ما بعد البشير.. السودانيات يحلمن بثورة اجتماعية بعد 3 عقود من القمع
كتبت- رنا أسامة:
أبرزت وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية مساعي المرأة السودانية للحصول على مزيد من الحقوق في السودان الجديد، بعد عقود من القمع تحت مِظلة الرئيس المعزول عُمر البشير، بالإشارة إلى قصة سيدة سودانية تُدعى خالدة صابر.
وقالت الوكالة الأمريكية، في تقريرها المنشور على موقعها الالكتروني، إن خالدة كانت تحث الناس في طريقها اليومي إلى مقر عملها بمدرسة ابتدائية في مدينة بورتسودان، على المشاركة في الاحتجاجات ضد حكم الرئيس الديكتاتوري عمر البشير الذي استمر في الحكم لمدة 3 عقود.
وفي المدرسة، كانت تحشد زملاءها المُعلمين للانضمام إلى الانتفاضة المؤيّدة للديمقراطية. قالت خالدة "كنت أخبرهم أنه ما من شيء لنخسره مقارنة بما خسرناه بالفعل. كنت أخبرهم أنه ينبغي أن ننزل إلى الشوارع، لنتظاهر ونعبر عن رفضها لما يحدث".
في صباح أحد أيام يناير الماضي، وبعد شهرين من اندلاع المظاهرات، قام أفراد من قوات الأمن السودانية يرتدون زيًا مدنيًا باختطاف خالدة من إحدى الحافلات، واقتيادها إلى المكتب المُخيف التابع لجهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني، وفق الوكالة.
وفي وقت لاحق، احتُجِزت خالدة في جناح تم بناؤه حديثًا في أحد السجون بالعاصمة السودانية الخرطوم ، إلى جانب محتجين آخرين. وقالت إن قوات الأمن السودانية اعتدت عليها بالضرب هي والوافدين الجُدد لعدة ساعات.
أمضت خالدة 40 يومًا في مركز الاحتجاز. وكانت من بين آلاف السودانيات اللائي خاطرن بحياتهن وقُدن التظاهرات التي دفعت في نهاية المطاف بالجيش إلى الإطاحة بالبشير في 11 أبريل الماضي.
وبعد الإطاحة بالبشير مرّت عدة أشهر مضطربة، حيث كان المُحتجون يخشون من أن يتمسّك الجيش بالسلطة، إلى أن تم التوصل إلى اتفاق تقاسُم السلطة بين العسكريين والمدنيين في يوليو الماضي. وأدّت الحكومة الانتقالية المؤقتة بقيادة مدنية اليمين الدستورية الشهر الماضي.
عصر سوداني جديد
وبينما ترتفع الآمال بعصر سوداني جديد، يتطلع العديد من السودانيات- مثل خالدة- إلى الحصول على مزيد من الحريات والمساواة. وتسعين إلى إلغاء العديد من القوانين التقييدية القائمة على الشريعة الإسلامية، والتي يقول نشطاء إنها "تخنق حقوق المرأة".
قالت خالدة "من المؤكد أن الشعب السوداني كله مُهتم بهذه الثورة، لكننا نحن النساء، لدينا اهتمام أكبر ودافع لجعلها تتحقّق".
كان البشير وصل إلى السلطة في انقلاب عسكري عام 1989، وتبنّى تفسيرًا متشددًا للشريعة الإسلامية حدّ بدوره من قدرة النساء على المشاركة البنّاءة في الحياة العامة، بحسب تقرير صادر عام 2015 عن منظمة هيومن رايتس ووتش.
وقالت جيهان هنري، المديرة المشاركة في قسم أفريقيا بالمنظمة التي تتخذ من نيويورك مقرًا لها، إن قوانين النظام العام في السودان تفرض زيًا مُعينًا على النساء وتقيّد قدرتهن على التنقّل بحرية، في حال كّن عازبات، مع زملائهن الرجال. وأشارت إلى أن السودانيات اللائي خالفن هذه القوانين واجهن عقوبات وصلت إلى الجلد علنًا ودفع غرامات باهظة.
ومع نهاية حكم البشير تمكّنت خالدة، التي عملت لسنوات مع منظمة محلية غير حكومية معنيّة بقضايا حقوق المرأة، من مُغادرة البلاد. فبعد يومين من الإطاحة بالبشير، فرّت مع زوجها وابنتيهما من السودان.
تهديدات وانتهاكات
وقالت إن أسرتها تلقّت تهديدات بشكل رئيسي من قِبل قوات الدعم السريع، وهي مجموعة شبه عسكرية تشكّلت من مليشيات الجنجويد سيئة السُمعة التي استخدمها البشير خلال الصراع بمنطقة دارفور.
ووثّقت خالدة انتهاكات الدعم السريع، وتحديدًا بحق النساء، بالحصول على شهادات قبل وأثناء الانتفاضة. قالت "تلقيت تهديدات بمهاجمة ابنتاي".
بعد إطلاق سراحها في مارس الماضي، انضمت خالدة على الفور إلى التظاهرات التي نُظّمت خارج مقر القيادة العامة للقوات المُسلحة بالخرطوم. وقالت "في ذلك الوقت، زادت التهديدات. ولم يكن أمامي سِوى مغادرة (البلاد)".
وأشارت الوكالة إلى تعرّض النساء خلال حكم البشير لموجة من العنف وبخاصة خلال الاحتجاجات. ووفق تقرير أصدرته منظمة سودانية لحقوق المرأة في وقت سابق من هذا الشهر، واجهت المتظاهرات "قدرًا غير مسبوق من العنف وانتهاكات حقوق الإنسان" التي وصلت إلى حد ارتكاب "أعمال وحشية خطيرة" بحقهن.
وقالت المنظمة إن 12 سيدو وطفلة تبلغ من العمر 7 أعوام لقين حتفهن خلال التظاهرات. وأفادت بأنها وثّقت ما لا يقل عن 26 حالة اغتصاب أثناء قيام قوات الأمن بفضّ اعتصام الخرطوم في 3 يونيو، زاعمة وقوع عشرات حالات الاغتصاب الأخرى دون الإبلاغ عنها أو توثيقها "بسبب مخاوف من أعمال انتقامية أو وصمة العار".
وشارك عدد لا يُعد ولا يُحصى من النساء من كلا المناطق الريفية والحضرية بالسودان في التظاهرات، بحسب خالدة، مُشيرة إلى أنه لم يكن غريبًا رؤية العديد من السودانيات في صدارة الاحتجاجات، وعزت ذلك الأمر إلى "تنامي الوعي بحقوق النساء، وإدراك النساء بمرور الوقت أنه يتعيّن عليهن التمسك بمطالبهن"، بحسب قولها.
تغييرات وعقبات
ورغم أن الانتقال الديمقراطي في السودان لا يزال هشًا، قالت الأسوشيتد برس إن تعيين العديد من النساء في الحكومة المؤقتة -بما في ذلك أول وزيرة خارجية للسودان، وامرأتين في المجلس السيادي المكوّن من 11 عضوًا- أثار الأمل في أن يؤدي دور النساء في الانتفاضة إلى التغيير.
وقالت هنري من "هيومان رايتس ووتش" إن الحكومة السودانية الجديدة مُلزمة بإجراء العديد من الإصلاحات القانونية، بما في ذلك إحداث التغييرات اللازمة لتحقيق المساواة بين الجنسين، بما في ذلك قوانين الأسرة والميراث.
وقالت وفاق قرشي، ناشطة في مجال حقوق النساء في الخرطوم، إن الحكومة مُلزمة بمنح الأولوية لإلغاء جميع القوانين تُقيّد حركة المرأة وحرياتها، وتطبيق سياسات توفر فرصًا أوسع للمرأة.
لكن قُرشي، التي احتُجزت لفترة وجيزة خلال الانتفاضة في فبراير، ذكرت أن النساء يواجهن عقبات هائلة. وقالت "الطريق طويل للتخلص من طريقة التفكير التقليدية في هذا المجتمع الذكوري والسلطوي".
فيديو قد يعجبك: