"علمنا كيف نُبصر الحياة".. مقتل طبيب ياباني أنقذ الأفغان من الجفاف
كتب - محمد عطايا:
"العم مراد"، هو لقب شهرة للطبيب الياباني تيتسو ناكامورا، الذي اكتسبه خلال عمله الخيري في أفغانستان، بعدما أمضى سنوات من عمره، يعيد الحياة للقرى والمدن التي دمرتها الحرب والمرض.
لم يتوقع أحد، أن تصيب شظايا الحرب الأهلية في افغانستان الطبيب الياباني، البالغ من العمر 73 عامًا، ليقتل في هجوم مسلحين الأربعاء، أثناء قيادته للعمل في جلال آباد، عاصمة مقاطعة نانجارهار، شرق أفغانستان.
قال عطا الله خوجاني، المتحدث باسم حاكم الإقليم: "خضع الطبيب لعملية جراحية في مستشفى نانجارهار، لكنه أصيب بعدة أعيرة نارية، وتوفى أثناء نقله إلى المطار المحلي لنقله إلى المنشأة الطبية في القاعدة العسكرية الأمريكية في باجرام".
وكانت هذه القضية الأخيرة في سلسلة من الهجمات التي تستهدف العاملين في المجال الإنساني في أفغانستان.
"أحب رؤية قرية تعود للحياة"
بحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، غادر ناكامورا منزله في اليابان في الثمانينيات لعلاج مرضى الجذام في أفغانستان وباكستان، إلا أنه اكتشف فيما بعد أن الجفاف الشديد يقتل أشخاصًا أكثر مما تستطيع عياداته إنقاذهم.
وأوضحت الصحيفة الأمريكية، أن الطبيب الياباني، ساعد القرويين واللاجئين باستخدام "التقنيات اليابانية القديمة" التي تتطلب القليل من المهارات، في بناء شبكة من القنوات المائية التي عملت على توصيل المياه إلى ما يقرب من مليون شخص.
في تصريحات سابقة، قال الدكتور ناكامورا: "يعالج الطبيب المرضى واحداً تلو الآخر، لكني أريد أن أصل إلى العشرات والمئات، بل أحب رؤية قرية بأكملها تعود للحياة".
اغتيال ناكامورا كان أمرًا وحشيًا مسببًا صدمة وموجات من الحزن في أفغانستان.
ولم تعلن أي جماعة مسلحة مسؤوليتها عن الحادث. فيما أكد المتحدث باسم طالبان، ذبيح الله مجاهد، إن الحركة تنفي تورطها.
شعر أهالي منطقة خوا، بنانجارهار، بحزن عميق، نظرًا لأن معظم أعمال منظمة الطبيب الياباني الخيرية "السلام اليابانية للخدمات الطبية"، كانت في تلك المنطقة.
يقول أهالي "خوا"، إن الطبيب الياباني علمهم "كيف يبصرون الحياة مرة أخرى"، وساعدهم على بناء أرضهم، فقد كان قائدًا لهم. فيما وصفه البعض بأنه أحد أفراد العائلة.
وأعرب الرئيس الأفغاني أشرف غاني، الذي منح الدكتور ناكامورا الجنسية الفخرية في أكتوبر عن خدماته ، عن "حزنه العميق"، وأمر أجهزة الأمن التابعة له بالعثور على الجناة.
وأبرز رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، أعمال الطبيب في أفغانستان، قائلًا: "صدمت عندما علمت أنه لقي حتفه بتلك الطريقة".
"الطب لن يحل أزمات الجوع والجفاف"
ولد الطبيب الياباني في مقاطعة فوكو، في العام 1946، وذهب لأول مرة لشرق أفغانستان في أوائل الثلاثينيات من عمره، وذلك وفقًا لـ"نيويورك تايمز".
وبعد إنهاء دراسته في كلية الطب، عاد الدكتور ناكامورا إلى مدينة بيشاور الحدودية الباكستانية، حيث أنشأ عيادات لعلاج السكان المحليين واللاجئين الأفغان الفارين من الحرب السوفيتية.
وافتتح لاحقًا عيادات في محافظة بشرق أفغانستان، وهي منطقة متأثرة بشكل كبير بالجفاف. وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن مرضاه لم يكن يعانون من سوء التغذية فحسب، بل من الإسهال أيضًا، حيث كانت مصادر المياه النظيفة شحيحة.
حاول الدكتور ناكامورا، الذي تعلم أيضًا التحدث باللغة المحلية "الباشتو" تحسين الوضع من خلال حفر مئات الآبار للحصول على المياه النظيفة، لكنه سرعان ما أدرك أن هذا ليس هو الحل.
وقال الدكتور ناكامورا لقناة "إن إتش كايه" اليابانية: "الجوع والجفاف.. لا يمكن للطب أن يحل هذه المشكلات، فأدركت أننا بحاجة إلى تجاوز مجال الطب الضيق والعمل لضمان حصول الناس على ما يكفي من الغذاء والماء".
عمل الطبيب الياباني على شق قنوات مائية لري المناطق القاحلة، مستخدمًا تكنولجيا يابانية قديمة، لا تطلب مهارة كبيرة في استخدماها من قبل أهل القرية الأفغانية.
فيديو قد يعجبك: