لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"هل تُقطع رأسي بسبب سيجارة لم أدخنها؟".. هذا ما رأيت تحت حكم داعش (شهادة حيّة)

11:50 م الجمعة 29 مارس 2019

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

في فيلا كبيرة، شمالي مدينة الموصل، وجدت نفسي بصحبة ضباط جيش وشرطة عراقيين سابقين، ينتظرون العرض على "قاضي الدماء"، وهو شيخ سوري، يفصل في قضايا الإعدام.

نظراتي التائهة، أجابها أحد المنهكين من التعذيب، بأن رأسي ستغادر جسدي قريبًا، فذلك المسن (القاضي)، لا يعرف سوى تطبيق عقوبة "قطع الرأس".

لم أصدق حينها حديثه، فلن تقطع رأسي مقابل "سيجارة".. ولم أدخنها حتى.

صورة 1

أحمد حسيب العباسي.. قالها صديق يأتي مسرعًا من رواق مستشفى نينوى التي أعمل بها موظفًا في قسم الأشعة، لم أنتبه إلى صياحه، إلا أنه أخبرني بأن تنظيم داعش سيطر على المدينة. يقولون إن أبو بكر البغدادي، اعتلى منبر مسجد الموصل، ليلقي خطبة الجمعة، وسط ذهول وخوف المصلين.

انتشرت بسرعة كبيرة فيديوهات عبر مواقع التواصل لخطبة زعيم التنظم الإرهابي، ولكن لم أهتم كثيرًا بالأمر، فالأوضاع تمر من سيء لأسوأ. أمس كان الأمريكان والقاعدة، واليوم داعش، والحقيقة هي مجرد مسميات، فهم لا يختلفون كثيرًا، جميعهم دعاة "حرية وسلام"، ونحن "الكفار المخربين".

صورة 2

في أكتوبر 2014؛ وقف شخص ببذة سوداء، ينادي في المارة بسوق الموصل القديمة "من لا يصلي يحكم عليه بـ100 جلدة ويُحبس يومين، ومن يكفر يُذبح، شارب السجائر 30 جلدة، وسامع الأغاني 50 جلدة".

قوانين جديدة تم سنها على البلد التي أنهكتها الحروب، ولكن تلك المرة يبدو أن الوضع أصعب فمشاهد القتل وقطع الرؤوس لا تتوقف.

أتذكر ذات يوم، استخدمت دراجة بخارية لأصل إلى مستشفى الموصل، ووجدت رأس شخص معلقة على شجرة، وكُتب عليها "هذا جاسوس !".

تغيرت مدينة الموصل حقًا، فالنساء هنا يتم بيعهن بإيصالات، حتى أنني سمعت أحدهم يركض فرحًا لشرائه فتاة أيزيدية بـ50 دولارًا فقط.

عن نفسي فوجئت بحرق سيارتي دون أي سبب، وعندما سألت أحد مقاتلي التنظيم كانت إجابته مقنعة إلى حد كبير "احتسبها عند الله، لقد أشعلت النيران في سيارتك لتكون غطاءً جوياً يتصاعد منه الدخان، ولا تستطيع مقاتلات العدوان الصليبي (التحالف الدولي) رؤيتنا".

صورة 3

الغريب في الأمر، أنه كلما وجدت راية "دولة الخلافة الإسلامية" ترفرف في مكان، فتعلم جيدًا أن الدمار والخراب والقتل يرافقها.

تنظيم الدولة الإسلامية المزعوم كان يفتقر إلى أدنى حد من الإنسانية، كل شيء مباح لهم، اغتصاب النساء، وقتل الأطفال، والاستيلاء على ممتلكات من رفض أن يبايعهم.

معالم الموصل تغيرت، وتحولت إلى أكوام خراب، يتصاعد منها رماد وأعمدة دخان كثيف، حتى أن التنظيم استبدل مياه "النافورة" بالنفط، ليتصاعد منها دخان كثيف بعد حرقه، يمثل غطاء لهم من مقاتلات التحالف الدولي.

تتحدث الناس عن جرائم ذوي "العباءة المظلمة"، لكن لم أهتم كثيرًا، فكنت مشغولًا وقتها بتنظيف السيارة (قبل حرقها)، من آثار القصف. هدأت الأصوات اللاعنة للتنظيم، وسمعت عن خلفي صديق أعرفه منذ سنوات، يصيح بي عالياً "هل تدخن السجائر؟".

أجبته: لا، لم يحدث، أنا لا أدخن السجائر أبدًا، تقصد تلك الورقة في يدي لعلبة "مارلبورو" فارغة، كنت أنظف بها عدسات سيارتي فحسب.

في اليوم التالي، وجدت صديقي الذي بايع التنظيم بعد سيطرته على الموصل، يبلغ عني "الأمنية"، وهم قوة من التنظيم مهمتهم مراقبة العوام، والأخير أبلغ "الحسبة"، الذين تحروا عني، وحضروا إلى منطقة سكني ليبلغوا عائلتي بوجوب توجهي إلى سجن المدينة.

توجهت إليهم في اليوم التالي، وفوجئت أن سجن المدينة عبارة عن كنيسة. مثلت أمام شخص ضخم للغاية، قال لي "سمعت أنك تتفوه بأن الخلافة الإسلامية لن تستطيع منعك من العمل بالتجارة".

رددت عليه: التجارة؟ لكني لم أتفوه بتلك الكلمات أبدًا، حضرت هنا بتهمة تدخين "سيجارة".

لم أسلم في ذلك اليوم، وجلدني الداعشي 30 جلدة، وتركني بعدها أعود للمنزل.

داويت جروحي، وتوجهت في اليوم التالي إلى مقر عملي بالمستشفى، وفي الطريق اعترضتني سيارة ماركة "ميتسوبيشي باجيرو"، ارتجل منها أربعة من مقاتلي التنظيم بينهم شخص يغطي رأسه.

كبلوا يداي، وغموا عيناي، وقرأوا آية لم أتذكرها من الخوف، وزجوا بي داخل السيارة من الخلف، حتى وصلت مرة أخرى إلى الكنيسة.

صورة 5

"كيف لك القول إن صدام حسين لم يدم، حتى تدوم خلافتكم أنتم؟"، لم يلتفتوا لإجاباتي وقرأ عليّ قاضي المدينة تهمتي الجديدة (المتعلقة بزوال خلافة داعش)، أمام عدد من المكبلين، كنت أتوسطهم.

نفيت تلك التهمة، إلا أنهم واجهوني بصديقي الذي أدعى تدخين "سيجارة"، وعلمت حينها أنه من يقص تلك الأكاذيب عليهم، مستغلًا عقيدة داعش البالية، التي تقضي أن من يبايع الخلافة لا يكذب أبدًا، فإذا قال أنك فعلت شيء، لا مفر من ذلك.

مكثت يومين داخل السجن (الكنيسة)، وبعدها حولوني إلى القاضي الشرعي بالمدينة، وعندما ألقيت السلام عليه لم يرد، وسألني "كيف أقول إن الخلافة لا يمكن أن توقف تجارتك؟"، أنت يا "حيوان"، الخلافة تتبع نهج النبوة، وإذا سببت الخلافة فأنت تسب النبوة، والحد في ذلك قطع رأس.

لم يكن نفيي للتهم ذو قيمة تُذكر، وأخبرني قاضي داعش أن انتظر بالخارج مع 6 أخرين، ممن وجهت إليهم تهم يمكن أن تصل إلى حد الإعدام.

بعد يوم؛ نقلونا إلى الجانب الأيسر من المدينة، ليضعوننا في "سجن الثقيلة"، وهو عبارة عن فيلا كبيرة، يوجد بها ضباط من الجيش والشرطة العراقية.

علمت بعد ذلك أن تسمية "سجن الثقيلة"، يرجع لأن جميع من يمكث به ذوي تهم تستوجب قطع الرأس.

مكثت يومين في السجن، وحولوني بعدها إلى "قاضي الدماء"، وهو شيخ سوري، يهوى أن يحكم بالإعدام، فمن بين كل 100 شخص، يخرج اثنين فقط رؤوسهم فوق أجسادهم.

صورة 6

في ذلك الحين، علم مدير المستشفى التي أعمل بها بالتهم الموجهة إلي، فقرر الذهاب إلى القاضي، وأخبرهم بأن أحمد حسيب العباسي، لا يدخن السجائر، وما عزز من موقفي شهادة عائلتي وأصدقائي.

بعد مرور عدة أيام، نادى مقاتل داعشي اسمي، وأخبرني حينها أن شخص ما زكاني، ويبدو أن ذلك الشخص ذو مكانة عالية لدى التنظيم، حتى يستمعون إليه بتلك السرعة.

علمت بعدها أن مدير المستشفى كان قد بايع داعش، ولذلك كان شهادته ذات أهمية.

أطلق التنظيم سراحي، ولكن بوعود بالملاحقة إذا ما تجرأت على إهانة داعش، أو من يبايعها.

لا زلت لا أصدق أن حياتي كانت ستنتهي بسبب "سيجارة" لم أدخنها حتى، ولا أعلم العبرة من كل ما مررت به، ولكن تلك هي شهادتي لما حدث في ظل داعش.

كتب النص محمد عطايا.. بعد مقابلة مع أحمد حسيب العباسي

فيديو قد يعجبك: