باحث أمريكي: النهج الدبلوماسي مع إيران يخدم مصالح واشنطن في أوراسيا
واشنطن- (د ب أ):
من الممكن أن تكون هناك فرصة ذهبية مرحب بها تلوح في الأفق للعودة إلى مسار الدبلوماسية في منطقة مضطربة من العالم، تتمثل في النية المعلنة لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن استئناف العمل بالاتفاق النووي الإيرانيلعام 2015 .
وحتى إذا تعرضت تلك النية للخطر جراء العملية العسكرية الأمريكية الأخيرة في سورية، من المحتم ألا يحدث المزيد من مثل هذه الاستفزازات من أجل المصالح طويلة الأجل للعلاقات الأمريكية الإيرانية.
وفي تقرير للزميل في معهد ديفينس برايورتيز الأمريكي كريستوفر مووت نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية قال إنه في ضوء القدرة على التخلي عن مختلف الحروب بالوكالة من أجل تطبيع التجارة في منطقة الخليج ، أصبحت ضرورة استخدام الدبلوماسية أولا للانخراط مع إيران أكثر وضوحا بالنسبة للكثيرين في واشنطن العاصمة.
وأضاف أن ما يتعين وضعه في الاعتبار أيضا ، بالإضافة إلى المكاسب الفورية لإعادة صياغة الاتفاق النووي ، هو الفرص الجيوسياسية طويلة المدى التي سوف تتأح في جميع أنحاء المنطقة أورواسيا إذا ما تم تطبيع العلاقات الأمريكية الإيرانية على نحو صحيح ووقتما يتحقق ذلك.
فإيران تتمتع بامكانيات هائلة في الإطار العام لسياسات القوة في منطقة أوراسيا. إذ يعيش أكثر من 80 مليون شخص في هضبة يمكن الدفاع عنها تربط بشكل مباشر مركز الطاقة في بحر قزوين بمنطقة الخليج المتصلة بالمحيط. ويمكن لإيران الدفاع عن أراضيها بشكل جيد ضد أي هجوم خارجي .
و تشهد إيران حاليا ازدهارا ديموجرافيا للعمالة الرئيسية المؤثرة اقتصاديا ، كما أن معظم مناطق البلاد حضرية بشكل كبير وتتمتع بمعدل قوي ومتزايد للألمام بالقراءة والكتابة.
ويقترب الناتج المحلي الإجمالي الاسمي لإيران من الطرف الأدنى للدول الثلاثين الأولى في العالم ، رغم القدر الهائل من العزلة الدبلوماسية والاقتصادية الدولية المفروض عليها نتيجة العقوبات من الخارج.
وأضاف مووت، الباحث السابق بوزارة الخارجية الأمريكية، أن السؤال الذي يطرح نفسه على الفور هو كيف سيبدو الاقتصاد الإيراني وهو غير مقيد ويتم السماح له بالوصول بشكل كامل إلى الأسواق الدولية.
وربما يبدو هذا الأمر مثيرا للقلق بالنسبة لصانعي السياسة في الولايات المتحدة، ولكنه بمثابة فرصة لأولئك المهتمين بالخروج عن النهج التقليدي للسياسة الخارجية.
وحتى في أفضل السيناريوهات ، لن تكون إيران قوة عالمية في المستقبل في مستوى الصين أو روسيا أو الهند. مع ذلك ، فإن ما تفعله ايران يتمثل في شغل موقع مهم محتمل بين تلك البلدان ولديها ميول مستقلة للغاية عنها جميعا.
واوضح مووت أنه في الوقت الذي تتحرك فيه لغة خطاب صانعي السياسة في الولايات المتحدة بوضوح نحو موقف تنافس من جانب قوة عظمى ، يجدر الوضع في الاعتبار أن إيران، في حالة التمتع بقدر أكبر من التطبيع والنجاح ، يمكن أن تكون حصنا قويا في منع تحالف واحد من اليهمنة على أراضي منطقة أوراسيا في المستقبل.
ويتعذر تحقيق ذلك إلا من خلال أن تكون إيران في وضع آمن بما يكفي حتى لاتضطر إلى الاعتماد على دول أقوى لتوفير الحماية لها من هجوم خارجي أو حصار اقتصادي.
ويوضح اعتماد سوريا بشكل أكبر على موسكو كلما طالت فترة مواجهتها لتمرد مدعوم من جانب خصومها المجاورين، مخاطر دفع الدول الأصغر إلى أن تكون في وضع الاحتياج في ظل مواجهة العقوبات و موقف عداني.
وذكر مووت أنه إذا تعين على إيران أن تواجه جهدا منسقا آخرا لتغيير النظام أو زيادة تضييق الخناق الاقتصادي عليها ، قد تجد نفسها في وضع مماثل وتطلب المساعدة من بكين أو موسكو ، مما يقلل من استقلالها ويزيد من نفوذ القوى التي تنافس الولايات المتحدة.
وفي حالة تمتع إيران بقدر أكبر من التطبيع على المسرح العالمي، من المرجح أن تقوم بدورأساسي كقوة توازن إقليمية ،حيث سوف تسعى دائما إلى تعظيم نهجها الاستقلالي في مواجهة جميع القوى العظمى ، وليس فقط في مواجهة الولايات المتحدة.
وبينما يتنافس العديد من الدول على الحق في الحصول على استثمار أجنبي مباشر في قطاع النفط الإيراني المقترن بقدراتها الدفاعية القوية على المستوى الإقليمي، سوف تكون طهران في الوضع الذي يمكنها من تقديم بدائل لتوسع سهل لقوى عظمى تصبو إليه قوى مفرطة في الطموح بسبب الحقيقة البسيطة المتمثلة في أنها يمكن أن تكون ثقلا مضادا لمثل هذه الجهود لتعظيم استقلالها.
وإضافة إلى ذلك ، يُظهر التدهور المستمر للعلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا الحكمة في الحصول على أكثر من قوة متوسطة الحجم ذات نهج مستقل في المنطقة يكون لها بعض الصلات الدبلوماسية مع واشنطن و تتمتع بالقوة الكافية للاعتماد على نفسها.
وإذا رغب صانعو السياسة في الولايات المتحدة في تعظيم خياراتهم على المدي الطويل لتحقيق زيادة في القوة الدبلوماسية دون الحاجة للجوء إلى المزيد من التدخلات العسكرية ، فسيكون من الحكمة الوضع في الاعتبار أن استئناف العمل بالاتفاق النووي الإيراني يمكن أن يكون مجرد بداية لمرحلة جديدة في العلاقات بين واشنطن و طهران.
وهي مرحلة تقوم فيها إيران بدور من شأنه أن يسهم في تحقيق الهدف القائم منذ فترة طويلة للمخططين الجيو الاستراتيجيين الامريكيين والمتمثل في منع قوة كبرى أو شبكة تحالف واحدة من الهيمنة على قارة أوراسيا الهائلة.
واختتم الباحث مووت تقريره بقوله إنه ربما يكون الطريق للمضي قدما إلى الأمام صعبا ، ومازال يجب التغلب على العديد من التحديات ، ولكن بالنسبة لأولئك الذين يشككون في نهج التدخل المستمر سعيا لبسط الهيمنة على العالم ، وبالنسبة للذين يسعون وراء ابتكار أساليب جديدة للدبلوماسية، ربما تستحق محاولة تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وايران الوقت الذي تستغرقه بطريقة طويلة المدى حقا ، ويعتبر وقف التصرفات العسكرية الحالية من أجل انخراط دبلوماسي كامل هو السبيل الوحيد لتحقيق ذلك.
فيديو قد يعجبك: