"جثث بلا هوية تلتهمها النسور".. شهود عيان يروون تفاصيل مجزرة دنجيلات في تيجراي
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
كتب - محمد عطايا:
"لم يكن من السهل التعرف على هوية القتلى بعدما أصيبوا برصاصات في الوجه.. كنت أبكي خلال فرز أجساد الأطفال والكبار وأياديهم أطفال وكبار.. عملت من أول اليوم إلى آخره لدفن أكثر من 50 شخصًا، قبل أن تصبح وجبة للنسور والضباع التي بدأت في التهامهم بعضها.. ولم أفرغ من عملية الدفن إلا ليلا"، هكذا وصف أبراهام (اسم مستعار)، لشبكة "سي إن إن"، ما حدث من عمليات قتل جماعي في قرية دنجيلات بإقليم تيجراي.
قالت الشبكة الأمريكية، إنها اعتمدت على مقابلات عدة مع شهود عيان لتوثيق ما حدث لأهالي قرية دنجلات في تيجراي، أواخر نوفمبر الماضي، على يد الجنود الإريتريين الذين ساعدوا الجيش الإثيوبي في اقتحام الإقليم.
أوضحت "سي إن إن"، أن الاسماء المذكورة في التحقيق الذي أجرته جميعها "مستعارة"، نظرا لخوف شهود العيان من انتقام الحكومة الإثيوبية.
أطفال ونساء وقساوسة في مرمى النيران
في 30 نوفمبر الماضي، انضم العشرات من أهالي إقليم تيجراي الفارين من المعارك التي اندعلت بين "جبهة تحرير تيجراي" والجيش الإثيوبي حينها، إلى أهالي قرية دنجيلات، وبالتحديد كنيسة "مريم دنجيلات"، للاحتفال بعيد أرثوذوكسي يقام كل عام.
من لاذ بالفرار من مناطق الحرب في تيجراي، لم يتمكن من الهرب من رصاص الجنود الإريتريين، الذين استمروا لمدة 3 أيام في تلك المنطقة، وأطلقوا الرصاص على الأطفال والنساء والشيوخ والقساوسة والرجال.
قالت "سي إن إن"، بناء على شهادات شهود عيان، إن الجنود الإريتريين، انتقلوا من بيت إلى آخر، يسحبون الناس من منازلهم ويقتلونهم بلا شفقة، وأُجبرت الأمهات على ربط أبنائهن، كما أطلقوا النار على امرأة حامل وقتل زوجها.
استمرت الفوضى لمدة ثلاثة أيام، حيث قتل الجنود السكان المحليين والنازحين والحجاج.
وفي 2 ديسمبر، سمح الجنود بدفن غير رسمي، لكنهم هددوا بقتل أي شخص يرونه يقيم الحداد على القتلى.
يقول إبراهام، إنه تطوع لدفن جثث القتلى، مؤكدًا "كنت أبكي خلال فرز أجساد الأطفال والمراهقين"، مشيرًا إلى "جمع بطاقات الهوية من الجيوب وتدوين ملاحظات دقيقة حول ملابسهم أو علامات مميزة بأجسادهم ليتعرف عليهم ذويهم".
قال إبراهام إن "بعضهم كان لا يمكن التعرف عليهم تمامًا، بعد أن أصيبوا برصاصة في الوجه"، لافتًا إلى أن من بين القتلى "صبي عمره 15 عامًا فقط".
وأضاف "كانت أيديهم مقيدة.. أطفال صغار.. رأيناهم في كل مكان.. وكان هناك رجل مسن يبلغ من العمر 80 عامًا قتل على الطريق".
قال إبراهيم إنه "دفن أكثر من 50 شخصًا في ذلك اليوم، لكنه يقدر أن أكثر من 100 لقوا حتفهم في الهجوم".
وأشارت "سي إن إن"، إلى أن قتلى قرية دنجيلات، هم مجموعة من بين آلاف يُعتقد أنهم قُتلوا منذ نوفمبر، عندما شن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الحائز على جائزة نوبل للسلام في عام 2019 لحل الصراع الطويل الأمد مع إريتريا المجاورة، عملية عسكرية كبيرة ضد جبهة تحرير تيجراي.
واتهم جبهة تحرير تيجراي الشعبية، التي حكمت إثيوبيا لما يقرب من ثلاثة عقود قبل تولي أبي أحمد السلطة في 2018، بمهاجمة قاعدة عسكرية حكومية ومحاولة سرقة أسلحة.
وبعد السيطرة على المدن الرئيسية في تيجراي في أواخر نوفمبر، أعلن أبي أحمد النصر وأكد أنه لم يصب أي مدني في الهجوم، إلا أن الهجمات من الجانبين استمرت لفترات طويلة.
كما نفى أبي أحمد أن جنودًا من إريتريا عبروا الحدود إلى تيجراي لدعم القوات الإثيوبية.
وقالت "سي إن إن"، إن العنف امتد إلى المجتمعات المحلية، وأدى إلى اصطياد المدنيين في مرمى النيران، وأثار ما وصفته وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بأنه "أسوأ هروب للاجئين من المنطقة منذ عقدين".
وقال المستشار الخاص للأمم المتحدة المعني بمنع الإبادة الجماعية في أوائل فبراير، إن المنظمة تلقت عدة تقارير عن "عمليات قتل خارج نطاق القضاء، وعنف جنسي، ونهب، وإعدامات جماعية، وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية".
وتم إلقاء اللوم في العديد من هذه الانتهاكات على الجنود الإريتريين، الذين يشير وجودهم على الأرض إلى أن اتفاق السلام الذي أشاد به آبي مع الرئيس الإريتري أسياس أفورقي مهد الطريق للجانبين لشن حرب ضد جبهة التحرير الشعبية لتحرير تيجراي، وهو العدو المشترك.
"زوجي قتل بين ذراعي"
رغم أن الوضع داخل إقليم تيجراي مبهم كثيرا، نظرا لما فرضته الحكومة الإثيوبية من قيود مشددة على وصول الصحفيين إلى المنطقة، إلا أن الشهود الفارين من مناطق الحرب في تيجراي تمكنوا من استعادة شبكات الهواتف النقالة، وبدأوا في رواية ما وقع من "عمليات قتل جماعي".
وقال شهود عيان لـ"سي إن إن"، إن الاحتفال الديني في دنجيلات بتيجراي، بدأ كما كان في أي عام آخر، ولكن مع انتهاء الصلاة في الساعات الأولى من يوم 30 نوفمبر، نظر إبراهام من قمة التل حيث موضع الكنيسة ليرى جنود إريتريين يصلون سيرًا على الأقدام، يليهم المزيد من الجنود في شاحنات.
وأكد إبراهام أن الجنود كانوا سلميين في البداية، وتمت دعوتهم لتناول الطعام والراحة.
وأضاف أنه "بينما كان المصلين يحتفلون بالقداس حوالي منتصف النهار، اندلع القصف وإطلاق النار، ما دفع الناس إلى الفرار عبر الممرات الجبلية وإلى المنازل المجاورة".
وقال ديستا (اسم مستعار)، الذي ساعد في الاستعدادات للاحتفال، إنه كان في الكنيسة عندما وصلت القوات إلى مدخل القرية، وأغلقوا الطريق وأطلقوا أعيرة نارية.
وأضاف "سمعت الناس يصرخون وهربوا إلى جانب جبل زقلاي.. الجنود كانوا يقتلون كل من كان في طريقه أو يخرج من الكنيسة".
وقال ثمانية من شهود العيان إن "الجنود كانوا إريتريين، بناءً على زيهم ولهجتهم".
وأكدت مارتا (اسم مستعار)، التي كانت تزور دنجيلات لقضاء العطلة، إنها غادرت الكنيسة مع زوجها بينيام بعد صلاة الفجر.
عندما عاد الزوجان إلى منزل قريبهما، بدأ سيل من الناس بالركض إلى أعلى التل، وهم يهتفون بأن "الجنود يجمعون الناس في القرية".
تتذكر مارتا "اللحظة المرعبة" التي وصل فيها الجنود إلى منزلهم، وأطلقوا النار على المجمع وصرخوا "اخرجن، اخرجن أيتها العاهرات".
خرجت مارتا وزوجها بالفعل من المنزل حاملين بطاقات هويتهما عاليا، قائلين "نحن مدنيون"، لكن القوات فتحت النار عليهم، فأصابت بنيام وشقيقته وعدة أشخاص آخرين.
وقالت مارتا "كنت أحمل بنيام، لم يكن ميتًا ... اعتقدت أنه سينجو، لكنه مات (بين ذراعي)".
كان الزوجان قد تزوجا للتو في أكتوبر. واكتشفت مارتا بعد "المجزرة" أنها حامل.
بعد أن غادر الجنود، ساعدت مارتا، التي قالت إنها أصيبت برصاصة في يدها، في جر سبعة جثث إلى داخل منزلها حتى لا تأكلها الضباع.
وقالت "نمنا بالقرب من الجثث.. ولم نتمكن من دفنها لأنهم (الجنود) ما زالوا هناك".
وصفت مارتا وشهود عيان آخرون أن الجنود يذهبون من منزل إلى منزل عبر دنجيلات، ويسحبون الناس إلى الخارج، ويقيدون أيديهم أو يطلبون من الآخرين القيام بذلك، ثم يطلقون النار عليهم.
قالت رهوة (اسم مستعار)، إن الأمهات أجبرن على ربط أبنائهن، وكانوا يأخذونهم حفاة ويقتلونهم أمام أمهاتهم.
وأكد صموئيل (اسم مستعار)، شاهد عيان آخر، أنه أكل وشرب مع الجنود قبل أن يأتوا إلى منزله الواقع خلف الكنيسة مباشرة، وقتل أقاربه. وقال إنه نجا من خلال الاختباء تحت إحدى جثثهم لساعات.
وقال صموئيل "بدأوا في إخراج الناس من منازلهم وكانوا يقتلون جميع الأطفال والنساء والشيوخ. وبعد أن قتلوهم خارج منازلهم، راحوا ينهبون ويأخذون كل الممتلكات".
مع احتدام العنف، بقي المئات في قاعة الكنيسة، وعندما هدأت أصوات الطلقات، نصح القساوسة المصلين بالعودة إلى منازلهم، إلا أنه بمجرد خروجهم بدأ الجنود الإريتريين بقتلهم.
مع عدم وجود مكان يركض إليه، احتمى إبراهام داخل كنيسة مريم دنجيلات، ملقى على الأرض بينما قصفت المدفعية سقف التل.
وقال "فقدنا الأمل وقررنا البقاء والموت في الكنيسة. لم نحاول الهرب".
"النسور تلتهم الجثث"
قال إبراهام إن الجنود الإريتريين ظلوا في المنطقة في عدة مخيمات، وسرقوا السيارات وحرقوا المحاصيل وقتلوا الماشية قبل أن يخرجوا من المنطقة.
وأكد تيدروس (اسم مستعار)، المولود في دنجيلات وسافر إلى هناك بعد مغادرة الجنود، إن القرية تفوح منها رائحة الموت وأن النسور كانت تحوم فوق الجبال، في إشارة إلى احتمال وجود المزيد من الجثث.
وأضاف "أن النسور أطلت بعض الجثث قبل دفنها.. كان الأمر مروعًا.. الجنود قيدو المدنيين وقتلوهم أمام منازلهم".
وأوضحت "سي إن إن"، أن العائلات تأمل أن تتم قراءة أسماء أحبائهم، الذين خاطر تيدروس وإبراهام وآخرون بحياتهم لتسجيلها.
بعد ثلاثة أشهر من المجزرة، تعتبر المقابر في دنجيلات بمثابة تذكير يومي بسفك الدماء للناجين الذين بقوا في القرية.
فيديو قد يعجبك: