قاسم سليماني ذراع إيران المبتورة في العالم العربي
برلين (دويتشه فيله)
قاسم سليماني جنرال إيران القوي الذي يخلط استراتيجيات الحرب بالسياسة، كان حاضراً في نشاط إيران "الثوري" بالمنطقة، وخاصة العراق وسوريا ولبنان، ومثّل مقتله منعطفاً في صراعات الشرق الأوسط. هذه محطات في مسيرته الحافلة.
ساعد الميجور جنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، بلاده على خوض حروب بالوكالة عبر الشرق الأوسط بإلهام مقاتلي الفصائل في الميدان والتفاوض مع القادة السياسيين.
كان سليماني مسؤولا عن عمليات سرية في الخارج وكثيرا ما كان يشاهد في ميادين القتال، وهو يوجه الجماعات الشيعية العراقية في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
صعد نجم سليماني في صفوف الحرس الثوري الإيراني؛ ليصبح قائد فيلق القدس، وهو منصب ساعد من خلاله إيران على تشكيل تحالفات في الشرق الأوسط في وقت تعرضت فيه لضغوط نتيجة العقوبات الأمريكية التي أصابت اقتصادها بالشلل.
وصنفت الولايات المتحدة الحرس الثوري منظمة إرهابية أجنبية في 2019، في إطار حملة لممارسة أقصى الضغوط لإجبار إيران على التفاوض بشأن برنامجها للصواريخ الباليستية وسياستها النووية.
وكان لسليماني رد حاسم في هذا الشأن: أي مفاوضات مع الولايات المتحدة ستكون "استسلاما كاملا".
وحشد فيلق القدس الدعم للرئيس السوري بشار الأسد عندما بدا على وشك الهزيمة في الحرب الأهلية المستعرة منذ عام 2011 كما ساعد الفصائل المسلحة على هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق.
وبفضل نجاحات فيلق القدس، أصبح سليماني شخصية محورية في التمدد المطرد لنفوذ إيران في الشرق الأوسط، الأمر الذي وجدت الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل صعوبة في كبح جماحه.
وعين خامنئي سليماني قائدا لفيلق القدس في عام 1998، وهو منصب ظل فيه خلف الكواليس لسنوات بينما كان يعزز روابط إيران بحزب الله في لبنان وحكومة الأسد والفصائل الشيعية في العراق.
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، زادت شهرته في الوقت الذي كان المقاتلون والقياديون في العراق وسوريا ينشرون صورًا له في الميدان وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيها دوما بلحية مشذبة وشعر مصفف بعناية.
وأصبح نفوذ سليماني داخل المؤسسة العسكرية الإيرانية جليا في 2019 عندما منحه خامنئي ميدالية وسام ذوالفقار، وهو أعلى تكريم عسكري في إيران. وكانت هذه المرة الأولى التي يحصل فيها قائد عسكري على هذه الميدالية منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية في عام 1979.
وفي بيان بعد مقتل سليماني، قال خامنئي إن انتقاما عنيفا ينتظر "المجرمين" الذين قتلوه. وأضاف أنه رغم أن مقتل سليمان "يشعرنا بالمرارة" فإنه سيضاعف الحافز لمقاومة الولايات المتحدة وإسرائيل.
وقال مسؤول عراقي كبير سابق طلب عدم نشر اسمه في مقابلة أجريت عام 2014 "سليماني... لم يكن رجلا يجلس على مكتب. كان يذهب إلى الجبهات لتفقد الجنود ويشهد المعارك".
وأضاف "لا يسبقه في تسلسل القيادة سوى الزعيم الأعلى. عندما كان يحتاج الأموال كان يحصل عليها وعندما كان يحتاج الذخيرة كان يحصل عليها وعندما كان يحتاج العتاد كان يحصل عليه".
وكان سليمان مسؤولا أيضا عن عمليات جمع المعلومات والعمليات العسكرية السرية التي نفذها فيلق القدس وفي 2018 تحدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب علنا.
وقال في مقطع فيديو نشر على الإنترنت "أقول لك يا سيد ترامب المقامر.. أقول لك.. اعلم أننا قريبون منك في مكان لا يخطر لك أننا فيه". وأضاف "ستبدأ أنت الحرب لكن نحن من سينهيها".
وسبق للمحلل العسكري السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية كينيث بولاك أن قال عن سليماني ضمن السيرة التي كتبها عنه لمجلة تايم في عددها المخصص لأكثر مئة شخصية نافذة في العالم عام 2017، "بالنسبة لشيعة الشرق الأوسط، إنّه خليط من جيمس بوند وارفين رومل ولايدي غاغا".
وأضاف "بالنسبة إلى الغرب، إنّه (...) المسؤول عن تصدير الثورة الإسلامية، دعم الإرهابيين (...) وقيادة حروب إيران في الخارج".
وكان البعض في إيران التي تعاني من ركود اقتصادي، اقترح دخوله إلى السياسة المحلية. غير أنّ الجنرال الإيراني كان ينفي الشائعات التي تشير إلى عزمه الترشح في الانتخابات الرئاسية في 2021.
أظهر سليماني مواهبه في العراق المحاذي لبلاده. ففي كل تطور سياسي أو عسكري في هذا البلد، كان نشطاً في الكواليس. ومن تمدد تنظيم الدولة الإسلامية إلى الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان، أو حتى حاليا على صعيد تشكيل الحكومة الجديدة، كان في كل مرة يلتقي الساسة العراقيين ليشرح أمامهم المسار الذي يتوجب سلوكه، وفق عدد من المصادر التي شاركت في هذه الاجتماعات التي كانت تعقد في السر.
ويعود نفوذه إلى فترات سابقة إذ كان يقود فيلق القدس حين غزت الولايات المتحدة أفغانستان في 2001.
وبعدما قضى عقودا من حياته خلف الكواليس، بدأ سليماني يتصدر أخبار وسائل الإعلام منذ بدء النزاع في سوريا عام 2011، وتقدّم إيران دعماً ثمينا لنظام الرئيس بشار الأسد.
وفي مقابلة متلفزة بثّت في أكتوبر، روى أنّه أمضى فترة من النزاع اللبناني-الإسرائيلي في 2006 في لبنان إلى جانب قادة حزب الله.
ووصفه مسؤول عراقي رفيع بأنّه رجل هادئ وقليل الكلام، وقال لمجلة نيويوركر "يجلس وحيدًا في الطرف الآخر من الغرفة، بطريقة هادئة جداً. لا يتكلم، لا يعلّق (...) يستمع فقط".
وأظهرت دراسة نشرها في 2018 مركز "إيران - بول" لاستطلاعات الرأي وجامعة مريلاند، أنّ 83% من الإيرانيين الذين جرى استطلاع آرائهم كانت لديهم آراء إيجابية بسليماني، ما جعله يتقدم على الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف.
وعلى الصعيد الدولي، يعتبر بعض المسؤولين الغربيين أنّه الشخصية المحورية في إطار علاقات طهران بجماعات مثل حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية.
فيديو قد يعجبك: