جولة جديدة من التوتر بين الهند وباكستان ومخاوف دولية من تصعيد الأزمة
القاهرة - أ ش أ
رغم لغة التهدئة التي اعتمدها مسؤولو الجانبين في تعليقاتهم على تطورات الأزمة، إلا أن مسار الأوضاع على الأرض بين الهند وباكستان خلال الساعات الأخيرة يشير إلى أن الأمور تتجه نحو تصعيد لا تهدئة التوتر العسكري الذي تشهده العلاقات بين البلدين.
وفي أحدث جولة من جولات التوتر التي تخيم على علاقات البلدين منذ عقود، تبادل الطرفان القصف الجوي جانبي الحدود المشتركة بينهما، في منطقة جامو وكشمير المتنازع عليها بين الطرفين، بصورة تنذر باحتمالات تفاقم الوضع وتحول هذه المناوشات إلى مواجهة عسكرية مفتوحة بين الطرفين.
فبعد يومين من قيام مقاتلات هندية بقصف ما قالت إنه معسكر تدريب لجماعة إرهابية تتهمها نيودلهي بتنفيذ التفجير الذي وقع منتصف الشهر الجاري وأسفر عن مقتل 40 من عناصر الجيش الهندي، ردت باكستان بإسقاط طائرتين حربيتين هنديتين اخترقتا أجواء الشطر الباكستاني من ولاية (جامو وكشمير).. وقال متحدث عسكري باكستاني: "إن القوات الجوية الباكستانية أسقطت مقاتلتين هنديتين إثر اختراقهما المجال الجوي في كشمير وأسرت طيارًا واحدًا بعد تحطم طائرته على الأراضي الباكستانية".
وبعدها بساعات قليلة، ردت الهند على ذلك بإسقاط مقاتلة باكستانية من طراز (أف 16) اخترقت الأجواء الهندية في ولاية كشمير، وذكرت صحيفة (هندوستان تايمز) الهندية أن الجيش الهندي طارد مقاتلات باكستانية انتهكت المجال الجوي الهندي، وأسقط مقاتلة باكستانية على حي راجوري في جامو صباح اليوم، وقال مفتش للشرطة الهندية في (جامو وكشمير): "ما يمكن أن نؤكده هو أن المقاتلة كان على متنها 3 طيارين، ووجدنا جثتين منهما حتى الآن".
وأشارت تقارير إخبارية من منطقة المواجهات إلى أن 3 مقاتلات باكستانية اخترقت الأجواء في الشطر الهندي من إقليم كشمير عند خط المراقبة، وهو خط وقف إطلاق النار والذي يعتبر خط الحدود الفعلية في منطقة كشمير المتنازع عليها.
وكان التوتر بين إسلام آباد ونيودلهي قد تصاعد بشكل خطير على جانبي الحدود المشتركة بين البلدين، وذلك عقب قيام سلاح الجو الهندي يوم 19 فبراير الجاري بقصف معسكر تابع لمسلحي تنظيم (جيش محمد) داخل الشطر الباكستاني من ولاية (جامو وكشمير).
ووفقا لوسائل إعلام هندية، فإن 12 طائرة هندية من طراز (ميراج - 2000) شنت غارات على معسكر (جيش محمد) أسفرت عن مقتل نحو 300 مسلح تابعين لهذا التنظيم.. وقد اعترف هذا التنظيم بمسؤوليته عن الهجوم الذي وقع منتصف فبراير الجاري واستهدف حافلة كانت تقل أفرادًا من الجيش الهندي داخل الشطر الهندي من الولاية.
واتهمت السلطات الهندية باكستان بالتورط في هذا الهجوم من خلال سماحها بالنشاط الإرهابي لتنظيم (جيش محمد) على أراضيها، حيث نفت إسلام آباد بشدة هذه الاتهامات وعرضت المساعدة في التحقيقات الجارية؛ لمعرفة المتورطين فيه وتقديمهم للعدالة وهو العرض الذي رفضته نيودلهي.. وقالت نيودلهي إن الجانب الباكستاني يغض الطرف عن الأنشطة الإرهابية لهذا التنظيم الذي يشن هجمات انتحارية ضد أهداف هندية في كشمير.
وقد تبادل الجانبان استدعاء السفراء بينهما للتشاور على إثر تفجر هذه الأزمة، إلا أن مسؤولي البلدين حرصا رغم أجواء التوتر على اعتماد لغة تميل للتهدئة، فقد أعلنت باكستان رغبتها في احتواء الأزمة وطلبت تدخل بعض الأطراف الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة لنزع فتيل التوتر مع جارتها، حيث قال وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قرشي إنه على الأمم المتحدة التدخل لتخفيف حدة التوتر ، لكنه حمّل في الوقت ذاته الهند مسؤولية تصعيد الخطاب العدائي لأسباب داخلية.
ومن جهتها.. أكدت وزيرة الخارجية الهندية شوشما سواراج أن بلادها لا تريد مزيدًا من التصعيد مع باكستان ، قائلة : "سنواصل التصرف بمسؤولية وبضبط للنفس، وقللت من شأن الغارات الجوية التي شنتها المقاتلات الهندية على مواقع في الشطر الباكستاني من كشمير"..مشيرة إلى أنها لم تكن عملية عسكرية ولم تستهدف منشآت عسكرية باكستانية بل قصفت هدفًا محدودًا هو معسكر تدريبي لتنظيم إرهابي تبنى قبل أسبوعين هجومًا انتحاريًا أسفر عن مقتل عشرات العسكريين من الجيش الهندي..معتبرة أن باكستان تجاهلت مطالبات المجتمع الدولي لها بالتصدي لما وصفتها بأنشطة الجماعات الإرهابية على أراضيها، وهي الاتهامات التي تنفيها إسلام آباد بشدة.
ويعد التصعيد الحالي في العلاقات الباكستانية الهندية الأزمة الأكبر التي يواجهها رئيس وزراء باكستان الحالي عمران خان منذ توليه مهام منصبه وذلك بعد فوزه في الانتخابات البرلمانية في الصيف الماضي، وكان خان قد دعا في بداية عهده إلى فتح قنوات حوار مع الهند؛ لتسوية الأزمات القائمة بين البلدين.
ونفى خان الاتهامات الهندية لبلاده.. داعيًا نيودلهي إلى تقديم الأدلة على هذه الاتهامات..ومحذرا في الوقت ذاته من أن بلاده سترد على أي عدوان هندي عليها، مؤكدًا أنه لا بديل عن تهدئة الأوضاع عبر الحوار.
وقد آثار التوتر الحالي بين البلدين موجة من القلق على الصعيد الدولي من احتمالات انزلاق الموقف إلى مواجهة عسكرية مفتوحة بينما ، على صعيد ردود الفعل الدولية على هذه الأزمة دعا وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الطرفين لممارسة ضبط النفس وتجنب التصعيد بكل الطرق، قائلا: "إنه بحث هاتفيًا مع نظيريه الهندي والباكستاني سبل احتواء الموقف".
ومن جانبها.. أعربت وزارة الخارجية الروسية عن قلق موسكو الشديد من تبادل الضربات الجوية بين البلدين، معبرة عن أملها في أن تهدأ الأوضاع في أقرب وقت، كما دعا الاتحاد الأوروبي والصين الطرفين على ضبط النفس والحوار لحل الأزمة بعيدا عن التصعيد العسكري.
ويخشى مراقبون من أن تقود الحسابات السياسية الداخلية في البلدين العلاقات بينهما إلى مزيد من التدهور على خلفية هذه الأزمة، فرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي - والذي يسعى لفوز حزبه في الانتخابات البرلمانية المقررة في شهر مايو الماضي - يتخذ موقفًا متشددًا تجاه باكستان في محاولة لإرضاء الرأي العام الغاضب بعد التفجير الانتحاري الذي استهدف عناصر الجيش، فقد توعد مودي بالرد بقوة على هذا الحادث.
أما رئيس الوزراء الباكستاني - الذي تلاحق حكومته اتهامات بالفساد وغيرها من مشكلات سياسية داخلية - يجد في هذا التصعيد مع الهند وما يعتبره الباكستانيون اعتداءً على سيادة بلادهم وسيلة للهروب من هذه المشكلات.
ويسلط التوتر الحالي في العلاقات بين البلدين الضوء مجددًا على قضية كشمير التي لا تزال منذ نحو 6 عقود محل نزاع بين البلدين، فمنذ تقسيم الهند وقيام باكستان عام 1947 وقعت حربان بين البلدين بسبب منطقة (كشمير) ذات الأغلبية المسلمة والتي يطالب البلدان بالسيادة عليها.
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: