لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"لا نريد أن نصبح روس".. مدينة أوكرانية تناضل "الحرب النفسية" الروسية؟

07:33 م الأحد 30 يناير 2022

دبابة روسية قديمة تي 34 مغطاة بالثلوج أمام المتحف

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كييف - (ا ف ب)

أصبحت مدينة خاركيف، الواقعة شمال شرق أوكرانيا، محل اهتمام دولي كبير منذ إعلان رئيس البلاد احتمال "احتلالها" من قبل روسيا. إعلان انتقده العديد من سكان هذه المدينة الذين يخشون أكثر من أن تكثف موسكو من عملياتها المزعزعة لاستقرار المدينة بقدر ما يخافون من غزو عسكري. ريبورتاج

تبدو الحياة عادية هذا الصباح أمام المدرسة الابتدائية "ألكسيفكا" في مدينة خاركيف وتشبه حياة المدارس الأخرى في باقي العالم. لكن ثمة فرق واحد فقط: صعوبة التنقل في ظل درجة حرارة سلبية وصلت إلى 10 تحت الصفر. ما جعل أولياء التلاميذ يستخدمون الزلاجات الجليدية لنقل أطفالهم إلى المدارس عوضا عن المركبات المخصصة لذلك.

لكن بعيدًا عن درجات الحرارة المنخفضة والشتاء القارس هذا اليوم الموافق لـ27 يناير، ما يقلق أكثر سكان مدينة خاركيف الواقعة على بعد 40 كيلومتر فقط من الحدود مع روسيا، هو الكم الهائل من الإنذارات الكاذبة بخصوص إمكانية إطلاق روسيا قنابل على العديد من المؤسسات التربوية في البلاد، بما في ذلك مدرسة "ألكسيفكا" بأوكرانيا.

فقبل ثلاثة أيام، تم إجلاء جميع التلاميذ للسماح للشرطة ولمزيلي الألغام البحث على متفجرات محتملة تكون قد وضعت داخل هذه المدرسة.

وقالت يوليا، وهي أم أوكرانية قامت بمرافقة ابنها إلى المدرسة لفرانس24: "تلقيت مكالمة من قبل مدرس قال لي فيها بأن عملية الإجلاء ليست تمرينا روتينيا بل إن جهاز الاستخبارات الأوكراني تقلى رسالة مجهولة مفادها أن المدرسة مفخخة".

وأضافت: "لم يصب من كانوا في المدرسة بهلع. حتى ابني الذي يبلغ عمره 7 سنوات لم يشعر بالخوف. كان فقط قلقا من نسيان محفظته في المدرسة. أما أنا، فشعرت بالخوف لأن الشرطة لا تلقي القبض على المتورطين في هذه العمليات على الرغم من إمكانياتها التقنية الكبيرة".

وازدادت مخاوف هذه الأم عندما سمعت عبر الإعلام أن جميع المدراس التي تقع في مدينة "زابوريجا" (حوالي250 كيلومتر جنوب خاركيف) تلقت هي الأخرى إنذارات كاذبة في نفس الوقت.

وتزيد هذه التهديدات في تعكير الأجواء وزيادة المخاوف في مدينة خاركيف التي يبلغ عدد سكانها 1,5 مليون شخص وتقع على الحدود مع روسيا.

فيما تشكل هذه المدينة هدفًا حربيًا لروسيا بسبب تاريخها من جهة، وطبيعة سكانها الذين يميلون إلى الثقافة الروسية ويتحدثون اللغة الروسية، من جهة أخرى.

من ناحية أخرى، زاد تصريح رئيس أوكرانيا فلوديمير زيلينسكي في 20 يناير والذي تحدث فيه عن احتمال احتلال القوات الروسية، من نسبة التوتر الذي تعيشه هذه المدينة الحدودية.

وقال سيرغاي غودز، وهو رب عائلة اصطحب ابنه إلى نفس المدرسة: "تصريح الرئيس الأوكراني يتسم بنوع من الغباء وسيزيد الوضع توترا. نحن ندرك جيدا أن التوتر الذي نعاني منه هنا سيجعل عملية غزو أوكرانيا سهلة بالنسبة لروسيا".

حرب نفسية وزعزعة الاستقرار

ويبدو أن سكان مدينة خاركيف لا يخشون كثيرا سيناريو الغزو العسكري الروسي بقدر ما يخافون من ارتفاع حدة العمليات التي تهدف إلى زعزعة وضرب الاستقرار الداخلي.

وقالت يوليا بدانكو، أستاذة في جامعة "كارزين" الوطنية والواقعة في مدينة خاركيف لفرانس24: "التهديدات الأكثر احتمالا اليوم هي الهجمات الإرهابية. والدليل أنهم سبق وأن قاموا بمثل هذه الهجمات. فمنذ 2014، أحبطت القوات الأمنية ما لا يقل عن 10 هجمات إرهابية. اثنتان أصابتا أهدافهما".

وتطرقت نفس الأستاذة إلى ارتفاع عدد "الهجمات الإلكترونية" الروسية وتنامي قوة أجهزة الإرسال لهذا البلد منذ 2017 فضلا عن ارتفاع عدد الإنذارات الكاذبة بشأن وجود متفجرات داخل المستشفيات والمدارس.

لكن كل هذه المخاوف والتهديدات تدخل في إطار الاستراتيجية التي تستخدمها روسيا من أجل الضغط نفسيا على سكان مدينة خاركيف الأوكرانية.

دخلنا إلى حانة "ستينا" التي تعرضت إلى تفجير في نوفمبر 2014 أصيب إثره العديد بجروح والتقينا بالشاب إيغور الذي كان حاضرا يوم وقوع الانفجار. وقال لفرانس24: "بوتين لا يملك الجرأة الكافية لغزو أوكرانيا".

وأضاف ديميترو بوخلار، وهو ممثل منتخب ببلدية خاركيف ورئيس مركز لمحاربة الرشوة في نفس المدينة: "ارتفاع عدد الإنذارات بشأن احتمال وقوع هجمات روسية له علاقة مباشرة مع التوترات التي تشهدها الساحة الدولية. في السابق، الرسائل المجهولة التي تمكنا من تشفيرها كانت تأتي من روسيا أو من المناطق التي يسيطر عليها انفصاليو دومباس".

وتابع: "الروس يحاولون ضرب استقرار البلاد والتسبب في الفوضى. لكن للأسف هذا يؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد ويؤدي إلى انخفاض سعر العملة الوطنية ويجعل بعض الشركات المتخصصة في التكنولوجيا تفكر في نقل موظفيها للعمل في غرب أوكرانيا أو حتى في بولندا".

"لا يريد أحد أن يصبح روسيًا"

في شرق مدينة خاركيف، لا يزال سوق براباشوفا، واحد من أهم الأسواق في أوروبا الشرقية، يعاني من التوترات الجيوسياسية.

محلات عديدة بدت كأنها مقفلة في اليوم الذي قامت فيه فرانس24 بزيارة السوق الذي تبلغ مساحته حوالي 75 هكتار. استفاد في السابق من موقعه الجغرافي الحيوي كونه يقع على الطريق التجارية التي تربط أوكرانيا بروسيا.

تحدثنا مع بيوتر بيربورشكوف، وهو بائع في محل مخصص لتسويق حقائب اليد وقال لفرانس24: "اضطرت أن أجد عملا ثانيا في مصنع ابني لكي أحافظ على نفس مستوى المعيشة الذي كنت أملكه قبل أن تتراجع التجارة والاقتصاد في 2017". وتابع: "سابقا، كان نصف المشترين يأتون من روسيا ومن منطقتي دونيسك ولوهانسك. أما اليوم، فهم لا يستعطون المجيء بسهولة إلى هنا، بل يجب عليهم سلك ممرات بديلة وسرية. الجميع يريد تبادلات تجارية مع الروس، لكن لا أحد يريد أن يصبح روسيا".

وأضاف نفس البائع "عدد كبير من سكان مدينة خاركيف لديهم أقارب وروابط عائلية مع سكان روسيا. لا أحد يريد الحرب".

ترمز مدينة خاركيف، أكثر من أية مدينة أخرى، إلى الفجوة العميقة القائمة بين أوكرانيا وروسيا وذلك منذ اندلاع النزاع مع انفصاليي منطقة دونباس في 2014. فيما ساعد هذا النزاع، الذي أدى إلى فرار مفاجئ لحوالي 300 ألف شخص في بروز مخاوف إزاء مشروع الانفصال، وفق الأستاذة يوليا بدانكو.

وأضافت الجامعية لفرانس24: "كل هذه التهديدات ربما هي جديدة بالنسبة لسكان كييف أو لفيف. لكن نحن هنا نعيش على بعد 40 كيلومتر فقط من الحدود مع روسيا، وأدركنا منذ 2014 أن هناك احتمالا أن نكون الضحايا القادمة".

لكن على الرغم من جميع التهديدات الروسية، إلا أن قدرة التكيف مع الواقع عالية جدا لدى سكان خاركيف، إذ تبدو الحياة فيها عادية. فلم نلاحظ أي انتشار لقوات الأمن المحلية، بالعكس اكتظت الحانات والمقاهي بالزبائن.

وبالرغم ممن شعور سكان خاركيف بنوع من القلق جراء الوضع الأمني، إلا أنهم لا يتقاسمون التهويل والمخاوف التي أنتجتها حرب الأعصاب التي نشبت بين أوكرانيا وروسيا.

لكن الضغوطات النفسية التي تمارسها روسيا على أوكرانيا والانتشار العسكري الذي وقع مؤخرًا تسببا في توسيع فجوة الكراهية والارتياب إزاء موسكو، حتى من قبل معجبي ومحبي الثقافة الروسية الذين غالبا ما يساندون جارهم الكبير.

وأنهت يوليا بدانكو: "سكان خاركيف واعون بالمخاطر اليوم أكثر من 2014. فالصور السابقة التي كانت تبين مجموعات من "البابوشكا" وهم ينوحون ويطلبون المساعدة والدعم من بوتين أصبحت لا تأثر على أحد ولا يريد أحد رؤيتها من جديد. حتى الناخبون الموالون لروسيا يرفضون ذلك. بعبارة أخرى، يمكننا أن نقول لبوتين. شكرا لك لأنك وحدتنا".

هذا المحتوى من

AFP

فيديو قد يعجبك: