منعطف جديد في العلاقات التركية الأمريكية
(بي بي سي):
في أحد الملاعب خافتة الإضاءة بمدينة اسطنبول التركية، يتنافس رياضون أتراك وأمريكيون مع بعضهم البعض.
وعندما يسارع أحد اللاعبين بقوة نحو الأمام، يتدخل لاعب الفريق المنافس لمنعه من التقدم، وقد أذهل الأتراك الأمريكيين بمستواهم القوي.
وبينما كان فريق "كوش رامز" لكرة القدم الأمريكية يستمتع بتدريباته الأسبوعية، كان منافسه التركي ودودا - على عكس العلاقات بين البلدين.
وتواجه العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة أزمة عنيفة.
وبدءا من سوريا ومرورا بحقوق الإنسان والسياسة الخارجية، ووصولا إلى محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا عام 2016، يبدو أن النزاعات بين البلدين لا نهاية لها.
ووصل الأمر إلى أن كلا البلدين قد علقا منح التأشيرات لبعضهما البعض العام الماضي، في تدهور جديد في العلاقات الثنائية.
يقول جون بوكير، المدير الفني الأمريكي لنادي كوش رامز: "بالنسبة لي شخصيا، فإن الأمر يجعلني أشعر ببعض القلق".
ويضيف: "زعيما البلدين يتأثر مزاجهما سريعا، كما يتضح من موضوع تعليق منح التأشيرات، لذلك عندما يكون لديك شخصين بهذا الشكل لا يمكنك التنبؤ بما سيحدث غدا أو في اليوم التالي."
وخلال الشهر الماضي، اقتربت العلاقات من نقطة الانهيار.
وفي هجوم جديد، تقصف تركيا المقاتلين الأكراد في سوريا والذين تُسلحهم الولايات المتحدة.
وترى أنقرة أنهم إرهابيون مرتبطون بمسلحين أكراد محظورين يشنون تمردا دمويا داخل تركيا منذ الثمانينيات من القرن الماضي.
وبالنسبة لواشنطن، فإنهم شركاء على الأرض ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
ويتنامى خطر اندلاع مواجهة عسكرية مباشرة بين أكبر جيشين في حلف شمال الأطلنطي (الناتو).
يقول فولكان بوزكير، برلماني بحزب العدالة والتنمية الحاكم ورئيس لجنة الشؤون الخارجية: "ليس لدينا مشكلة مع الولايات المتحدة."
ويضيف: "لقد عانينا سويا، وقاتلنا سويا، ونسعى من أجل السلام والاستقرار معا".
ويتابع: "لكن لو فقدنا 30 ألف شخص بسبب منظمة إرهابية ونظرنا للولايات المتحدة لنجدها تقدم لها الذخيرة والخبرات والجنود الأمريكيين لتدريب أفرادها، فهذه هي النقطة التي يجب أن نبدأ بها ونعمل بعد ذلك على إعادة الثقة المفقودة بين البلدين."
لكن انعدام الثقة يتعمق بسبب رجل دين تركي تتهمه أنقرة بأنه المخطط لمحاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا عام 2016، والذي يعيش الآن في الولايات المتحدة.
وتقول الحكومة التركية إن فتح الله غولن، الذي كان حليفا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أن يتحول لألد أعدائه، يقود جماعة دينية تسلل أتباعها إلى كل جهاز من أجهزة الدولة التركية.
وطالبت تركيا الولايات المتحدة بتسليمه، حيث يعيش في منفاه الاختياري منذ عام 1999.
وتقول واشنطن إن القضاء هو الذي سيقول كلمته في هذا الأمر - لكن يبدو من غير المرجح أن الأدلة المزعومة المقدمة من تركيا قد أثبتت تواطؤ غولن في الانقلاب بشكل مباشر.
وفي خضم هذا النزاع وغضب تركيا مما تعتبره عدم تضامن من جانب الولايات المتحدة بعد محاولة الانقلاب، اعتقل بعض الموظفين المحليين في البعثات الدبلوماسية الأمريكية في تركيا، بناء على أدلة لا أساس لها من الصحة، تقول إنهم تورطوا في الانقلاب.
وقد أدى ذلك إلى غضب الولايات المتحدة، التي علقت منح التأشيرات للمواطنين الأتراك. وردت تركيا باتخاذ نفس الإجراء.
وما زال قس أمريكى محتجزا في تركيا، في اتهامات مشابهة ومشكوك في صحتها، فى ما يبدو وكأنه محاولة تركية في إطار ما يمكن أن يُطلق عليه اسم "دبلوماسية الرهائن".
ثم كان هناك شجار عنيف شارك فيه الفريق الأمني للرئيس أردوغان أثناء زيارته لواشنطن، في انعكاس واضح لميوله القمعية.
وبعد ذلك، جاء رد الفعل الغاضب من جانب تركيا على إعلان الرئيس دونالد ترامب عن القدس كعاصمة لإسرائيل.
ثم ظهرت تقارير تشير إلى أن الولايات المتحدة ستشكل قوة حدودية جديدة في سوريا تتألف في الأساس من مقاتلين أكراد، مما يضر بأنقرة - والقائمة تطول.
خطاب مناهض للولايات المتحدة
وتستخدم وسائل الإعلام الموالية للحكومة خطابا مناهضا للولايات المتحدة باستمرار، وأشارت إحدى الصحف في افتتاحيتها في الآونة الأخيرة إلى أن الولايات المتحدة هي العدو الجديد لتركيا، وأنه يجب على الشعب محاصرة القاعدة العسكرية الأمريكية هنا.
وقد أظهر استطلاع للرأى أن ثلثى الأتراك يعتبرون الولايات المتحدة هي أكبر تهديد لهم.
وقال أونال سيفيكوز، السفير التركي السابق في لندن: "قد تكون العلاقة الآن هي الأسوأ منذ عام 1974 - منذ الأزمة القبرصية".
وأضاف: "الأمر مهم لأن تركيا في منطقة مجاورة نواجه فيها الكثير من المشاكل التي سيكون لها تداعيات على أوروبا. ويشعر الأعضاء الجدد في الناتو والاتحاد الأوروبي بالقلق إزاء التقدم الروسي في أوكرانيا والقرم. ويحتاج حلف الناتو إلى التضامن - وهذا يعتمد على وجود علاقات جيدة بين تركيا والولايات المتحدة".
وقد أدى هذا التوتر في العلاقات إلى شعور الطالبين التركيين، أردا هورباس وإديل كاكمور، بالقلق وهما يستعدان للالتحاق بالجامعة في الولايات المتحدة.
وبينما كانا يحتسيان الشاي الساخن في أحد مقاهي مدينة اسطنبول التركية، تحدث هورباس وكاكمور عن الوضع الحالي وشعورهما بأنهما في صراع أكبر من ذلك.
يقول أردا فيما يتعلق بوقف إصدار التأشيرات: "أشعر بقلق بالغ إزاء عائلتي. إذا ازداد الوضع سوءا مع الولايات المتحدة، فإنهم لن يتمكنوا من المجيء لزيارتي".
وتقول إديل: "عندما تذهب إلى الجزء الشرقي من تركيا وتقول إنك ستدرس في الولايات المتحدة، فإنهم لن يحبوا ذلك وسيعتقدون بأنك تخون بلدك. هذا يقلقني أكثر من العلاقة الفعلية بين تركيا والولايات المتحدة، إذ أصبحت القضية الأمريكية طريقة أخرى لاستقطاب الناس هنا".
وكان انضمام تركيا لحلف الناتو عام 1952 قد جذبها إلى الغرب. وبدأت أنقرة قبل ثلاثة عشر عاما المفاوضات للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
لكن في ظل تدهور علاقات تركيا بكل من الناتو والاتحاد الأوروبي، بدأت أنقرة تعيد تنظيم نفسها باتجاه روسيا وبعض جيرانها في منطقة الشرق الأوسط، الذين لا ينتقدون حالة الديمقراطية المتراجعة هنا.
وهذا أمر خطير، لأنه من حيث التجارة والأمن والقوة العسكرية، فإن تركيا دولة مهمة جدا للغرب ولا يجب أن يخسرها.
فيديو قد يعجبك: