احتجاجات الأحواز .. انتفاضة في قلب إيران من أجل الهوية العربية
كتبت – إيمان محمود:
على مدار بضعة أشهر؛ اندلعت مظاهرات عدة مناهضة لنظام "ولاية الفقيه" في إيران، كانت أضخمهم وآخرهم تظاهرات العرب في مدن الأحواز الإيرانية، أشعلتها إهانة تلفزيون الملالي للمواطنين العرب، لتطالب بالحرية ورد كرامة المواطنين العرب داخل الدولة الإيرانية.
وعلى مدار حوالي أسبوع؛ تواصلت مظاهرات عرب الأحواز ضد النظام الإيراني في كافة مدن الإقليم، وطالب المتظاهرون بحقهم في تعليم أطفالهم اللغة العربية، والعمل في المؤسسات البترولية الضخمة في مدنهم، التي تحرم السلطات عليهم العمل فيها، كما رفعوا شعارات تطالب بوقف حملات القمع الأمني والتعذيب للمعتقلين الذين يعدون بالمئات في سجون نظام ولاية الفقيه.
اندلعت التظاهرات بسبب برنامج تليفزيوني خاص للأطفال تحت عنوان "كلاه قرمزي"، بثته القناة التلفزيونية الثانية الرسمية بمناسبة أعياد رأس السنة الإيرانية "النوروز"، تضمن فقرة استعراضية دعائية تتجاهل الوجود العربي بشكل كامل في منطقة الأحواز، وعرض دمية ترتدي زيا تتبع للقومية اللورية المهاجرة إلى الإقليم، بينما تم تعريف كافة الأقاليم القومية الأخرى بأزيائها المحلية.
ويتهم الأحواز الحكومة الإيرانية بتعمد ممارسة سياسات التمييز والتهميش الممنهج ضد عرب الأحواز.
وأثارت هذه السياسات حفيظة النشطاء العرب الأحوازيين وغضبهم، حيث أطلقوا حملة "أنا عربي" عبر شبكات التواصل الاجتماعي، لتندلع على إثرها التظاهرات بدءً من مبنى التليفزيون الإيراني حتى انتشرت في أنحاء مدن الإقليم.
وواجه الأمن الإيراني المتظاهرين بعنف، مستخدمًا الرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع، ودفعت الشرطة والحرس الثوري بمئات العربات العسكرية والدراجات النارية لمسلحيها إلى مناطق الاحتجاجات لترهيب المواطنين وتخويفهم، وتبع ذلك حملة اعتقالات طالت العشرات من المشاركين في التظاهرات.
وقال المتظاهرون إنه ومن أجل تقليل خسائر الاعتقالات، عمدوا إلى الخروج بمظاهرات ليلية كتكتيك لتقليل خسائر الاعتقالات والقمع.
ويستغل المتظاهرون الليل لتكثيف نشاطاتهم في محاولة لإخفاء وجوههم لتحاشي المزيد من الاعتقالات، فيما برزت المشاركة الواسعة للنساء العربيات في التظاهرات والاعتصامات هتافا وغناء وتشجيعا للشباب.
من هم الأحواز
إقليم "الأحواز" العربي، يُعرف تاريخيًا باسم "عربستان"، قبل أن تضمه سلطات الانتداب البريطاني إلى إيران عام 1925، لتبدأ معاناة عرب الإقليم في التهميش والقمع العرقي والطائفي التي يمارسها النظام الإيراني ضدهم.
وحتى الآن يعتزّ أهالي الإقليم بهويتهم العربية، مُتمسكين باللغة العربية كلغة رسمية للإقليم، ومحاولة التصدي لتغيير أسماء مدنهم إلى أسماء فارسية أطلقتها السلطات الإيرانية.
وسلطت الانتفاضة الأحوازية المُندلعة في الوقت الراهن الضوء على المساعي الإيرانية الرامية إلى تطويع إقليم "الأحواز" العربي، لما يشكله هذا الإقليم من أهمية سياسية واقتصادية، إذ يشكّل النفط الأحوازي ما نسبته 87 في المائة من إجمالي النفط الإيراني المُصدّر، كما يشكل الغاز الطبيعي في الإقليم 100 في المائة من الغاز الذي تملكه إيران.
كذلك يقع أكثر من نصف الساحل الإيراني على الخليج العربي في محافظة الأحواز، مما يمنحها امتيازات اقتصادية وتجارية كبيرة، لتعتبر "الأحواز العربية" عاصمة ذخائر النفط الإيرانية.
تغيير ديموجرافي
في عام 2005 تسرّبت وثيقة صادرة من مكتب رئاسة الجمهورية الإيرانية في فترة حكم محمد خاتمي، موجهة إلى منظمة التنمية والتخطيط ووزارتي الاستخبارات والزراعة، مفادها تهجير ثلثي العرب من المنطقة واستبدالهم بغير العرب من الفرس وأتراك الأذربيجانيين بفترة عشرة سنوات وتغير ما تبقى من أسماء المدن والأحياء والقرى من العربية إلى الفارسية.
الوثيقة التي عُرفت بـ"وثيقة أبطحي" في الشارع السياسي الأحوازي، تسببت في اندلاع انتفاضة كبيرة ضد السلطات الإيرانية، التي فشلت في تنفيذ خطتها بتهجير العرب الأحواز وتوطين هويات أخرى.
لكن السلطات الإيرانية عمدت خلال السنوات الماضية إلى اتباع أسلوب جديد، من خلال مشروعات تغيير مجرى مياه الأنهار الأحوازية إلى الوسط الفارسي، وهو ما قام به الرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني والحرس الثوري الإيراني بعد انتهاء الحرب الإيرانية العراقية، والذي أدى إلى جفاف الأراضي في الأحواز.
مشروعات التغيير الديموجرافي الفارسية لم تكن وليدة اليوم، بل بدأ في عهد الدولة القومية الفارسية البهلوية الأولى، ولم يتوقف في عهد الجمهورية الإسلامية الشيعية، التي استحدثت أساليب جديدة للنجاح في خطتها لطمس الهوية العربية في إيران.
فيديو قد يعجبك: