استوديو صغير في تل أبيب يوثق معاناة اللاجئين الأفارقة: الهروب بالصور
كتبت- هدى الشيمي:
عندما يتعلق الأمر بالصورة الذهنية التي يملكها الإسرائيليون عن المهاجرين الأفارقة، فأنها غالبًا ما تكون عبارة عن أشخاص متلحفين بأقمشة ذات ألوان زاهية ويجتمعون في حديقة ليفينسكي جنوب تل أبيب، أو مجموعات تقوم بمسيرات احتجاج ضد اعتقالهم وترحيلهم.
إلا أن الأمر تغير كثيرًا في استديو راحابوت، محل التصوير الذي يملكه مهاجر إريتري يُدعى أبيل أيوب في حي نفي شآنان في جنوب تل أبيب، حيث تعيش أعداد غفيرة من طالبي اللجوء الأفارقة في دولة الاحتلال، ولا يعانون هناك من الصعوبات اليومية التي يواجهها غيرهم من المهاجرين.
تقول هآرتس، إن كل يوم يذهب ثلاثة أو أربعة أشخاص إلى الاستوديو لالتقاط صور شخصية أو صور مع ذويهم وأحبائهم.
ونقلاً عن أحد اللاجئين الارتيريين فإن مواطنيه لا يذهبون إلى استديوهات التصوير في بلاده سوى 3 أو 4 مرات في العام. ويقول: "يترددون على هذه المحلات في الإجازات وأعياد الميلاد أو عندما يشترون ملابس جديدة".
وتوضح الصحيفة أن الحي الذي يقع فيه استديو أيوب يوجد فيه 3 استوديوهات تصوير أخرى، إلا أن الأفارقة يترددون على محله لما وجدوه فيه من اختلاف.
ويقول أيوب: "الناس لا يرسلون صورهم إلى عائلاتهم وهم في منازلهم أو في الشارع لأنها لا تبدو جيدة، فهم يرغبون أن يظهروا أمامهم وهم في أفضل حال، وأنا أعمل على تحقيق رغبتهم".
وأيوب، 28 عامًا، واحد من بين 42 ألف مهاجر أفريقي، أغلبهم من ارتيريا والصومال والسودان، الذين يذهبون إلى إسرائيل عبر الحدود المصرية، بعد رحلة شاقة يقومون بها عبر الصحراء.
احتفل أيوب منذ عدة أشهر بالذكرى العاشرة لدخوله دولة الاحتلال. ويقول للصحيفة إنه وصل إلى إسرائيل في 14 فبراير عام 2008، بالتزامن مع الاحتفالات بعيد الحب.
ويستعيد ما جرى وقتذاك قائلاً: "كان هناك الكثير من الألعاب النارية والأضواء في السماء، انتظرت أنا وصديقي حتى جاء إلينا الجنود وقالوا لنا (لا تخافوا استسلموا وتحركوا معنًا)، ونقلونا إلى المعسكر حيث مكثنا هناك يومين".
ويتابع: "بعد يومين قضيناها في المُعسكر نقلونا إلى بئر السبع، وفي إحدى الليالي أخبرنا الجنود أنهم ذاهبون وسيعودون ولكنهم لم يعودوا أبدًا، وتركونا بمفردنا لم يكن بحوزتنا وثائق أو أي شيء، وكانت هناك سيارات أجرة تنقل الأشخاص إلى تل أبيب مقابل 100 دولار للفرد".
استقل أيوب ومن معه سيارة الأجرة حتى أنزلوهم على البحر، حيث وجدوا متجراً صغيرًا يعمل به شخص مُسن، قدم لهم كعك وخبز كهدية، وقال لهم:"أهلا بكم في إسرائيل".
وعن الاستديو، يقول أيوب للصحيفة الإسرائيلية، إن أصدقائه ابراهيم ومولى افتتحاه وكان ملكًا لهم، أحدهما درس التصوير الفوتوغرافي وفنون الجرافيك في إرتيريا.
يقول أيوب إن عمله في الاستديو اقتصر في البداية على الاهتمام بالمسائل المادية ومحاسبة الزبائن، ومساعدتهم على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وواتساب، لاسيما وأن المحل كان به عدد كبير من الحواسب الإلكترونية، ولم تكن الهواتف المحمولة الذكية مُنتشرة ذلك الانتشار في ذلك الوقت.
وبعد عدة سنوات، غادر أصحاب الاستوديو، فذهب أحدهما إلى الولايات المتحدة بينما ذهب الآخر إلى انجلترا، فانتقلت المسؤولية إلى أيوب.
عمل أيوب في الاستوديو حوالي ستة أعوام ولم يكن يعرف أي شيء عن التصوير، حتى تعلم فن التصوير وتعديل الصور من زملائه، ولكنه استفاد أكثر من مقاطع الفيديو المنشورة على موقع اليوتيوب والتي تعلم منها المونتاج والجرافيك واستخدام الفوتوشوب.
يكتظ استوديو أيوب بالزبائن في بعض المناسبات، خاصة في اليوم الذي يسبق عيد الحب وفي يوم العيد نفسه، ويقول أيوب للصحيفة إنه حرص على تزيين المحل بالبالونات والمجسمات التي تأخذ شكل القلوب والمصابيح المُضيئة، إلا أن الأمور لم تسر كما المعتاد هذا العام، إذ تردد عدد قليل جدًا من الأفارقة على المكان.
وتعد بري واحدة من المترددين الدائمين على الاستديو، وكانت جندية في الجيش الإرتيري عندما قررت رحيل البلاد، حرصت كل عام على الذهاب إلى استوديو أيوب حتى تلتقط صورة لابنتها ذات الثلاثة أعوام، ولم تنسَ أبدًا أنها تركت في بلادها ابنتها الأخرى رفقة جدتها حتى تحميها من مشقة الرحلة.
وقالت بري للصحيفة الإسرائيلية إن زوجها السابق، والد ابنتها الكُبرى، حاول الذهاب إلى أوروبا عبر البحر في عام 2007، إلا أنه غرق، وهذا ما منعها من الاقدام على نفس الخطة.
تعمل بري عاملة نظافة في مبنى مؤلف من 27 طابقًا، وتقول للصحيفة إنها ستكون سعيدة بمغادرة إسرائيل والعمل في وظيفة أفضل لضمان حياة أفضل لنفسها ولبناتها.
وحرص ديفيد، وهو لاجئ ارتيري أيضًا، على الذهاب إلى الاستوديو حاملاً معه صورة لزوجته، وطلب من أيوب أن يضع صورته إلى جانب صورة زوجته.
تقول هآرتس إن زوجة ديفيد سافرت إلى إيطاليا رفقة ابنائهم الاثنين، بعد أن عجزوا عن المرور عبر الجدار الحدودي الذي شددت قوات الاحتلال الحراسة عليه في الفترة الماضية، منعًا لتدفق موجة جديدة من اللاجئين.
ومن المقرر أن يغادر ديفيد إلى السويد كجزء من برنامج لم شمل الأسرة هناك، وكان ينوي أخذ هذه الصورة كهدية لزوجته.
تلقى أيوب، 28 عامًا، إشعارا ترحيل من سلطة السكان والهجرة الإسرائيلية، وفي الوقت الحالي يعمل للحصول على تأشيرة إلى كندا، ما ساعده على الحفاظ على هدوئه نسبيًا، رغم التهديدات الإسرائيلية بترحيل الأفارقة الجماعي، وتخييرهم بين الذهاب إلى رواندا أو أوغندا.
ويقول إنه قضى أوقاتًا سعيدة في ذلك الاستديو، خاصة وأنه تمكن من التقاط بعض اللحظات السعيدة في حياة المهاجرين واللاجئين الأفارقة، رغم المعاناة التي يواجهونها في إسرائيل، ورغم المصير المجهول الذي ينتظرهم.
فيديو قد يعجبك: