لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

كورونا.. ما الأسباب التي تجعل البعض لا يغسلون أيديهم؟

02:32 م الجمعة 24 أبريل 2020

الأطباء الذي يتخذون قرارات تلقائية هم أكثر اهتماما

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

(بي بي سي):

أفصح بيت هيغزيث، المذيع بقناة فوكس نيوز، العام الماضي على الهواء عن سر أشعل جدلا واسعا على الإنترنت. إذ ذكر أنه يعتقد أنه لم يغسل يديه منذ 10 سنوات. وأثار تعليقه اشمئزاز الكثيرين، ونُشرت مقالات عديدة حول الجراثيم التي قد تؤويها اليدان بعد عشر سنوات من عدم غسلهما.

في عام 2015، أعلنت الممثلة جينيفر لورنس، أنها لا تغسل يديها قط بعد استخدام المرحاض. رغم أن كليهما أكد لاحقا أنها كانت مجرد مزحة. لكن في العام نفسه، ذكر السيناتور الجمهوري عن ولاية نورث كارولينا، أن إجبار العاملين في المطاعم على غسل أيديهم، هو مثال على المغالاة في فرض شروط لا داعي لها.

غير أن مستخدمي المراحيض العامة ربما قد لاحظوا بالفعل أن الكثيرين لا يغسلون أيديهم بعد استخدام المرحاض، بل إن نسبة الأشخاص الذين يغسلون أيديهم بالماء والصابون بعد استخدام المرحاض، وأغلب الظن بعد ملامسة البراز، بحسب تقديرات دراسة أجريت في عام 2015، لا يتعدى 26.2 في المئة.

قد يعلل البعض ذلك بنقص المرافق العامة في البلدان الفقيرة، إذ تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن ثلاثة مليارات شخص في العالم ليس لديهم ماء وصابون في منازلهم. لكن حتى في البلدان مرتفعة الدخل، حيت يتوفر الماء والصابون بكثرة، لا يغسل 50 في المئة من الناس أيديهم بعد استخدام المرحاض.

ربما يرى البعض أن هذه الإحصاءات صادمة، ولا سيما أن غسل اليدين يعد أحد أفضل الخطوات الوقائية في تاريخ البشرية التي أسهمت في زيادة متوسط العمر المتوقع، من 40 عاما في عام 1850، أي منذ بداية انتشار عادة غسل اليدين، إلى نحو 80 عاما الآن.

وخلص استعراض للدراسات في عام 2006، إلى أن غسل اليدين بانتظام قد يقلل مخاطر الإصابة بالعدوى التنفسية بما يتراوح بين ستة و44 في المئة. واكتشف علماء أن حرص السكان على غسل اليدين بانتظام كعادة متأصلة في ثقافتهم يعد من المؤشرات التي تنبئ بمدى انتشار فيروس كورونا المستجد في البلاد.

إذ يرى العلماء أن الفيروس يدخل إلى الجسم عبر فتحات الأنف أو الفم أو العينين إذا لامس الشخص سطحا ملوثا بالفيروس ثم لمس وجهه.

لكن لماذا يبالغ البعض في الاهتمام بنظافة يديه إلى حد أنه قد يشتري معقم اليدين بـ 360 دولارا للقاروة الواحدة، بينما يرفض آخرون رفضا باتا مجرد الإمساك بالصابون؟ وهل يمكن أن ينجح تفشي الفيروسات الجديدة والدراسات التي أثبتت أن أجهزة التحكم عن بعد في الفنادق تحمل بقايا براز، في إقناع هؤلاء بغسل أيديهم؟

وقد تبين أن ثمة عوامل نفسية عديدة تثبط البعض عن غسل أيديهم بعد استخدام المرحاض، بدءا من طريقة التفكير وحتى درجة التفاؤل الوهمي، والحرص على عدم مخالفة المعتاد والمألوف، ومدى الشعور بالاشمئزاز. ويدرس الخبراء حول العالم هذه التحيزات الخفية على أمل إقناع الناس بالاهتمام بنظافة اليدين.

ويقول روبرت أونغر، الخبير بالصحة العامة التطورية بكلية لندن للصحة العامة وطب المناطق الحارة، إن المشكلة أن الناس، ولا سيما في الدول المتقدمة، قد يمتنعون عن غسل أيديهم مرات عديدة ولا يصابون بالمرض، لأن أعراض المرض قد تتأخر في الظهور، وحينها لن يتذكروا أن السبب هو عدم غسل اليدين.

إذ يقال على سبيل المثال أن أعراض العدوى بفيروس كورونا قد تظهر بعد خمسة أو ستة أيام من الإصابة.

احذر التفاؤل

قد يتوهم البعض أنهم أقل عرضة للإصابة بأي مكروه مقارنة بغيرهم، وهذه النظرة الإيجابية غير المبررة تنتشر في كل الثقافات وبين مختلف الأعمار، ولهذا قد لا نحسن تقدير احتمالات إصابتنا بالسرطان أو احتمالات الانفصال عن شريك الحياة.

وربط البعض بين التفاؤل غير المبرر وبين التدخين أو الاستخدام المفرط لبطاقات الائتمان. وخلصت دراسة أجريت في نيويورك في غمرة انتشار وباء أنفلونزا الخنازير عام 2009 إلى أنه كلما زادت مستويات التفاؤل غير المبرر لدى الطلاب، قلّ اهتمامهم بغسل اليدين.

ولوحظ هذا النوع من الركون إلى التفاؤل لدى الممرضات تحت التدريب، اللائي كن يبالغن في تقدير معرفتهن بالقواعد الصحيحة لنظافة اليدين، ولوحظ أيضا بين العاملين بالمطابخ الذين يستخفون بمخاطر التسبب في التسمم الغذائي للآخرين.

تأثير الأعراف الاجتماعية

تختلف عادات تنظيف اليدين من ثقافة لأخرى. إذ استطلعت دراسة فرنسية آراء نحو 64 ألف شخصا من 63 بلدا حول مدى موافقتهم على عبارة "غسل اليدين بالصابون بعد استخدام المرحاض هي عادة تلقائية". ووافق على هذا الافتراض أقل من نصف المشاركين في الصين واليابان وكوريا الجنوبية وهولندا.

في حين أن المملكة العربية السعودية حلت في المرتبة الأولى من حيث حرص سكانها على غسل أيديهم، إذ ذكر 97 في المئة من المشاركين في السعودية أنهم يواظبون على غسل أيديهم بالماء والصابون.

وقد تختلف عادات غسل اليدين بين الرجال والنساء، إذ أثبتت دراسات على سبيل المثال أن النساء أكثر حرصا على غسل أيديهن من الرجال. وخلصت دراسة أجراها أونغر إلى أن النساء أكثر اهتماما بغسل أيديهن في مراحيض مراكز الخدمة على الطرق السريعة بمقدار الضِعف مقارنة بالرجال.

كلما كان الشخص أكثر تفانيا وحرصا، زاد اهتمامه بغسل اليدين

ويعزي أونغر الاختلافات في عادات غسل اليدين إلى الأعراف الاجتماعية، التي تتحكم في سلوكيات الجماعات. ويصفها أونغر بأنها مراقبة سلوكيات الآخرين والتفكير في توقعاتهم والشعور بضرورة محاكاتها. فإذا رأيت الآخرين يغسلون أيديهم في المرحاض، ستحذو حذوهم، لكن إذا لم يغسل أحد يديه ستتحرج من مخالفتهم.

التفكير المنطقي والتفكير البديهي

تشغل نظافة اليدين حيزا كبيرا من اهتمام العلماء، لأنها قد تنقذ حياة أشخاص، ولا سيما المرضى في المستشفيات. لكن الكثير من العاملين بمجال الرعاية الصحية يهملون هذه العادة الأساسية التي قد تسهم في منع تفشي الفيروسات والجراثيم القاتلة.

وخلصت دراسة أجريت عام 2007، إلى أن الجراحين في إحدى المستشفيات الأسترالية لا يغسلون أيديهم إلا في 10 في المئة من المرات قبل ملامسة المرضى.

وحتى في المملكة العربية السعودية، خلصت دراسة إلى أن أعضاء الفرق الطبية لا يلتزمون بقواعد نظافة اليدين الصحيحة.

وأشارت دراسة عام 2008 إلى أن الأطباء الذين ذكروا أن قراراتهم بديهية، كانوا أكثر اهتماما بغسل أيديهم من نظرائهم الذين قالوا إن قراراتهم مبنية على التفكير المنطقي.

وربطت دراسة في البرازيل بين يقظة الضمير وبين الحرص على غسل اليدين والتباعد الاجتماعي.

وثمة باعث نفسي آخر وهو الاشمئزاز الذي يدفعنا لغسل أيدينا. فإن منظر الطعام المقزز قد ينفرك عن تناوله، وكذلك لو رأيت أحد ركاب القطار يمسك منديلا متسخا ستبتعد عنه خشية استنشاق الجراثيم. ويقول العلماء إن هذا الاشمئزاز قد تطور لدى البشر مع مرور الزمن لوقايتنا من الأمراض.

هناك عوامل نفسية عديدة، مثل التفاؤل الوهمي والحاجة لمحاكاة الغير، قد تصرف الناس عن غسل أيديهم

وكما هو متوقع، فإن الأشخاص الذين لا يأنفون من المناظر المقززة، قد لا يهتمون بغسل أيديهم، أو لا يغسلونها لمدة كافية.

حافظ على نظافة يديك

في الأسابيع القليلة الماضية، دشنت هيئات الصحة العامة والمؤسسات الخيرية والسياسيون والجمهور ما يقال إنه حملة كبرى لغسل اليدين، وشارك فيها بعض المشاهير لإبراز الخطوات الصحيحة لغسل اليدين، وامتلأت مواقع الإنترنت بصور تعرض خطوات غسل اليدين.

وعرضت منظمة الصحة العالمية مقاطع فيديو وتعليمات تشرح بالتفصيل الطريقة الصحيحة لغسل اليدين.

لكن بعض الباحثين اكتشفوا مزايا تسخير الاشمئزاز لحث الناس على غسل أيديهم. وفي عام 2009، أجرى باحثون من جامعة مكوراي الأسترالية دراسة قسموا فيها الطلاب إلى ثلاث مجموعات وطلبوا من كل مجموعة مشاهدة مقطع من بين ثلاثة مقاطع فيديو، أحدها تعليمي والثاني مثير للغثيان والثالث عن الطبيعة.

الحملات الإعلانية القائمة على إيقاظ مشاعر الاشمئزاز من عدم النظافة قد تكون أكثر فعالية في حث الناس على غسل أيديهم من غيرها من الحملات التعليمية فقط

وبعد أسبوع دُعي الطلاب للجلوس إلى مائدة والإمساك بأدوات متسخة، مثل مضرب الحشرات وفرشاة تنظيف المرحاض، وطلب منهم الباحثون بعدها أن يتناولوا طعاما من الطبق.

ولاحظ الباحثون أن الطلاب الذين شاهدوا مقطع الفيديو المقزز كانوا أكثر حرصا على غسل أيديهم قبل تناول الطعام من نظرائهم في المجموعتين الأخريين.

واكتشف فريق الباحثين لاحقا أن اللافتات التي تبرز آثار البراز على الخبز للتوعية بطرق تفشي الجراثيم في حالة عدم غسل اليدين، كانت أكثر فعالية في حث الناس في المراحيض العامة على غسل أيديهم من اللافتات التعليمية المحضة.

ويقول أونغر إن الخوف من تفشي وباء كورونا الآن حث الآلاف على غسل أيديهم خوفا من العدوى، لكن السؤال الآن هو هل يمكن أن ينتشر غسل اليدين بين الناس وأن يصبح عادة يواظبون عليها بعد استخدام المرحاض؟

ولعل الميزة في زيادة الوعي بغسل اليدين هي أننا لن نسمع بعد الآن أحد المشاهير يتباهى بأنه لا يغسل يديه قط.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: