مصير "داعش" في العراق بعد تصفية الرجل الثاني للتنظيم الإرهابي
القاهرة - (أ ش أ):
طرحت العملية النوعية التي نفذها جهاز مكافحة الإرهاب بالعراق والتي أسفرت عن تصفية المدعو جبار سلمان علي المُلقب "أبو ياسر العيساوي" والذي يشغل منصب والي العراق ونائب الخليفة المزعوم لتنظيم داعـش الإرهابي، مجموعة من التساؤلات والدلالات حول مصير التنظيم ومدى قدرته على مواجهة الخطط المحكمة لإنهاء وجوده تماما في مختلف مناطق العراق، خاصة بعد التفجير الانتحاري المزدوج الذي هز قلب العاصمة بغداد وأسفر عن مقتل وإصابة العشرات.
ويمثل قتل أبو ياسر العيساوي ضربة كبيرة أخرى لجهود عودة داعش إلى العراق، كما يعتبر تأكيدا لخطط التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب الهادفة إلى إخراج القادة الرئيسيين من ساحة المعركة وتقويض المنظمة الإرهابية، حيث ينحدر القيادي في التنظيم، واسمه الكامل جبار سلمان صالح علي العيساوي، من بلدة " الكرمة " التابعة لقضاء الفلوجة بمحافظة الأنبار غربي العراق، وشغل منصب والي شمال بغداد وولاية البركة في سوريا، بالإضافة إلى منصب "أمير جيش عمر"، وهما منصبان يمثلان موقعا متقدما في التنظيم الهرمي لداعش، خاصة بعد الإعلان الرسمي العراقي عن نهاية هذا التنظيم والانتصار عليه نهائيا عام 2018، في وقت، أكدت قيادة العمليات المشتركة، تأمين أكثر من 450 كيلومترا من الحدود العراقية السورية التي تشكل أماكن تسلل عناصر "داعش" ما بين البلدين.
وتشير التقارير إلى أن العملية النوعية تم تنفيذها بالتنسيق بين قوات مكافحة الإرهاب العراقية ودعم جوي من التحالف الدولي، بناء على معلومات من جهاز المخابرات الوطني في منطقة "وادي الشاي" بمحافظة كركوك ( 255 كم شمال بغداد ) ضمن عملية "ثأر الشهداء"، التي سجلت نجاحا ملحوظا في اعتقال وتصفية قيادات تنظيم "داعش" في المحافظة العراقية المتنازع عليها بين العرب والأكراد، والتي مثلت ملاذا آمنا لعدد كبير من عناصر التنظيم الإرهابي، حيث تلاحق الأجهزة الأمنية فلول "داعش" في المناطق الوعرة، وتحقق الكثير من النجاحات بسبب عدم وجود حاضنة مناسبة لعناصر التنظيم الإرهابي هناك، على العكس من المناطق المنتشرة في محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى، التي كانت تجد القوات الأمنية صعوبة كبيرة في ملاحقة عناصر التنظيم الإرهابي بها، بسبب وجود ملاذات آمنة وحواضن عائلية.
وطبقا لتقديرات عراقية يوجد حاليا نحو 3.500 مقاتل في العراق، ومع تراجع تنظيم "داعش" ، لم يعد بإمكانه تنفيذ عمليات كبيرة، رغم استمرار خلاياه النائمة والناشطة في محاولة الحصول على أسلحة، حيث تؤكد التقارير الاستخبارية أن التنظيم الإرهابي يملك فقط حاليا أسلحة خفيفة، كما أنه فقد الجزء الأكبر من شبكة اتصالاته ومصادر تمويله على مستوى العالم، وإذا ما قرر "داعش" القيام بعمليات فإنها تكون من نوعية محدودة، ويتم في الغالب تنفيذها من قبل مجموعات صغيرة متحركة لا تضم في العادة أكثر من عشرة أشخاص، كما أن هذه الاعتداءات تحصل في الغالب في مناطق نائية خارج المدن، ويتعلق الأمر بتنفيذ عمليات سريعة مثل وضع حواجز على الطرق والاعتداء على منشآت حدودية عسكرية.
بينما باتت التحويلات المالية لتنظيم "داعش" هي الأخرى تحت المراقبة المشددة، فإن إمكانياته الاقتصادية باتت أيضا محدودة جدا، الأمر الذي أدى إلى أن عمليات تنظيم "داعش" تراجعت بشكل كبير، حتى أن العملية الأخيرة التي جرت في قلب بغداد الأسبوع الماضي، والتي أدت إلى مقتل وإصابة حوالي 150 شخصا، كانت نتيجة مطاردة قاسية من رجال الأمن العراقيين للانتحاريين بعد أن فشلا في الوصول إلى الهدف المحدد لتنفيذ عمليتهم مما اضطرهم إلى تفجير الحزامين الناسفين اللذين كانا بحوزتهما، مما يؤشر إلى ضعف شديد في التخطيط وعدم قدرة على التنفيذ الدقيق، فالتحالف الدولي لمحاربة "داعش" والعمليات التي تقوم بها قوى الأمن والجيش العراقيين في إطار الحرب ضد الإرهاب قادت إلى مراقبة متشددة للتسريبات المالية، وحتى نماذج تحركات بعض الإرهابيين يتم ملاحقتها بشكل دقيق، وهذا الأمر أدى إلى تراجع عمليات "داعش" على الرغم من وجود بعض الشبكات والخلايا، إلا أنها بالنسبة إلى العراق تقتصر على بنية تحتية إجرامية تكافحها الدولة بحزم، ولم يعد داعش، حسب المراقبين يمتلك تقنية متقدمة أو أسلحة كيميائية وبيولوجية، لأن ذلك يتطلب بنية تحتية ومحيطا مستقرين.
ومنذ منتصف عام 2016 أثبتت قوات الأمن العراقية أنها أكثر فعالية، ويرجع السبب في المقام الأول إلى عمليات التدريب المركزة وتدعيم الجهد الاستخباري بشكل مؤثر، حيث كانت كل التقارير تؤشر إلى ضعف هذا الجهد ووجود اختراقات كبيرة تسمح للتنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها "داعش"، بتنفيذ عمليات وهجمات موجعة، بالإضافة إلى الإفراط في استخدام القوة الجوية، بالتعاون مع القدرات الخاصة لجهاز مكافحة الإرهاب العراقي، الأمر الذي أدى إلى أن يفقد تنظيم "داعش" أكثر من 47 في المائة من المناطق التي كان يسيطر عليها نهاية عام 2016، ثم فقدان باقي المناطق تباعا حتى نهاية عام 2018، وأصبحت عناصره عبارة عن جيوب مطاردة في الصحراوات والمناطق الرخوة أمنيا، تستخدم فقط ما يعرف بالمضافات، وهى بيوت بدائية تستوعب ما لا يزيد على 10 عناصر من الإرهابيين الفارين من المناطق الحضرية والريفية المأهولة بالسكان في شمال العراق.
وتمكنت القوات العراقية بمختلف عناصرها وتنوعاتها، بالإضافة إلى عناصر الحشد الشعبي المكون من متطوعين، ويضم عناصر من مختلف الطوائف، وإن كانت تغلب عليه الطائفة الشيعية، من تحقيق انتصارات كبيرة عندما تمكنت قوات التحالف الدولي بالتعاون مع العشائر العراقية من سد منافذ الملاذات الآمنة التي كانت تحتوي عناصر "داعش"، خاصة في المدن السنية بمحافظات الانبار وصلاح الدين ونينوى، بعد أن تم احتواء الغضب السني الذي رافق توغل تنظيم "داعش" ، وأدى إلى النمو المفاجئ في قوات الحشد الشعبي ذي الغالبية الشيعية، الأمر الذي أدى بدوره إلى إثارة حفيظة الطائفة السنية المعادية لإيران التي كانت متهمة بدعم الحشد الشعبي، رغم أن قوة هذا الحشد تعتمد بشكل كبير على التعاون مع جهاز مكافحة الإرهاب للقيام بعمليات نوعية كبيرة.
وفي حين يرى مراقبون أن تنظيم "داعش" قد تقلص في العراق، إلا أن انتشاره مؤخرا بين السكان، بسبب ما يبدو أنه حرب عصابات طويلة الأمد، بعد انهيار الشكل الهرمي للتنظيم وفقدان أدواته ومعظم مقاتليه وقادته، طرح الكثير من المخاوف، حيث أن زيادة القصف الجوي لتدمير قدرة "داعش"، كان يجب أن يتوازى مع توسيع استهداف الأفراد رفيعي المستوى على شاكلة "أبو ياسر العيساوي"، مع التأكيد على حقيقة أن تنظيم "داعش" له وجود كبير ومستدام في العراق، وأنه تنظيم داخلي، وليس كما هو الحال في ليبيا أو نيجيريا؛ وأن التجريد المستمر للعرب السنة من حقوقهم في العراق يضمن بيئة مواتية لبقاء التنظيم وإحيائه، وربما تحوله بشكل هام وأساسي على مر الزمن، الأمر الذي يتطلب تحقيق الاستقرار والشرعية في العراق، وذلك بتبني حملة مصالحة تضمن حزمة مساعدات وحوافز اقتصادية وعمليات إعادة إعمار للمناطق السنية التي دمرها "داعش"، بالتوازي مع الحملة العسكرية التكتيكية التي أثمرت تصفية قيادات داعشية على وزن "أبو ياسر العيساوي".
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: