"استراتيجية أزمة كل شهر".. لماذا تصنع تركيا الأزمات في البحر المتوسط والمنطقة؟
كتب - محمد صفوت:
تخلق تركيا تحت قيادة رجب طيب أردوغان، أزمة كل شهر مع دول مختلفة كوسيلة لإثارة القومية والتطرف الديني في الداخل وصرف الانتباه عن سوء إدارة الاقتصاد في البلاد.
وتقول صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، إنه يبدو أن الإدارة التركية تتبع استراتيجية "أزمة كل شهر" حيث تختار بين غزو للعراق أو سوريا أو الضغط واستفزاز مصر واليونان وقبرص، لكن كيف تعمل تلك الاستراتيجية؟
وتضرب الصحيفة الإسرائيلية مثالاً لتلك الاستراتيجية، حيث شنت تركيا عملية عسكرية أطلق عليها "مخلب النسر" في ١٥ يونيو الماضي، قصفت خلالها شمال العراق بدعوى "تحييد مقاتلي حزب العمال الكردستاني" في حين لا يوجد دليل على أن حزب العمال الكردستاني قد نفذ أي هجمات في الآونة الأخيرة.
وفي نوفمبر الماضي، وقعت تركيا اتفاقًا مع ما تسمى بحكومة الوفاق بطرابلس في ليبيا، وطالبت بمساحة شاسعة من البحر الأبيض المتوسط، وضعت تركيا نفسها في مسار تصادمي مع مصر واليونان وأوروبا بشأن مطالبها الجديدة في المتوسط، لكن هذا ما أرادته أنقرة وسبب استمرارها هذا الأسبوع في مواجهة أزمات جديدة في المتوسط.
وترى الصحيفة الإسرائيلية، أن تركيا ترغب في عمل الجيش وإبقائه مشغولاً قدر المستطاع منذ انقلاب يوليو ٢٠١٦ الفاشل؛ إذ دفعت بالقوات لغزو سوريا في ٢٠١٦ و٢٠١٧ تحت مسمى "درع الفرات" تلتهم عملية بدعوى تطهير شمال شرق سوريا وإنشاء منطقة آمنة في ٢٠١٨، تسببت في نزوح ١٦٠ ألف كردي على الأقل من مدينة عفرين، التي أصبحت مركزًا للاتجار بالبشر والتطهير العرقي حيث أجبر متطرفون سوريون من المعارضة السورية تدعمهم الأقليات على المغادرة.
بعد ٢٠١٨، غزت تركيا تل أبيض في سورية، ثم وقعت صفقة مشبوهة مع الوفاق في ليبيا، ودفعت بالمرتزقة والعتاد العسكري لمواجهة الجيش الوطني الليبي، ما دفع مصر للتدخل لوقف تركيا في يونيو ويوليو الماضيين، لكنه لم يكن تدخلاً عسكريًا، حيث سعت عبر دبلوماسيتها لوقف التقدم التركي نحو سرت التي اعتبرتها القاهرة "خطًا أحمرًا" ينذر بتدخل عسكري.
في غضون ذلك، حاربت تركيا النظام السوري في إدلب في فبراير ومارس وضغطت على روسيا نحو صفقة جديدة، وطالبت بالمزيد من أنظمة الدفاع الجوي "إس -400" ثم حولت تركيا تركيزها إلى العراق في يونيو ثم إلى تحويل متحف آيا صوفيا التاريخي إلى مسجد. ثم قالت إنها "ستحرر الأقصى" في القدس، وربما تلمح إلى أزمة جديدة مع إسرائيل.
وتوضح "جيروزاليم بوست" أنه قبل استهداف إسرائيل، سعت أنقرة لدفع مطالبها مجددًا في البحر المتوسط، وتسبب هذا بالفعل في تأثير الدومينو، مما جعل اليونان ومصر والإمارات وفرنسا تتحد لإدانة العدوان التركي، ثم وقعت اليونان ومصر على اتفاق في 6 أغسطس، هذه الصفقة تقسم صفقة المياه الليبية التركية إلى النصف. ويأتي ذلك أيضًا بعد أن وقعت إسرائيل وقبرص واليونان اتفاقًا في يناير بشأن خط أنابيب ثم الانتهاء من جوانب من تلك الصفقة في يوليو الماضي.
أرسلت تركيا في الآونة الأخيرة سفينة المسح الزلزالي "عروج ريس" ترافقها سفن البحرية التركي، إلى شرق المتوسط بين قبرص وجزيرة كريت اليونانية، وقالت إنها ستدافع عن حقوقها وحقوق شمال قبرص ذلك البلد الغير معترف به إلا من أنقرة.
وهذه أحدث حلقة في سلسلة الخلافات المتعلقة باستكشاف موارد الطاقة في شرق البحر المتوسط الغني بالغاز، والذي يعد مصدرًا الخلافات المتكررة بين تركيا وجيرانها ومن بينهم اليونان وقبرص وإسرائيل.
وسلطت الصحيفة، الضوء على زيارة وزير الخارجية التركي تشاويش أوغلو إلى لبنان لدفع أجندة أنقرة في أعقاب الانفجار هناك، ثم التقى وزير خارجية أذربيجان.
ويزعم وزير الخارجية التركي، أن اليونان لم ترد بالمثل على دعوات أنقرة لإجراء مناقشات بشأن موارد المتوسط. وهكذا سترسل تركيا السفن إلى حيث تشاء. دول الاتحاد الأوروبي، التي تخشى تركيا لأنها تدفع لتركيا مليارات اليورو لمنع اللاجئين من القدوم إلى أوروبا منذ عام 2015، انتقدت مع ذلك تصرفات أنقرة في البحر المتوسط.
وأصدرت تركيا "نافتيكس" لتحذير الدول التي كانت تتجه إليها السفينة ثم أرسلت "أوروك ريس" وسفينتين لوجستيتيين وثلاث فرقاطات وزوارق حربية وعدة غواصات إلى البحر. لإذكاء القومية، تُظهر وسائل الإعلام التركية قاربًا بحثيًا يشبه الصندوق محاطًا بخمس سفن حربية قبالة سواحل جزيرة كاستيلوريزو اليونانية بشرق المتوسط، يبدو للبعض وكأنه حركة بحرية تاريخية، تستحضر ذكريات معركة ليبانتو وغيرها من المشاجرات البحرية مع الغرب واليونان.
رفضت اليونان الغاضبة، الاستفزازات التركية في المتوسط ونهج عدم التدخل الذي يتبع الناتو وطالبت الدول الأوروبية بفعل شيء حيال الاستفزازات التركية.
وتقول وزارة الخارجية الأمريكية إنها تشعر بالقلق الكثير من المواقف البحرية مع السفن التركية التي تبحر بالقرب من الجزر اليونانية، بينما واليونان تتحدث عن التنبيهات ووضع السفن البحرية في البحر. فضلاً عن أن مصر لديها مناورة بحرية قريب.
وترى الصحيفة أن الأزمة الحالية في البحر، تنطوي على مواقف عدة ستمنح الإعلام الموالي لأردوغان شيئا يتحدثوا عنه، مشيرة إلى أن هناك تراجعًا واضحًا في حرية الصحافة في أنقرة فعليه تبحث الحكومة عن شيء لوسائل إعلامها.
وتعلم أنقرة أن التدريبات العسكرية الأسبوعية أو الظهور وكأنها تتحدى اليونان ومصر والعراق وحزب العمال الكردستاني والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي وسوريا والولايات المتحدة والجميع بشكل أساسي، تجعل القيادة التركية تبدو مهمة.
وذلك في الوقت الذي تستمر فيه العملة التركية في الانخفاض الكارثي وتثار تساؤلات حول طريقة تعامل الحكومة مع جائحة فيروس كورونا.
واختتمت الصحيفة بقولها: "قد تكون قصص التنقيب وإرسال السفن محاولة لصرف الانتباه عن الأزمة الاقتصادية" موضحة ذلك بأن سجل أنقرة الحافل أنها عادة ما تستخدم المتمردين السوريين للقتال من أجلها في ليبيا وسوريا وتشن فقط حملات عسكرية ضد أولئك الذين لا يستطيعون الرد، مثل الأكراد في شمال العراق، لكن عندما تصطدم بالخط الأحمر المصري في ليبيا، أو روسيا في سوريا، تتوقف، لكن ليس من الواضح أين قد يكون هذا الخط الأحمر في البحر الأبيض المتوسط، والمؤكد أن أنقرة تحاول معرفة ذلك.
فيديو قد يعجبك: