"بطلة أم هاربة من العدالة؟".. لغز اختفاء طبيبة أمريكية في هجمات 11 سبتمبر
كتبت- رنا أسامة:
بين آلاف القتلى والجرحى والمفقودين الذين سقطوا جراء اصطدام طائرتي ركاب مخطوفتين ببرجي مركز التجارة العالمي في نيويورك عام 2001، يظل اختفاء الطبيبة الأمريكية ذات الأصول الهندية سنيها آن فيليب واحدًا من أكبر ألغاز هجمات 11 سبتمبر الإرهابية.
كانت قد مرّت ثلاثة أعوام على عملها في مستشفى سانت فنسنت بجزيرة ستاتن في نيويورك وقت اختفائها، حسبما ذكر موقع "نيوز" الاسترالي.
اتسمت حياتها بالعمل الدؤوب، حتى أنها كانت تقضي في أحيان كثيرة أُمسياتها في الشرب مع أصدقاء مختلفين في حانات قريبة من منزلها، على بُعد مبنيين اثنين من مركز التجارة العالمي.
وبالرغم من ذلك بدا يوم 10 سبتمبر 2001 مختلفًا بعض الشيء: ظهرت في المحكمة صباح ذلك اليوم، وبعد فترة "كسل" ما بعد الظهر ذهبت للتسوّق في المساء، ولم تُرى على قيد الحياة منذ ذلك الحين.
شوهِدت آخر مرة مساء العاشر من سبتمبر 2001، بعد السادسة مساءًا؛ كانت تشترى لانجيري وفستانًا وملابس داخلية وثلاثة أزواج أحذية من متجر "القرن 21" القريب من مركز التجارة العالمي، وفق الموقع الاسترالي.
لم يكن زوجها المدعو، رونالد ليبرمان، والذي يعمل طبيبيًا أيضًا، مهتمًا كثيرًا بموعد عودتها المنزل بعد الساعة 11 مساءً، فقد اعتاد تأخّرها بحكم طبيعة عملها، الأمر الذي حاله دون ملاحظة أنها لم تكن بالمنزل.
اعتادت فيليب المبيت في منزل شقيقها أو ابن عمها في الأيام التي تعمل خلالها لساعات متأخرة، ما أضفى قدرًا من المنطقية على عدم رجوعها المنزل تلك الليلة. لم تُحادث زوجها قط، ولكن انطلاقًا من أنهما كانا يتشاجران لأنها لم تكن تُعلِمه في كثير من الأحيان أنها لن تعود للمنزل، لم يندهش زوجها من عدم رجوعها المنزل.
لم يسمع ليبرمان عن زوجته حتى صباح 11 سبتمبر، وشعر بشيء من الغضب من أنها لم تتصل به حتى ذلك الوقت، وغادرت لاجتماع صباحي في برونكس. بعد الاجتماع، عمّت الفوضى أرجاء مركز التجارة العالمي، وسُرعان ما انتابه الذُعر حيال زوجته.
مضى الزوج يترك رسائل صوتية على هاتفهم بالمنزل (الطبيبة المفقودة لم تكن تحمل هاتفًا خلويًا)، ثم اتصل بالعديد من أفراد العائلة والأصدقاء، لكن لا أحد سمع عنها أيضًا.
بعد جولة بحث جنونية استغرقت 6 ساعات في وسط المدينة، مُستقلًا إحدى سيارات الإسعاف، لم يعثر ليبرمان على زوجته ولم يتمكّن من دخول شقتهم، حتى أنه أمضى ليلة 11 سبتمبر عند أحد الأصدقاء.
وفي صباح اليوم التالي -الذي جاء دون أن يسمع خبرًا عن زوجته- عاد ليبرمان إلى المنزل دون أي يعثر على أي إشارة تُفيد بعودة فيليب.
طبقات التراب المتناثر من انهيار برجيّ التجارة العالمي غطّت كل ركن من أركان المنزل. لم يدخله أحد منذ غادره ليبرمان في الصباح للبحث عن زوجته. ومع مرور الأيام دون جدوى تقدّم ببلاغ إلى الشرطة عن فقدها.
وسُرعان ما أُدرجت فيليب ضمن الـ9 آلاف ضحايا مُفترضين في هجمات 11 سبتمبر.
في اليوم الذي تلا الهجمات، حكى شقيقها جون عن "بطولات" فيليب لوسائل الإعلام، مُشيرًا إلى أن المرة الأخيرة التي سمع عنها كانت تُسرع نحو برجيّ مركز التجارة العالمي لمساعدة الضحايا الجرحى. وقال للصحفيين "كنت أحادثها هاتفيًا-وقتذاك-وأخبرتني أنها لا تستطيع أن تدع المُصابين".
وتابع "قالت لي: عليّ أن أساعد هذا الشخص، وهذا هو آخر شيء سمعته عنها "، فيما وصفه بآخر عمل إنساني تُجريه طبيبة ملتزمة.
رُبما كان ممكنًا أن تظل هذه الواجهة الإنسانية الإرث المُشرق للطبيبة المفقودة، لو لم تتوغّل إدارة شرطة نيويورك في حياة فيليب، لاسيّما خلال الأسابيع التي سبقت "وفاتها المُفترضة"، كجزء من عمليات البحث عن مفقودي هجمات 11 سبتمبر، وفق "نيوز" الاسترالي.
وفق وثائق المحكمة، عاشت فيليب حياة زوجية بائسة، دخلت في علاقات "مثلية" خارج إطار الزواج، تردّدت على نوادي ليلية سيئة السُمعة، ووجّهت لها تهمًا جنائية مُعلّقة. كما طُردت من وظيفة واحدة على خلفية مزاعم بتناولها الكحول والمخدرات، وهو ما تنكره أسرتها بشدة.
تعدّت بالضرب على ربّ عملها واتهمته بالاعتداء عليها جنسيًا. وحينما تبيّن أن تلك الادعاءات مُلفّقة، رفضت فيليب أن تتراجع، ووجهّت إليها تهمة "البلاغ الكاذب"، لهذا تواجدت في المحكمة صباح يوم 10 سبتمبر. وفي يوم اختفائها، تم فصلها من وظيفة أخرى.
كشفت المُحققون فيما بعد أن فيليب لم تمُت وأنها رُبما تكون على قيد حياة بشخصية أخرى، مُرجّحين أن اختفاءها مُتعمّد للهروب من العدالة.
باستجواب الشرطة، أقرّ شقيقها بأنه "اختلق" قصة توجّهها إلى المبنى المُنهار لمساعدة المصابين، قائلًا إنه "كان يريد لفت الأنظار إلى اختفائها". واشتبهت الشرطة في أن يكون لدى شقيق فيليب ما هو أكثر من ذلك، لكنه لم يتحدث.
يذكر الموقع أن الأثر الأخير لفيليب يُضفي على واقعة اختفائها مزيدًا من التعقيد. في تسجيل مُصوّر التقطته كاميرات المراقبة شوهّدت الطبيبة المفقودة في متجر "القرن 21" القريب من مبنى التجارة العالمي في تمام الساعة 7:11 مساءً يوم 10 سبتمبر.
ظهرت فيليب في الفيديو بمفردها حاملة حقيبتيّ تسوّق كبيرتين، تأكّد لاحقًا احتوائهما على ثلاثة أزواج من الأحذية، فراش، فستان، وملابس داخلية بقيمة 550 دولار. لكن ما يُزيد الأمور تعقيدًا، وفق الموقع، هو إصرار موظّفي المتجر على أن فيليب كانت تتسوق في وقت سابق من ذلك اليوم مع امرأة ذات شعر أسود قصير، لكن لم تظهر في التسجيل.
ومع أن اختفاء الطبيبة حصد اهتمام وسائل الإعلام في ذلك الوقت، لم تظهر المرأة التي قيل إنها رافقت فيليب خلال رحلة التسوق. ولم تُكتشف هويّتها بعد.
وكشف مُحقق خاص استأجره زوجها عن مقطع فيديو آخر أكثر إثارة للدهشة. سجّلته كاميرات المراقبة داخل بهو مبنى برجيّ مركز التجارة العالمي قبل لحظات من ضرب الطائرة الأولى للبرج المُجاور صباح الحادي عشر من سبتمبر.
ويُظهِر الفيديو دخول امرأة للمبنى، وقفت في انتظار المصعد لأكثر من دقيقة، ثم خرجت. وفي حين لا يظهر شكل المرأة بوضوح بفعل أشعة الشمس المنبعثة من الباب الأمامي للمبنى، يُصِر ليبرمان على أن "ظل المرأة في الفيديو، قصّة شعرها، وتصرفاتها مُطابقة لزوجته".
وإذا كانت المرأة صاحبة الفيديو هي نفسها الطبيبة المفقودة، لماذا لم تستقِل فيليب المِصعد إلى شقتهم؟ هل سمعت صوت ارتطام الطائرة بالبرج، فهرعت للتحقّق من مصدر الصوت؟ أم أنها وجدت في الأحداث فرصة ذهبية للاختفاء؟ - يتساءل الموقع.
وكلما مضت أجهزة الشرطة في تحقيقاتها، كلما كشفت أدلة تُرجّح أن فيليب "لاذت بالفرار" ولم تُفقد. يقول الموقع الاسترالي إن "مأساة مركز التجارة العالمي كانت ستارًا مثاليًا للتخفّي".
بالرغم من ادعاءات عائلتها المناقضة لذلك، كانت حياة فيليب مضطربة. في ربيع عام 2001، قيل لها إن عقدها في المستشفى لن يتم تجديده بسبب "مشكلات متعلقة بالكحول". شعرت بالغضب وما كان منها سوى أن تزعم أن زميلها المتدرب كان يتلمسها بشكل غير لائق في حانة في الليل، وقدّمت شكوى جنائية.
حققت محامية المقاطعة في قصتها، لكنها كشفت ثغرات في قضيتها واتهمتها بتقديم "ادعاء كاذب". عرضوا عليها إسقاط التهم إذا ما تراجعت، لكنها رفضت، فاعتُقِلت فيليب وأمضت ليلة في السجن.
كما ترسم وثائق المحكمة صورة أخرى لحياة فيليب المضطربة، بما في ذلك مشاكلها الزوجية المُنطلقة من حقيقة أنها "كانت تقضي معظم أوقاتها ليلًا مع أفراد (لا يعرفهم زوجها) كانت قد تعرّفت إليهم في حانات مختلفة". وبحسب الوثائق، تبيّن أن هؤلاء الأفراد "إناث دخلت معهّن في علاقات مثلية خارج إطار الزواج".
في تقرير للشرطة، زعم شقيقها أنه شاهد فيليب تمارس الجنس مع صديقته. وزعم تقرير آخر للشرطة أنه وفي صباح يوم 10 سبتمبر، نشبت مشاجرة ساخنة بين ليبرمان وفيليب على خلفية "تناولها الكحول والمخدرات وممارسة الشذوذ الجنسي".
وبالفعل لم يتم قبول فيليب في وظيفة بالمركز الطبي في سان فينسينت، بعد أن رفضت لقاء استشاري في مجال الإدمان، الأمر الذي كان شرطًا لتوظفها، بحسب الموقع.
من جهته، ينفي ليبرمان بشدة كل هذه الادعاءات، متشبثًا بالرواية البطولية التي سردها لزوجته. وحذف مكتب الفحص الطبي في نيويورك اسم فيليب من القائمة الرسمية لضحايا 11 سبتمبر في 2004.
وقال في بيان-وقتذاك: "اختفت هذه السيدة قبل الهجمات بيوم. وما من دليل بحوزة أسرتها يثبت أنها كانت على قيد الحياة يوم 11 سبتمبر".
كان لذلك الحكم وقع الصدمة في نفس ليبرمان، ولم يكن قادرًا على تقبّله. حاول وعائلة فيليب، لسنوات، نقض هذا الحكم. في نوفمبر 2005، رفض قاضٍ طلبه لتسجيل وفاتها رسميًا في 11 سبتمبر 2001، بدلَا من الحكم بأنها توفيت يوم 10 سبتمبر 2004. بموجب قانون نيويورك، يُسجّل وفاتها رسميًا "بعد 3 سنوات على غيابها غير المُبرّر".
رغم النكسات المتلاحقة، واصلت عائلة فيليب الدفاع عنها والقتال من أجلها ودحض الاتهامات الموجّهة ضدها. في لقاء مع مجلة نيويورك في 2016، قال زوجها إن "كل هذه المزاعم عن كونها مُخنّثة سخيفة".
وأوضح أنها أنها كانت دائمًا ما تتردّد على حانات مثليين بسبب تجاربها السيئة في النوادي العادية؛ إذ كانت تتعرض للضرب. "لأننا لا نعيش بأسلوب حياة مُحافظ، لا يعني ذلك أننا نمارس شيئًا غير طبيعي"، بحسب قوله.
وتابع "أنا موسيقي. اعتدت الذهاب إلى الحانات والنوادي طيلة حياتي. هذا لا يعني أن هذه الأشياء تمثل أنشطة خطيرة".
وأضاف "كل ما أريده حقًا أنا ووالديها هو إدراج اسمها في قائمة ضحايا 11 سبتمبر. انهوا معاناة هذه العائلة الآن. تبكي والدتها طوال الوقت. هل ذلك الأمر من شأنها إيذاء أحد؟ بالطبع لا، لكن لسبب ما لن يفعلوا ذلك ".
في يناير 2008، نجح زوجها ليبرمان أخيرًا في إسقاط الحكم الصادر عام 2004، ليُدرج اسم فيليب رسميًا ضمن ضحايا هجمات 11 سبتمبر، وتسجيل أنها وافتها المنيّة بعد "تعرّضها لإصابة بالغة جراء انهيار مبنى مركز التجارة العالمي".
بعد الحكم، أُعلِنت سنيها فيليب رسميًا الضحية رقم 2751 لهجمات مركز التجارة العالمي، وأُضيف اسمها إلى النصب التذكاري للضحايا.
ومع ذلك لا يزال لغز اختفاء الطبيبة المثيرة للجدل مجهولًا إلى الآن- ما لم تعاود فيليب الظهور فجأة تمامًا كما اختفت.
فيديو قد يعجبك: