خبراء يحذرون: التساهل الدولي مع مغامرة أردوغان في سوريا يشجع على غزو أراضي الغير
نيويورك - (د ب أ):
حذر المحلل السياسي الروسي المقيم في العاصمة الألمانية برلين ليونيد بيرشيدسكي من تداعيات التساهل الدولي مع المغامرة العسكرية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في سوريا، مضيفا أن الصمت على هذه المغامرة والسماح باكتمالها يفتح الباب أمام دول أخرى للسير في نفس الطريق وغزو أراضي الغير والاستيلاء عليها بالقوة.
ويرى بيرشيدسكي فى تحليله الذى أوردته وكالة بلومبرج للأتباء اليوم الأربعاء أن استيلاء الرئيس التركي أردوغان، مثل استيلاء نظيره الروسي على شبه جزيرة القرم الأوكرانية لم يجد سوى رد فعل دولي ضعيف فهل سيشجع هذا المزيد من الدول على الاستيلاء على الأراضي؟. السوابق التاريخية تقول إن مغامرة غزو أراضي الغير والاستيلاء عليها تنجح إذا لم تؤد إلى اشتعال حرب واسعة النطاق في منطقة الصراع.
الولايات المتحدة وردا على الاجتياح التركي للأراضي السورية قررت تجميد أصول وزارتي الدفاع والطاقة التركيتين إلى جانب أصول وزيري الداخلية والطاقة. كما تعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوقف المفاوضات التجارية مع تركيا مع زيادة الرسوم الجمركية على الصلب التركي. ومع ذلك فتأثير هذه العقوبات على تركيا محدود للغاية. فالاحتمال الأقوى ألا تكون للوزارتين والوزيرين الأتراك أي أصول في أمريكا يمكن تجميدها. كما يمكن للوزارتين والوزيرين استمرار التعامل مع النظام المالي الأمريكي عبر مؤسسات الحكومة التركية الأخرى.
من ناحيته وافق الاتحاد الأوروبي على تبني كل دولة من الدول الأعضاء "موقف قوي بشأن سياستها لتصدير السلاح إلى تركيا" ولم يوافق على فرض حظر على تصدير السلاح إليها، رغم أن فرنسا وألمانيا وفنلندا والسويد وهولندا، تعهدت بوقف تصدير السلاح إلى تركيا. يستطيع أردوغان الاستغناء عن مشتريات السلاح الأوروبي، في حين سيكون بوتين الرابح الأكبر لأنه سيبيع المزيد من الأسلحة إلى تركيا.
في الوقت نفسه فإن العقوبات التي تقرر فرضها على تركيا بسبب غزو سورية أقل كثيرا من تلك العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا بعد غزو شبه جزيرة القرم الأوكرانية في مارس 2014.
ففي ذلك الشهر قررت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فرض حظر سفر وتجميد أصول العديد من المسؤولين الروس الذين يعتقد أنهم شاركوا في عملية الغزو. كما قرر الاتحاد الأوروبي حظر التعامل الاقتصادي مع إقليم القرم نفسه. ومع ذلك تجاهلت روسيا هذه العقوبات، وردت بفرض حظر على بعض الواردات الأوروبية، في أعقاب تصاعد الصراع في شرق أوكرانيا وإسقاط طائرة الركاب الماليزية فوق مناطق سيطرة الانفصاليين الأوكرانيين الموالين لروسيا.
وكما حدث مع بوتين، يمكن لأردوغان التعايش مع مثل هذه العقوبات حتى إذا وصلت إلى مستوى العقوبات الدولية التي فرضها مجلس الأمن الدولي على العراق في أعقاب غزو الكويت في أغسطس 1990 والتي شملت حظرا ماليا وتجاريا كاملا على العراق.
ويرى المحلل والكاتب الصحفي الروسي ليونيد بيرشيدسكي أن العقوبات الضعيفة التي تقرر فرضها على روسيا بعد اجتياح القرم وعلى تركيا بعد اجتياح الحدود السورية، تهدد بنسف مبدأ "احترام وحدة أراضي الدولة وسيادتها عليها" والذي يفترض أنه استقر منذ الحرب العالمية الثانية. بل إن ظهور هذا المبدأ والقبول الدولي الواسع به كان من أهم أسباب تراجع عدد عمليات الغزو والاستيلاء على أراضي الغير خلال العقود الماضية.
ولكن هناك دراسة حديثة تفند الفكرة التي بلورها أستاذ العلوم السياسية مارك تسشر في ورقة بحثية عام 2001 والتي تقول إن مبدأ "احترام أراضي الدولة وسيادتها" أدى إلى تراجع كبير في عدد حالات تغيير الحدود بين الدول.
فبحسب دان ألتمان الأستاذ في جامعة ولاية جورجيا الأمريكية من الواضح أن فكرة تغيير الحدود والاستيلاء على الأراضي عن طريق الغزو لم تختف ولم يعف عليها الزمن. ويرى أنه استنادا إلى عدة بيانات محدثة عن الصراعات بين الدول، يمكن القول إن طبيعة السيطرة على الأرض تغيرت.
فمع تزايد رغبة الدول في تجنب الظهور بمظهر من يشعل الحرب متعمدا، تراجعت بشدة أشكال الغزو التي قد تشعل حروبا واسعة. في المقابل أثبتت محاولات الغزو التي اعتمدت استراتيجية لتجنب نشوب حرب واسعة نجاحها. فهذه المحاولات تستهدف مساحة محدودة من الأرض وخاصة الأرض قليلة السكان، الذين لا يحتاجون إلى حشد عسكري كبير للتخلص منهم.
وبحسب ألتمان فإن كل الدول التي نفذت عمليات الغزو الثماني التي أدت إلى حروب واسعة منذ 1975 انتهت بفشل الاحتفاظ بالأرض. والمقصود بالحرب الواسعة النطاق هي التي يزيد عدد ضحاياها عن 1000 قتيل في ساحات المعارك. في الوقت نفسه فإن من بين 30 عملية غزو محدودة لأجزاء من دول أخرى خلال الفترة من 1980 إلى 2018، نجحت الدولة الغازية في الاحتفاظ بالأرض التي احتلتها في نحو نصف عدد هذه العمليات.
معنى هذا أن عملية الغزو الناجحة هي تلك التي تتجنب نشوب حرب واسعة النطاق.
في المقابل فإن محاولة الاستيلاء على أراضي دولة كاملة كما حدث مع الغزو العراقي للكويت عام 1990 يزيد مخاطر دخول طرف ثالث للدفاع عن الضحية. ويقول ألتمان إن ما حدث للعراق بعد غزو الكويت، يظهر أن العقوبات في مثل هذه الحالة يمكن أن تكون كبيرة للغاية. لكن في حالات الغزو الأقل شأنا لا تجد " الدول الضحية من يقف إلى جانبها" حسب ما يرى ألتمان ، الذي يضيف قائلا" من بين 63 محاولة عزو استهدفت أجزاء من دول أخرى منذ 1945، تدخلت دولة ثالثة- صديقة أو حليفة للدولة الضحية- في خمس فقط من هذه الحالات- بإطلاق طلقة واحدة على الأقل دفاعا عن الضحية".
كل هذا يجعل عملية استيلاء بوتين على شبه جزيرة القرم، عملية غزو ناجحة بالنسبة للمعايير الحديثة للغزو. فهذه العملية انطوت على قدر قليل من العنف، كما قدر بوتين على نحو صحيح أن تدخل أي طرف ثالث سوف يكون ضعيفا. من ناحية أخرى، كان التدخل الروسي في شرق أوكرانيا – وفقا لاستنتاجات ألتمان أيضا – مبنى على سوء تقدير : حيث أدى إلى اشتعال حرب، وتأمل روسيا في إعادة الأراضي التي يستولى عليها الانفصاليون الموالون لها الآن إلى الحكومة الأوكرانية إذا تمكنت من التوصل لشروط سلام مقبولة.
وفي سوريا يبدو أن أردوغان كان يأمل فى تحقيق أمر واقع على نمط القرم. ولكن التطورات على الأرض – مثل دخول القوات التركية إلى الأراضي السورية، وتحرك الجيش السوري لمساندة الأكراد في مواجهة الأتراك، وإصرار روسيا على أنها لن تسمح لتركيا بالاحتفاظ بأي أراض سورية تم غزوها- يوضح أنه ربما أخطأ التقدير تماما كما فعل بوتين فى شرق أوكرانيا.
إن رد الفعل الغربي الضعيف على الغزو التركي لسورية لن يرغم أردوغان على الانسحاب .ولكن احتمال نشوب حرب واسعة النطاق يمكن ان يحبط خطة أردوغان في إقامة منطقة حدودية أمنة بعمق 30 كيلومترا في الأراضي السورية. وقد يجد أردوغان نفسه مضطرا لتوقيع اتفاق مع بوتين و الرئيس السوري بشار الأسد يسمح بإعادة توطين جزء من اللاجئين السوريين في تركيا والبالغ عددهم 7ر3 مليون لاجئ في مناطق شمال شرق سوريا، وربما يحمل روسيا وحكومة الأسد مسؤولية منع أى نشاط معاد لتركيا على طول الحدود.
فيديو قد يعجبك: