ضغائن آبي ونفوذ نوبل.. كيف مهدت جائزة السلام إلى الحرب في إثيوبيا؟
كتب - محمد صفوت:
كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عن أدلة تثبت تخطيط رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد للحرب الأهلية قبل أشهر من شن قواته عملية عسكرية على تيجراي، والتي كان مُفترضًا أن تكون سريعة وبدون سفك دماء.
وقالت "نيويورك تايمز" إن الحرب كانت اختيارًا لرئيس الوزراء الحاصل على جائزة نوبل للسلام، التي حولته لأيقونة عالمية لبعض الوقت "للسلام" قبل حتى حصوله على الجائزة.
من السلام إلى الحرب
ونقلت الصحيفة، عن مسؤولين إثيوبيين حاليين وسابقين، قولهم إن فوزه بالجائزة، شجعه على التخطيط سرًا مع زعيم إريتريا أسياس أفورقي، لبدء حرب ضد خصومهما في تيجراي، وأمر آبي بإرسال طائرات شحن عسكرية إلى إريتريا المجاورة.
ونقلت الصحيفة عن المسؤول البارز السابق في إدارة آبي، جيبريمسكل كاسا: "منذ فوزه بجائزة نوبل، شعر آبي بأنه أحد أكثر الشخصيات نفوذًا في العالم، وأنه يملك الدعم الدولي، وإشعاله حربًا في تيجراي لن يحدث شيء".
تحدث بعض المسؤولين للصحيفة، عن اجتماعات لمستشاري آبي والقادة العسكريين، حول مزايا الصراع، ومن رفض الحرب أجبر على مغادرة منصبه، وأضافوا أن الغرب كان لازال منبهرًا بآبي، ولم يرى الإشارات التحذيرية لبداية الحرب.
يرى محللون، أن رحلة آبي من صانع للسلام إلى قائد في ساحة المعارك "قصة تحذيرية" للغرب، الساعي وراء إيجاد بطل جديد في أفريقيا. ويقول كبير دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي في القرن الأفريقي سابقًا أليكس روندوس: "يحتاج الغرب إلى تعويض أخطائه في إثيوبيا، لقد أساء الحكم على أبي" مضيفًا إن القضية أصبحت هل يمكن منع انهيار بلد تعداد سكانه 110 مليون نسمة.
الفائز بجائزة نوبل للسلام، عقد اتفاقًا مع إريتريا لينهي حربًا دامت لنحو عقدين من الزمان، وأطلق سراح معتقلين سياسيين، ووعد بإجراء انتخابات حرة في إثيوبيا.
ويقول، هنريك أوردال الباحث في معهد أبحاث السلام، والذي يحلل قرارات لجنة نوبل، إن اللجنة كانت تعلم أنها تغامر بآبي، وأن إصلاحاته الشاملة كانت هشة ويمكن عكسها بسهولة، موضحًا أن اتفاق السلام مع إريتريا يرتكز على العلاقة الشخصية بين الزعيمين.
لقاءات سرية
يعتقد آبي منذ اليوم الأول في السلطة أن تيجراي تشكل تهديدًا لسلطته وربما حياته، وأبلغ أصدقائه أنه يخشى أن يكون مسؤولو الأمن في تيجراي يحاولون اغتياله، وفقًا لأحد معارفه. يشعر آبي بضغينة نحو جبهة تحرير تيجراي التي حكمت البلاد طوال 30 عامًا، ويتهمها بالتسبب في الحرب مع إريتريا، وألقى باللوم عليها في عزلة أسمرة الدولية، بما في ذلك عقوبات الأمم المتحدة.
وفقًا للسجلات العامة والتقارير الإخبارية التقى آبي وأسياس 14 مرة على الأقل من وقت توقيع اتفاق السلام حتى اندلاع الحرب في تيجراي. وذكر مسؤولان إثيوبيان سابقان أن الاجتماعات كانت في الغالب تتم على إنفراد دون حضور مساعدين أو تدوين الملاحظات.
كشفت "نيويورك تايمز" عن أنه بخلاف اللقاءات المعلنة والموثقة في التقارير الإخبارية والسجلات العامة، أتلقى آبي وأسياس، 3 سرًا على الأقل بينهم مرة على الأقل في العاصمة أديس أبابا في عامي 2019 و2020، في نفس الفترة كان المسؤولون الإريتريون يزورون بانتظام منطقة أمهرة، التي لها تاريخ طويل من التنافس مع تيجراي. وفقًا لمسؤول إثيوبي سابق.
التخطيط للحرب
يقول مسؤولون، إن اتفاق السلام الموقع مع أسمرة لم يكن كما يبدو، لكنه منح جواسيس إريتريا ميزة العبور إلى إثيوبيا وادعاء أنهم لاجئين وجمع معلومات عن تيجراي. أكد مسؤول أمني إثيوبي كبير إن المخابرات الإثيوبية رصدت تدفق عملاء إريتريين إلى البلاد مشيرًا إلى أن اهتمامهم كان ينصب على تيجراي.
يضيف المسؤول، أنه في وقت لاحق من الزيارات السرية بين الزعيمين، قامت فرقة من المطربين والراقصين الإريتريين بزيارة أمهرة، وكشف عن أن الوفد ضم رئيس المخابرات الإريترية أبراها كاسا، الذي استغل الرحلة للقاء قادة أمنيين من أمهرة. ووافقت إريتريا لاحقًا على تدريب 60 ألف جندي من قوات الأمهرة الخاصة. وهي وحدة شبه عسكرية انتشرت لاحقًا في تيجراي.
آبي الذي رأى في تيجراي تهديدًا حياتيًا له، أنشأ الحرس الجمهوري وهي وحدة منتقاة بعناية تحت سيطرته مباشرة بعد استبعاد أي شخص من عرقية تيجراي من الملف الأمني بأكمله، وأسس حزب الازدهار، الذي جسد رؤيته لحكومة إثيوبية قوية ومركزية، مما عمق الانقسام بين الأعراق في إثيوبيا. مع الانقسام وقعت مظاهرات عارمة في 2019، إثر مقتل مطرب شعبي من عرقية الأورومو على أيد قوات الشرطة. في ظل هذه الخلفية المضطربة، تسارع الانزلاق نحو الحرب.
وقال مسؤول إثيوبي كبير، إن طائرات الشحن العسكرية الإثيوبية بدأت في القيام برحلات سرية ليلاً إلى قواعد في إريتريا. في نفس الوقت كانت تيجراي تستعد للحرب، وتبحث عن حلفاء في القيادة الشمالية، أقوى وحدة عسكرية في إثيوبيا، والتي كان مقرها في تيجراي.
ويقول جيبرمسكل، إن آبي أبلغ مسؤولي الحزب الحاكم أنه سيتدخل عسكريًا في تيجراي، وأن الأمر سيستغرق من ثلاثة إلى خمسة أيام فقط للإطاحة بقادة المنطقة.
بعدها بدأت الحرب وقامت قوات تيجراي باستهداف قاعدة عسكرية إثيوبية في ضربة استباقية، وتدفق الجنود الإريتريون على تيجري من الشمال، فيما زحفت قوات الأمهرة الخاصة من الجنوب نحو تيجراي.
فيديو قد يعجبك: