"محاكمات دواعش العراق".. 30 دقيقة كافية للإعدام
كتب - هشام عبد الخالق:
"محاكمة استمرت لمدة نصف ساعة فقط، صرخ فيها المدعى عليه ذو الشعر الأسود المائل إلى البياض قائلًا: "بريء"، وذلك بعد أن قرأ القاضي التهم الموجهة ضده وهي الانتماء لتنظيم داعش، والعمل لصالحهم في محطة للمياه".
المتهم عبد الله الجبوري، قال إنه عمل لصالح شركات المياه في محافظة نينوى العراقية لأكثر من 20 عامًا، وبقي في منصبه بعدما استولى داعش على المدينة عام 2014، منكرًا أنه أعلن ولائه للتنظيم الإرهابي، وذلك في إحدى جلسات محاربة الإرهاب بإحدى محاكم العراق هذا الأسبوع، حسب وكالة أسوشيتدبرس الأمريكية.
وتابع الجبوري: "استمر جميع موظفي الحكومة في تأدية أعمالهم في محطة المياه"، ليقاطعه القاضي قائلًا: "تحدث عن نفسك فقط"، ثم ذهب القاضي للحديث مع مستشاريه ليعود معلنًا الحكم: "مذنب"، ويتم الحكم عليه بقضاء 15 عامًا في السجن، ويخرج الجبوري منكس الرأس ليدخل مكانه أحد متهمي داعش الآخرين.
وطبقًا لمسؤولين عراقيين، فإن العراق بها ما يقرب من 11 ألف محتجزًا بسبب الاشتباه في انتمائهم لتنظيم داعش، ويتم محاكمتهم بشكل متسرع في محاكمات تثير التساؤلات حول العدالة في المحاكم العراقية، في الوقت الذي لا تعرف العائلات أين يتم احتجاز أحبائهم أو مصيرهم، وحضرت وكالة أسوشيتدبرس عدة جلسات محاكمات عُقدت في تلكيف شمال الموصل.
وتستمر المحاكمات - حسب ما ذكرته وكالة أسوشيتدبرس - لفترة قصيرة للغاية، في العادة 30 دقيقة، ويصدر الحكم بإدانة المتهمين، وبحسب مجموعات حقوق الإنسان، تكون الاعترافات عادة مبنية على عمليات التعذيب والتخويف والانتهاكات، كما يتم استخدام المعلومات مجهولة المصادر كأدلة أيضًا، وهذا يرفع إمكانية أن تكون المعلومات مزيفة ويستخدمها أشخاص ضد أعدائهم للإيقاع بهم، ويدافع عن المتهمين نفس المحامي والذي يكون عادة على غير علم بهم.
وقد يؤدي التعاون الضئيل أو مجرد معرفة أفراد من تنظيم داعش إلى عقوبات صارمة، حيث يتضمن قانون مكافحة الإرهاب العراقي ثلاث عقوبات فقط، السجن 15 عامًا، السجن مدى الحياة، أو الإعدام شنقًا، ويتم مراجعة جميع الأحكام من قبل محكمة العراق العليا.
وقال أحد محاميي الدفاع، محفوظ حامد إسماعيل: "النظام القضائي مبنيّ على أساس غير عادل، فمثل هذه القضايا تبدأ وتنتهي في اليوم الذي تدخل في قاعة المحاكمة".
وتعكس المحاكمات السريعة والعاجلة كيف تأثر النظام القضائي العراقي بتدفق المشتبه بهم في انتمائهم لتنظيم داعش، حيث انتقدت مجموعات حقوق الإنسان لفترة طويلة المحاكم العراقية، قائلة إنها تعاني من أجل الحفاظ على الإجراءات القانونية اللازمة، والآن يجب عليهم أن يتعاملوا مع آلاف المشتبه الذين تم القبض عليهم في عمليات تطهير قامت بها القوات العراقية بعد أن سيطرت على مدينة الموصل شمالي البلاد العام الماضي.
ويبدو أن كثيرًا من العراقيين في حاجة للثأر أو الانتقام من داعش ومؤيديهم، بعد المعاناة التي شهدوها على أيديهم، ودعا حيدر العبادي رئيس الوزراء إلى تطبيق عقوبات الإعدام وتسريعها، ومنذ 2013، تم إعدام ما يقرب 3000 شخص بتهمة الإرهاب، ومنذ 2014 تم إعدام 250 شخصًا، وأعلنت الحكومة العراقية في 16 أبريل الماضي أنها أعدمت 11 إرهابيًا من ميليشيات داعش.
ويبدو أن ما تفعله الحكومة العراقية من حالات إعدام كثيرة وأحكام طويلة بالحبس، تهدف إلى تنفير المواطنين عن الأقلية السُنية في العراق، حيث كان السُنة هم الفئة الأكثر انتشارًا تحت حكم تنظيم داعش، سواء كانوا من الأشخاص الذين تم تجنيدهم أم من الضحايا التي سيطرت عليهم.
وفي الحقيقة - كما تذكر الوكالة - كان العديد من أهالي العراق يدعمون التنظيم، بل وانضموا إلى مقاتليهم، وبعضهم تقلد مناصب عُليا في الحكومة التي شكلها، ولكن يوجد عشرات الآلاف من الأشخاص الذي اُضطروا للعمل معهم، حيث لم يكن أمامهم من سبيل آخر، حيث تم إجبارهم على العمل والتعاون مع التنظيم الإرهابي، أو كانوا يعملون في وظائف الحكومة والتي سقطت بيد التنظيم.
وتقول الوكالة: "خلال الزيارة التي قمنا بها إلى محكمة نينوى الجنائية في تلكيف، شاهدنا عشرات الضباط الذين يحملون ملفات كثيرة، فين حين اصطفت مجموعة من الرجال بمواجهة الحائط، وأيديهم مُكبلة بالأغلال، منتظرين محاكمتهم.
وخلال العام الماضي، أصدرت المحكمة أكثر من 815 حكمًا بتهم الإرهاب، كما ذكر المتحدث باسم المحكمة عبد الستار بايرقدار، وتم تبرئة 112 شخصًا منهم، وإعدام 201، والحكم على 150 شخصًا بالسجن مدى الحياة، والحكم بـ 15 عامًا على 341 شخصًا آخرين، ويضيف بايرقدار أنه تم إخلاء سبيل 1715 شخصًا بدون محاكمة، وصدر حكم الإعدام الأخير يوم 19 أبريل الماضي عنما أُدين رجل بالعمل كقاضي لصالح التنظيم الإرهابي.
إحدى المحاكمات التي شهدتها الوكالة، كانت لشخص يدعى سالم أحمد، والذي وقف في قفص الاتهام مكبلًا بالأغلال ويرتجف من شدة الخوف، وقرأ القاضي ثلاث وثائق، كانت إحداها تقول: "قال المخبر السري رقم 130 إن المتهم أظهر تعاطفًا ورغبة في الانضمام لتنظيم داعش، وأنه رأى المتهم يهجم على أشخاص ببندقية، وأنه كان يعمل بأحد أقسام شرطة مرور داعش"، وقرأ القاضي أيضًا تقريرًا من المخابرات الكردية يقول إن سالم اعترف بالانضمام لداعش، وكذلك أحد تقارير المخابرات العراقية الذي ذكر أن سالم أعلن ولاءه للتنظيم.
بعد ذلك، قال المتهم سالم أحمد: "أقسم بالله ثلاث مرات أنني بريء، أنا أب ولديّ بنات ولم أعلن ولائي للتنظيم أبدًا، وكنت أعمل في البناء خلال فترة حكم داعش"، وأعلن أنه تم إرغامه على توقيع الاعتراف دون أن يعرف فحواه، حيث تم تعصيب عينيه وكان تحت التهديد وأجبره شخص ما على أن يبصم على ما قاله، وشكك في ما قاله المخبر أيضًا قائلًا: "بإمكان أي شخص يكرهني أن يكتب مثل هذا التقرير".
وبعد ذلك، أصدر القاضي حكمه بالسجن 15 عامًا، منوهًا أنها أخف عقوبة، قائلًا: "عمل المتهم في نقطة مرور تابعة لداعش، ولم يقاتل من أجل التنظيم"، ولم تستمر المحاكمة سوى 20 دقيقة فقط.
محاكمة الجبوري، العامل بمحطة المياه، كانت مشابهة، حيث قرأ القاضي مذكرات الاستخبارات، والتي نصت على اعتراف المتهم به، وكذلك شهادة عمدة القرية التي عمل بها الجبوري، والتي قال فيها: "إن أعضاء عائلة الجبوري كان يُعرف عنهم أنهم أعضاء في التنظيم الإرهابي، وعمل الجبوري في محطة المياه تحت سُلطة داعش، ولكنني لم أرَ الجبوري يحمل سلاحًا أو يرتدي زي تنظيم داعش".
العديد من العائلات العراقية لا تعرف بعد مصير أحبائها الذين تم القبض عليهم، ولا يخبرهم أحد بأماكن احتجاز أبنائهم ويعتمدون في ذلك على الكلمات المتناثرة هنا وهناك.
بجانب المحكمة الواقعة في تلكيف، رأى مراسلو وكالة "أسوشيتدبرس" السجن المكتظ الذي يوجد به ما يقرب من 1500 شخص بانتظار محاكمتهم، ويوجد بالسجن 5 أماكن: فناء السجن الذي يتواجد به النساء وأطفالهن، وغرفة مكتظة بالأطفال القُصر، وغرفتان مكتظتان بالرجال الذين يجلسون فيها جنبًا إلى جنب بدون أي مكان للراحة، ومكان آخر يأكل فيه المساجين والأشخاص الذين تم الحكم عليهم.
فيديو قد يعجبك: