لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

قراءة في كتاب الخوف: كيف استخدمت إدارة ترامب السعودية وإسرائيل ضد إيران؟ (الحلقة السادسة)

10:21 ص الثلاثاء 18 سبتمبر 2018

كتاب الخوف

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- هدى الشيمي:

في فبراير الماضي، عُين ديريك هارفي، وهو عقيد سابق في الجيش، وواحد من أبرز محللي الاستخبارات في الحكومة الأمريكية، مديرًا لشؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي، وهو منصب كبير ومهم في منطقة مشتعلة. ولكنه أقيل من منصبه بعد فترة. وكان لهارفي دورًا بارزًا في التخطيط لزيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السعودية، وتحسين العلاقات بين واشنطن والرياض.

الكاتب الأمريكي البارز بوب وودوورد، كشف تلك التفاصيل في الفصل الرابع عشر من كتابه: "الخوف.. ترامب في البيت الأبيض".

صدر الكتاب الذي هاجمه ترامب واعتبره مليئًا بالأكاذيب يوم 11 سبتمبر الجاري، وباع أكثر من 750 ألف نسخة في يوم واحد.

ويستعرض مصراوي في سلسلة حلقات أبرز ما كشفه وودورد في كتابه الذي يصل إلى 500 صفحة، وقال إنه جمع ما فيه من مئات اللقاءات مع مسؤولين كبار في الإدارة الأمريكية.... إليكم "الحلقة السادسة":

هارفي شخصية لبقة قادرة على التحدث بطلاقة، كما أنه يعمل في المخابرات مثل محققي الجرائم من خلال آلاف الوثائق، وتقارير المعارك، ووثائق الأعداء، والبيانات، فهو يشبه كثيرًا زعماء القبائل.

يُعرف هارفي في بعض الدوائر باسم "القنبلة اليدوية" بسبب قدرته واستعداده على الانفجار في وجه أي شخص.

قبل أحداث 11 سبتمبر الإرهابية، يُشير وودورد إلى أن هارفي كتب ورقة خلصت إلى أن أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة أصبحوا يمثلون تهديدًا استراتيجيًا على الولايات المتحدة. وكان تقريبًا الشخصية الوحيدة التي تنبأت بتنامي نفوذ وقوة القوات المتمردة في أفغانستان والعراق عقب الغزو الأمريكي للبلدين.

ذهب هارفي للقاء جاريد كوشنر، مستشار الرئيس لشؤون الشرق الأوسط وصهره، في مكتبه الصغير المجاور للمكتب البيضاوي. وهناك جلس كوشنر، ووضع ساقه على الأخرى، وأنصت لما يقوله هارفي باهتمام.

تنامي النفوذ الإيراني

أكثر ما كان يُقلق هارفي في الشرق الأوسط، حسب وودورد، هو حزب الله، المنظمة التي تصنفها واشنطن إرهابية وتدعمها إيران، لا سيما وأن الاستخبارات الأمريكية وجدت أن المليشيا الشيعية لديها أكثر من 48 ألف جندي في لبنان يعملون بدوام كامل، وهم يمثلون تهديدًا كبيرًا للدولة اليهودية، علاوة على ذلك، لديهم حوالي 8000 جندي في قوات المشاة في سوريا واليمن. إضافة إلى رجالهم الموجودين في كولومبيا، وفنزويلا، وجنوب أفريقيا وموزمبيق.

ولدى حزب الله حوالي 15000 صاروخًا، بعد أن كانوا يملكون فقط 4500 صاروخ خلال حربها مع إسرائيل عام 2006.

وذكر هارفي أن الحرس الثوري الإيراني كان له دورًا كبيرًا في مساعدة حزب الله على الوصول إلى ما وصل إليه، خاصة وأن طهران كانت تسدد له الكثير من المستحقات المادية، والتي قُدّرت بحوالي مليار دولار في العام الواحد، ولم يتضمن ذلك ما جناه حزب الله من غسل الأموال، والاتجار بالبشر، وتجارة الكوكايين والأفيون، وبيع أنياب العاج التي حصل عليها من موزمبيق.

سيطر حزب الله على لبنان، وكان على استعداد على استخدام العنف، وتعهد بتدمير إسرائيل، وكان هذا أكبر ما يخشاه هارفي.

كان حزب الله أحد أذرع إيران للحرب بالوكالة، كما أنها استخدمته في الضغط على إسرائيل ومهاجمتها، وملأت قواعده الجوية بالصواريخ، بشكل يقوض تل أبيب ويجعل نظام القبة الحديدية وصواريخ ديفيد وسليج وآرو غير كافيين للحمايتها والدفاع عنها.

شعر هارفي أن هناك احتمالية نشوب حرب كارثية بين إسرائيل وإيران، سيكون لها عواقب اقتصادية واستراتيجية وانسانية وخيمة، وخشى أن تتورط الولايات المتحدة في هذه الأزمة، وتضطر إلى بذل جهدًا كبيرًا من أجل إعادة نشر الاستقرار في المنطقة.

حصل ترامب على إحاطة تضم الكثير من التفاصيل عن حزب الله، ودعم مايك بومبيو، مدير مكتب الاستخبارات الأمريكية وقتذاك، ووزير الخارجية آنذاك ريكس تيلرسون، ومستشار الأمن القومي السابق إتش آر ماكماستر الأمر.

التحضير لقمة الرياض

إلا أن هارفي، حسب وودورد، لم يشعر أن المسؤولين الأمريكيين الآخرين يدعموا حجته كما ينبغي، لذا ذهب مباشرة إلى كوشنر، وأكد له أن إدارة ترامب الجديدة ليست مستعدة لما قد يحدث، وشدد على ضرور تعزيز العلاقات الأمريكية الإسرائيلية التي شهدت توترًا كبيرًا خلال السنوات الثمانية التي حكم فيها أوباما الولايات المتحدة.

وفي الصيف، دعا السفير الإسرائيلي لدى واشنطن ومستشاريه لشؤون الأمن القومي هارفي إلى إسرائيل، وهذا ما رفضه ماكماستر، والذي قال إنه لا يوجد أي سبب يبرر هذه الزيارة، وفقًا لوودورد.

وفي مطلع يوليو، رتّب هارفي اجتماعًا مع مسؤول استخباراتي كبير في جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد"، وممثلي إسرائيل في الجيش والقوات العسكرية، إلا أن غضب ماكماستر من هارفي منعه من المضي قدمًا.

وفي تلك الفترة، اقترح كوشنر أن يذهب الرئيس الأمريكي إلى الرياض، لتكون أول محطات جولته الخارجية الأولى. ووجد هارفي أن هذه الزيارة تتناسب بشكل ممتاز مع ما يحاولان القيام به، خاصة وأن العلاقات السعودية الأمريكية تضررت كثيرًا خلال سنوات حكم أوباما.

رأى كوشنر وهارفي أن جعل السعودية أول دولة يزورها ترامب سيبعث للعالم بأكمله رسالة قوية مُفادها أن إدارة الرئيس الأمريكي لديها قائمة جديدة بالأولوليات.

ووجد المسؤلان الأمريكيان، حسب وودورد، إن قمة السعودية ستكون مُفيدة لإسرائيل، لاسيما وأن تل أبيب والرياض لديهما خصم مشترك وهو إيران.

وذكر وودورد أن هارفي له علاقات قوية بمسؤولين استخباراتيين في إسرائيل، والذين أكدوا له أن كوشنر أسس شبكة علاقات في إسرائيل، خاصة وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صديق مُقرب لعائلة كوشنر.

بن سلمان هو المستقبل

وخلال اجتماعتهما، قال كوشنر لهارفي إنه لديه معلومات استخباراتية تؤكد أن أهم شخصية في المملكة هو محمد بن سلمان، نجل الملك نائب ووزير الدفاع وولي ولي العهد وقتذاك.

وأشار كوشنر إلى أن بن سلمان لديه رؤية جديدة للمملكة، كما أنه شخصية ساحرة، تتحدث بطلاقة عن الكثير من الإصلاحات الجريئة، والتحديث.

يقول وودورد إنه عندما علم ماكماستر بمقترح زيارة السعودية وعقد قمة هناك، شعر بالغضب الشديد، وسأل هارفي في انفعال: "من صاحب هذه الفكرة؟ ومن يسعى إلى تنفيذها؟".

يذكر وودورد أن هارفي عقد عدة اجتماعات مع وكالات الاستخبارات الرسمية في الولايات المتحدة، فأخبره المسؤولون أنه على كوشنر توخي الحذر. موضحين أن الرجل القوي الحقيقي في السعودية وقتذاك كان محمد بن نايف، ولي العهد السابق، ابن شقيق الملك والذي كان له الفضل في تفكيك فرع تنظيم القاعدة في المملكة.

وقال المسؤولون الاستخباراتيون إن الإطاحة بابن نايف وتولية بن سلمان مكانه، من شأنه إحداث بعض المشاكل والخلافات في العائلة السعودية المالكة، حسبما يقول وودور.

ومن خلال خبرته الاستخباراتية واتصالاته مع كبار المسؤولين في الشرق الأوسط، اعتقد هارفي أن كوشنر مُحقًا بشأن بن سلمان، فهو فعلاً المستقبل.

وفي مارس، ترأس ماكماستر اجتماعًا للتحدث عن امكانية عقد قمة الرياض. وقال تيلرسون، وزير الخارجية وقتذاك، إنه من خلال خبرته في العمل في شركة "إكسون"، فإنه يعلم أن السعوديين يتحدثون دائمًا عن صفقات ومشاريع كبيرة، لذا من الضروري أن تجاريهم.

وأشار تيلرسون إلى أن الولايات المتحدة قد تبذل الكثير من الجهد للإعداد لهذه القمة، وفي النهاية لن تحصل على أي شيء.

ومن جانبه، قال وزير الدفاع الأمريكي ماتيس إن الترتيب لصفقات بيع الأسلحة ولمشاريع أخرى مفيدة للاقتصاد الأمريكي يحتاج وقتًا طويلاً، واقترح تأجيل الأمر إلى العام الجديد، لأن الإدارة الجديدة عليها أن تكون أكثر حذرًا، وأكثر حكمة.

وقال وزير الطاقة ريك بيري إنه كان الكثير لفعله في وقت قصير جدًا.

غضب في البيت الأبيض

وذكر وودورد أن فكرة عقد قمة في الرياض لم تنل استحسان كثيرين في البيت الأبيض، خاصة ماكماستر.

وفي الاجتماع الذي عُقد في البيت الأبيض للتحدث بشأن القمة، قال كوشنر – الذي جلس على الطرف الآخر من الطاولة فأصبح مواجهًا لماكماستر، إنه يفهم أسباب المخاوف والشكوك بشأن الأمر برمته.

وتابع، حسب وودورد، "ولكني اعتقد أننا لدينا فرصة هنا، وعلينا اقتناصها، وافهم أنه من الضروري أن نكون حذرين. وعلينا العمل بجد واجتهاد، وإذا لم ينجح الأمر، سيكون لدينا الكثير من الوقت لتغيير الخطة".

يوضح وودورد أن لا أحد اعترض على ما قاله كوشنر، وهذا ما كان يعلمه هارفي، لذا استأنف عمله كما المتفق عليه.

أرسل بن سلمان فريقًا من 30 شخصًا إلى واشنطن، ورتب هارفي عدة لقاءات تجمعهم بمسؤولين أمريكيين كبار في قاعات للمؤتمرات في مبنى مكتب أيزنهاور، وشُكلت مجموعات عمل أمريكية سعودية للعمل على مكافحة الإرهاب، وإيقاف تمويله.

كما عقد البنتاجون اجتماعات مع الفريق السعودية بشأن العقود والشراكة الأمنية.

يقول وودورد إن هارفي لم يطلب الكثير من السعوديين، خاصة وأنه يعلم أنهم لم ليسوا على نفس الدرجة من الثراء، بعد انخفاض أسعار النفط.

وفي الوقت نفسه، لم يكن ماكماستر يشعر بالحماس تجاه هذه الاجتماعات، ولكن لأن كوشنر يريد الأمر، فواصل هارفي عمله، لكنه لم يحظى بالكثير من الدعم.

قال كوشنر إنه إذا كانت الولايات المتحدة ستواصل نهجها في الانخراط في مشاكل الشرق الأوسط، فهي تحتاج إذا إلى مساعدة السعودية وإسرائيل على النجاح.

ونقل وودورد قول كوشنر إن "الرئيس لن يستمر في دفع فواتير الدفاع الأمريكي عن الشرق الأوسط، بينما لا يستفيد أحد سوى دول المنطقة".

وزادت مخاوفه بعد تنامي النفوذ الإيراني وما اعتبره عمليات تخريبية في المنطقة، خاصة تلك التي هدد بها حزب الله إسرائيل.

دعا كوشنر إلى اقناع السعوديين بعقد المزيد من الصفقات وحثهم على شراء الأسلحة، وفقًا لوودورد. وقال: "إنهم سيساعدون على إنعاش الاقتصاد الأمريكي وخلق فرص عمل حال اشتروا الأسلحة".

عاد الفريق السعودي إلى واشنطن من أجل زيارة ثانية، يقول وودورد إنهم بقوا في الولايات المتحدة أربعة أيام وعقدوا اجتماعات امتدت حتى الساعة الواحدة صباحًا.

عقد كوشنر اجتماعات يومية مع مسؤولين أمريكيين بارزين في مكتبه، حيث تزاحم عشرات الأشخاص.

وفي هذا الوقت، لم يكن السعوديون يحصلون على ما يكفي من العقود، أو مشتريات الأسلحة.

قال كوشنر لهارفي إنه سيُجري مكالمة هاتفية، فاتصل فورًا بابن سلمان، وزاد السعوديون مشتريات الأسلحة.

دعا كوشنر الأمير السعودي الشاب إلى الولايات المتحدة، وأحضره إلى البيت الأبيض حيث تناول بن سلمان الغداء مع مجموعة من المسؤولين الأمريكيين من بينهم نائب الرئيس مايك بنس، رينس بريبوس، رئيس طاقم البيت الأبيض السابق، وستيف بانون، كبير المستشارين الاستراتيجيين، وماكماستر، كوشنر، في 14 مارس من العام الماضي، حسب وودورد.

يقول وودورد إن اختراق ترامب وكوشنر للبروتوكول بهذا الطريقة أزعج المسؤولين في الخارجية، وجهاز الاستخبارات الأمريكية "سي آي إيه".

واصل تيلرسون وماتيس الإعراب عن مخاوفهما وشكوكهما حيال هذه الجولة، وأرجع وودورد ذلك إلى أن الأمر كان صعبًا جدًا، وكانت هناك الكثير من التساؤلات بشان العقود والاتفاقيات.

وافق ترامب أخيرًا على زيارة السعودية وإسرائيل، لتكون البلدين بذلك أول دولتين يزورهما منذ وصوله إلى سدة الرئاسة.

ذهب ترامب إلى السعودية في زيارة استغرقت يومين 21 و22 مايو، ورٌحب به بشكل فاخر، وأعلن عقد صفقات بمليارات الدولارات مع السعودية وغيرها من الدول.

اعتقد هارفي، حسب وودورد، أن القمة أحيت العلاقات بطريقة دراماتيكية، وأنها بعثت رسالة استراتيجية إلى إيران، الخصم الرئيسي للولايات المتحدة، لاسيما وأن السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي (البحرين، الكويت، عمان، قطر، والإمارات العربية المتحدة) وإسرائيل اتحدوا أخيرًا، وانتهى نهج أوباما الذي لم يرضِ أي منهم.

وفي الشهر التالي، أعلن الملك سلمان (81 عامًا) نجله الأمير محمد بن سلمان (31 عامًا) وليًا للعهد، ليكون بذلك الحاكم السعودي المُقبل الذي من المتوقع أن يحكم البلاد لعقود.

فيديو قد يعجبك: