أزمة تيجراي.. كيف وصلت إلى ما هي عليه وما هو الحل؟
كتب- محمد صفوت:
منذ وصول رئيس الوزراء آبي أحمد الحاصل على جائزة نوبل للسلام، إلى السلطة في 2018 شهدت إثيوبيا تغييرات عدة، لعل أبرزها التوصل لاتفاق سلام مع إريتريا المجاورة، التي خاضت معها حربًا دموية قبل عقدين.
كانت إثيوبيا في حالة تغير مستمر، تضاءلت سلطتها المركزية ونمت حدودها وتقلصت مع تمتع المناطق الواقعة على الأطراف باستقلال إلى حد ما.
لكن الإصلاحات الواسعة التي دفع بها همشت أبناء تيجراي من "جبهة تحرير شعب تيجراي" الذين هيمنوا منذ فترة طويلة على المشهد السياسي في البلاد، في الأسابيع الأخيرة، تصاعد التوتر بين الجبهة والحكومة الاتحادية بشكل خطير.
ويقول موقع "أفريكان أجرمنتس" إن الأزمة الحالية ليست وليدة اللحظة، فجذورها عميقة ونتائجها ستحدد مستقبل البلاد، منوهًا إلى عدم احتمالية انهيار البلاد، لكنه حذر من استمرار العنف الذي قد يدوم لفترة طويلة.
لمحة تاريخية
طوال القرن العشرين كافحت إثيوبيا وناضلت من أجل مستقبل أفضل، فمن مقاومة طموحات إيطاليا الإمبريالية، مرورًا بسقوط الإمبراطور هيلا سيلاسي، وصولاً للإطاحة باللجنة التنسيقية للقوات المسلحة والشرطة والجيش التي حكمت البلاد بعد هيلا والتي تعرف اختصارًا بـ"ديرج".
بعد الإطاحة به في 1987 أصبح إقليم تيجراي لاعبًا رئيسيًا في البلاد، وقادت الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا (EPLF) والجبهة الشعبية لتحرير تيجراي (TPLF) الكفاح المسلح، وهما أكثر القوتين المقاتلتين فعالية في البلاد.
وكانت مكافأة إريتريا على النصر هي الاستقلال. وكانت مكافأة جبهة تحرير تيجراي هي حصة مسيطرة في حكومة ما بعد الحرب.
تأسست بعد ذلك الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية الإثيوبية، الذي قاده زعيم جبهة تيجراي مما منح الإقليم قبضة محكمة على الجهاز الأمني للحكومة الجديدة وقتها.
ويوضح "أفريكان أجرمنتس" أن الاستقرار في البلاد يعتمد على الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية الإثيوبية الناجحة في مواجهة التحديات الاقتصادية، ومنع تشكيل جماعات مسلحة مستقبلية، والثاني الحفاظ على التوازن السياسي بين مختلف الأحزاب العرقية التي تشكل الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي.
وفي انتخابات 2015 ، حصلت أحزاب الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي على 95٪ من الأصوات لكن الفشل في التحول إلى الديمقراطية أدى إلى خلق حالة من الاستياء ضد الجبهة.
وفي 2012 عندما توفي رئيس وزراء إثيوبيا وقائدة الجبهة، ملس زيناوي، فشل تعيين هيليماريام ديسالين من جنوب البلاد كرئيس للوزراء في استعادة مصداقية الحزب، واندلعت الاضطرابات الشعبية في عدد من المناطق، لا سيما بين أكبر مجموعة عرقية في أوروميا، حتى وصلت أشدها في 2018، وسرعان ما استبدلت الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي هيلي مريم بآبي أحمد، وهو أول شخص من الأورومو، يعين رئيسًا للوزراء.
سياسة آبي
استبدل آبي أحمد، الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية ، التي ضمنت توازنًا إقليميًا، بحزب الازدهار أو الرخاء، وقام بإصلاحات سياسية واقتصادية حقيقية ووسع الحريات، وأفرج عن المعتقلين السياسين، وسرعان ما وجد التيجراي أنفسهم بعيدين عن مواقع النفوذ.
ودفعت سياسة آبي، قادة تيجراي إلى العودة للإقليم وبحث كيفية الرد، خاصة بعدما أجل الانتخابات بالإقليم، بمزاعم جائحة كورونا، لكنهم أصروا على عقدها، ثم قاموا بتعبئة الوحدات العسكرية التي لا تزال تشكل جزءًا أساسيًا في الجيش الإثيوبي.
يرى آبي، أن تحدي تيجراي يعتبر تأكيدًا على مركزية السلطة ويمنع ظهور جماعات انفاصلية، وهي أسباب كافية لإعلان الحرب.
إقليم تيجراي
يسكنه نحو 6 ملايين نسمة ويقع في شمال شرق البلاد وهي منطقة جبلية قاسية، سيقاتل سكانها بضراوة، فيما يتمتع آبي بميزة القوات الجوية وحليف شمالي هي إريتريا.
ويرى الموقع، إن الإقليم لا يقاتل من أجل الإنفصال على الأقل حتى الآن، لكنه يسعى لإعادة مكانته ولتغيير النظام وليس الاستقلال، وبالتالي أصبح هذا صراعًا مباشرًا على السلطة ليس من أجل السيطرة على الدولة بقدر ما هو على نوع الدولة التي يجب أن تكون عليه إثيوبيا والتوازن بين مكوناتها.
عاملان مؤثران
احتمالية التوصل إلى حل في الإقليم قاتمة، كذلك الحل العسكري، لكن هناك عاملان مؤثران على النتيجة هما، الأحداث في أماكن أخرى في إثيوبيا ودور وتأثير دول الجوار.
يرى الموقع، أن تحرك آبي يأتي لخوفه من امتداد الاضطرابات إلى مناطق أخرى، وهو الشخص الذي علق به الإثيوبيين آمالهم في التغيير، كما أنه ليس واضحًا بعد كيف يمكن للمصالح الإقليمية أن تجعل مخاوفها معروفة في أديس أبابا أو كيف يمكن أن يحدث نقاش داخلي داخل الحزب الحاكم، وأضعف آبي المركزية في البلاد بتركيز السلطة في يده
من هم حلفاؤه؟
الأمهر هم العرقية الأكثر استفادة حتى الآن خاصة بعد انسحاب الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي من ائتلاف آبي أحمد، لكنه جعل الوضع في أوروميا أكثر خطورة ولا يمكن التنبؤ به.
دول القرن الأفريقي، يشعرون بقلق من عدم الاستقرار في إثيوبيا، خاصة بعد انتهاء الحرب بين إثيوبيا وإريتريا التي استمرت لعقود، خوفًا من اندلاع حرب جديدة.
وتأتي إريتريا الداعم الضمني أو النشط، لجهود آبي لسحق تيجراي يعني أن المنطقة سوف تنقطع عن الإمداد الخارجي إذا تم قطع اتصالاتها مع السودان أو جيبوتي. وبصرف النظر عن إريتريا، لا يرغب القادة الإقليميون الآخرون في الانحياز إلى أي طرف ويشجعون الحل بالتفاوض. ومن هنا جاءت جهود الجيش الإثيوبي لتأمين الحدود السودانية التي يفر منها آلاف اللاجئين.
وتُعد الهيئة الحكومية للتنمية "إيجاد" أحد حلفاء آبي، لكنها تظل بلا تأثير واضح، وحال تدخل الاتحاد الإفريقي لإنهاء الصراع، سيجد آبي صعوبة في تجاهل جيرانه إذا تحدثوا بصوت واحد.
ويشير الموقع إلى إمكانية تشجيع السعودية والإمارات للمفاوضات، خاصة لأنهم وفروا دعمًا خاصة لآبي على المستوى الدعم المادي، كما هناك قلق سعودي من تدفق المهاجرين عبر البحر الأحمر.
كذلك المجتمع الدولي ليس لديه مصلحة في اندلاع حرب أهلية، فالصين لديها استثمارات كبيرة في البلاد، كما هناك حاجة دولية لإنجاح إثيوبيا في المضي قدمًا نحو التقدم الاقتصادي والسياسي للمساهمة في استقرار المنطقة.
حل الأزمة
يقول الموقع، إن في هذه المرحلة تبدو النتائج سيئة، كما أن الحل دائمًا في مثل تلك الأزمات هو الطرف المحايد، لكن من الصعب تجميع الرؤساء معًا عبر تطبيق "zoom" لذلك تتلاشى مثل تلك الفرص.
ويؤكد أن الاتحاد الأفريقي، بحاجة لدعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين ودول الخليج وجيران إثيوبيا، للإقناع آبي والتيجريان على وقف القتال والبدء في مفاوضات.
ويرى أن الحل يكمن في شعور كل إقليم وعرقية في البلاد بأن لديهم نفوذًا متساوية في المركزية من خلال النظام الفيدرالي، وأن يشعروا أن مشاكلهم يمكن معالجتها، وبدون بدء مناقشة على الأقل حول هذه الحل، سيواجه القرن الأفريقي صراعًا جديدًا ومستعصيًا يهدد بزعزعة استقرار المنطقة.
فيديو قد يعجبك: