرئيس السوري بشار الأسد، الذي استقبله بحفاوة، وطويا سويا صفحة الماضي.

سيكون تحالف عون مع حزب الله، أبرز دعائم وصوله إلى سدة الرئاسة. فمع انتهاء ولاية ميشال سليمان عام 2014، عطّل تحالف 8 مارس/آذار بقيادة الحزب نصاب مجلس النواب، حتى نضوج التسوية التي ستفضي إلى انتخاب عون.

وبالفعل، دعم رئيس حزب القوات سمير جعجع ترشيح عون. ولم يجد رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، الذي كان يدعم ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، في نهاية المطاف بدا من دعم ترشيح عون، فانتخب الأخير رئيسا في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2016، بعد حصوله على أصوات أغلبية أعضاء البرلمان.

في الواجهة

بيد أن عون أصبح أول رئيس مدفوع بثقل شعبي وازن منذ 1990، دارت الأسئلة حول كيفية تمكنه من تطبيق شعار الإصلاح بعد أن أصبح شريكا أساسيا في السلطة مع القوى السياسية التي حمّلها لسنوات، المسؤولية عن الوضع الاقتصادي المتردي والفساد في الدولة.

كانت صورة عون كـ "إصلاحي" اهتزت عندما سلّم صهره النائب جبران باسيل، رئاسة التيار الوطني الحر عام 2015 في انتخابات وصفت بـ "الشكلية"، ما دفع بعض الكوادر إلى المغادرة وخلق تململا في قاعدته الشعبية.

واتُهم باسيل باستغلال عهد عون للتمهيد لوراثته في رئاسة الجمهورية، الأمر الذي جعله قبلة للانتقادات من خصومه الذين لا يرغبون وصوله إلى الحكم.

أصبح عون وتياره السياسي في الواجهة، وباتا إلى جانب حزب الله يحمّلون وزر المشاكل الاقتصادية والانسداد السياسي الذي تعيشه البلاد، سيما بعد اندلاع احتجاجات 17 أكتوبر/تشرين أول 2019.

اتهم عون خصومه، على رأسهم القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، باستغلال الشارع لتقويض عهده، معتبرا استقالة الحريري من رئاسة الحكومة حينذاك رميا للمسؤولية الكاملة عليه.

على ضوء ذلك، رفع التيار الوطني الحر شعار "ما خلونا"، كناية عن تعطيل القوى السياسية المناوئة، ومنها حركة أمل حليف حزب الله الرئيسي، لمشاريع نواب ووزراء التيار، وفق ما يزعمون.

وانقضى من عهد عون 949 يوما في ظل 5 حكومات تصريف الأعمال، أي ما يمثل نسبة 43.3% من أيام العهد التي بلغت 2191 يوما، وفق شركة الدولية للمعلومات للإحصاء.

اشتدت الأزمة في لبنان مع وقوع انفجار مرفأ بيروت مطلع أغسطس/آب 2020، الذي تلازم مع انتشار فيروس كورونا، ما ضاعف النقمة على العهد، والنخبة السياسية الحاكمة.

في غضون السنتين الأخيرتين من ولاية عون، ازداد الانهيار عمقا. إلا أن عون وفريقه، مدعومون بتهديد عسكري من حزب الله لإسرائيل، تمكنوا من الإسراع في إنجاز الترسيم البحري مع الأخيرة، ما يسمح للبنان بالبدء بالتنقيب عن الغاز في مياهه الإقليمية، بشكل رئيس في حقل قانا الذي أظهرت المسوح أنه قد يحتوي على كميات كبيرة من الغاز.

أزمة الفراغ

يرحل عون ولم ينتخب البرلمان خلفا له بعد أربع محاولات كان مصيرها الفشل، وفي ظل حكومة تصريف أعمال ورئيس حكومة مكلف لم يشكل بعد.

وعليه أصبح الوضع القائم مفتوحا على تساؤلات حول مدى إمكانية انتخاب رئيس جديد وما هي المدة التي سيستغرقها.

يعتقد رئيس تحرير موقع 180 بوست، حسين أيوب أنه لا إمكانية لانتخاب رئيس للجمهورية إذا ما استمر الانسداد السياسي القائم حاليا.

ويقول أيوب في مقابلة مع بي بي سي إن "كل المعسكرات السياسية لديها قدرة تعطيل مجلس النواب، وكذلك القوى الخارجية. في المقابل، لا أحد يمتلك أكثرية الثلثين لانتخاب رئيس من الدورة الأولى".

وفي ظل غياب حراك عربي أو دولي يساعد اللبنانيين على التوافق، ربما ننتظر "حدثا لبنانيا اقتصاديا أو أمنيا أو سياسيا، يطلق شرارة دينامية داخلية وخارجية، مما ينتج رئيسا توافقيا للبنان من خارج الاصطفاف السياسي".

وكان لبنان قد توصل إلى اتفاقات مبدئية مع صندوق النقد الدولي، يرى أيوب أنها لن تتحول إلى اتفاق نهائي قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، فـ "الصندوق بحاجة للتعامل مع جهة رسمية قادرة على اتخاذ قرارات وتنفيذها وغير مشكوك بشرعيتها".

ويشغل موضوع إجراء مؤتمر تأسيسي جديد لتغيير صيغة الحكم، حيزا في النقاش العام منذ اندلاع الاحتجاجات قبل ثلاث سنوات، لكن هل الفرصة سانحة اليوم؟

"لو تشكلت حكومة ربما كان أمد الفراغ طال، كون القوى الخارجية ستجد من يدير المرحلة. لكن واقع الحكومة الحالية واحتمال التشكيك بدستوريتها سينتج أزمة تصب في خانة محاولة حث الخارج على وضع لبنان على أجندته، وبالتالي التسريع بانتخاب رئيس"، يقول أيوب.

ويشير إلى أنه "إذا انتخبنا رئيسا سيكون المؤتمر تأسيسي مؤجلا، أما إذا تأخر ذلك فسنذهب إلى طائف جديد".

نفي عون من لبنان عام 1990 على ضوء تسوية محلية ودولية أفرزت اتفاق الطائف. بينما ينتهي عهده الرئاسي من دون انتخاب خلف له، والبلد مفتوح أمام أزمة سياسية واقتصادية ليست معلومة الخواتيم.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: