واشنطن بوست تتحدث عن "الحرب الأمريكية المخفية" في سوريا
كتبت- إيمان محمود وهدى الشيمي:
ذات يوم كانت "الرقة"، المدينة التي تحولت إلى أنقاض، عاصمة لما تسمى "الخلافة" التي أعلنها تنظيم داعش في يونيو 2014، ومركز جذب لكثير من المقاتلين الأجانب الذين انضووا تحت راية التنظيم الذي كان يحتل مساحات شاسعة من العراق وسوريا.
لكن الآن، باتت المدينة السورية على رأس قائمة أولويات الحرب التي تخوضها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بحسب صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.
ذكرت واشنطن بوست، في تقرير نُشر على موقعها الإلكتروني، أن الدور الأمريكي في الرقة في بادئ الأمر كان صغيرًا، إذ أرسلت بضعة آلاف من الجنود لأول مرة إلى سوريا، منذ 3 سنوات، لمساعدة الأكراد السوريين في التخلص من تنظيم داعش.
تغيير الخطة
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أشار، في مارس الماضي، إلى أن القوات ستعود إلى الوطن بمجرد فوز المعركة، وأن الحملة العكسرية الأخيرة لطرد مقاتلي التنظيم من جيبه الأخير في سوريا قد بدأت بالفعل.
ومع ذلك، أعلنت الإدارة الأمريكية في سبتمبر الماضي أن القوات ستبقى في سوريا، حتى يتم التوصل إلى تسوية شاملة لإنهاء الحرب في سوريا، والتوصل إلى استراتيجية تتصدي للتدخل الإيراني في سوريا، وتوقف النفوذ المتزايد للجمهورية الإسلامية في البلاد المتاخمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
أضافت الصحيفة أن هذا القرار يضع القوات الأمريكي في مهمةإلى أجل غير مُسمى، في منطقة تبلغ مساحتها نحو ثلث سوريا، كما أنها بقعة شاسعة أغلبها صحراء قد تكون في حجم ولاية لويزيانا.
حتى هذه اللحظة، لم تكشف وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) عدد الجنود المتواجدين في سوريا، ولكن التقارير الرسمية أشارت إلى أن عددهم قد يصل إلى 503، ولكن في مطلع هذا العام رجحت تقارير أن يكون عددهم قرابة 4000 جندي، بينهم قوات خاصة.
قالت واشنطن بوست إن هذه المهمة الجديدة تُثير الكثير من التساؤلات عن الدور الذي من المقرر أن تلعبه القوات الأمريكية، وهل سيشكل وجودها خطرًا على دور الولايات المتحدة لحل الصراع الإقليمي والتخلص من الجماعات المتمردة.
نقلت إلهام أحمد، رئيسة الهيئة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية "مسد"، قولها إن عدم وجود قوات أمريكية سيؤدي إلى اندلاع حرب جديدة... "عليهم البقاء هنا، فإذا غادر الأمريكان لن يكون هناك حل للأزمة السورية، سيتحول الأمر إلى كارثة".
مخاطر البقاء
ولكن البقاء أيضًا قد يكون له مخاطر، حسب واشنطن بوست التي أضافت أن هناك العديد من التحديات التي تواجه القوات الأمريكية بالفعل، مُشيرة إلى تهديد تركيا بغزو المنطقة الشهر الماضي والذي دفع الولايات المتحدة إلى نشر قواتها على طول الحدود التركية-السورية.
كذلك ترفض تركيا وجود أي تعاون بين الولايات المتحدة ووحدات حماية الشعب الكردية والتي تعتبرها أحد أذرع قوات حزب العمال الكردستاني، المُصنف على قوائم الإرهاب في أنقرة.
في الوقت نفسه، تتواجد القوات الحكومية السورية والجماعات المسلحة التابعة لها في جنوب وغرب البلاد، وفي إطار سعي الأسد إلى فرض سيطرته على البلاد بأكملها، تمكن من كسب ولاء بعض القبائل المحلية بمساعدة إيرانية.
ويأمل الأكراد أن يساعدهم التواجد الأمريكي في سوريا على إجراء مفاوضات والتوصل إلى تسوية نهائية تُنهي الحرب، وتحقق لهم حلمهم بتأسيس دولة مستقلة، بحسب واشنطن بوست.
لكن حتى الآن، لا تلوح في الأفق أية تسويات، ومن الممكن ألا يكون واحدة من الأساس، لاسيما مع قدرة الأسد على التخلص من الجماعات المسلحة في كل مكان في سوريا، ولا يوجد ما يشير إلى أنه قد يتراجع أو يتعرض لهزيمة.
خطة الأكراد
بعد أن قال ترامب إنه سيسحب القوات الأمريكية من سوريا، بدأ الكثيرون يخططون على هذا الاحتمال، بما فيهم الأكراد الذين بدأوا يتفاوضون مع دمشق للتوصل إلى تسوية ثنائية مباشرة مع الرئيس السوري، لكنها لم تُسفر عن أي شيء.
بعد أن تراجع الرئيس الأمريكي، يحاول الأكراد الاحتفاظ بقنوات اتصال في حالة غيّر ترامب رأيه مرة أخرى.
قال أمجد عثمان، القيادي في قوات سوريا الديمقراطية: "كل شيء معقد للغاية ولا أحد يعرف في أي طريق يسير .. نحن لا نعرف من ضد من ومن مع من"، بحسب ما نقلته واشنطن بوست.
قالت الصحيفة إن جميع التحديات والتعقيدات في شمال شرق سوريا تتركز في مدينة منبج الاستراتيجية، الواقعة بجانب نهر الفرات، وهي مدينة صغيرة حررها الأكراد من تنظيم داعش الإرهابي، منذ أكثر من ثلاث سنوات.
أما شمال سوريا، فتسيطر عليه القوات التركية وحلفائها من الجيش السوري الحر، والجنوب في قبضة الرئيس السوري وحليفيه؛ إيران وروسيا.
وفي الوسط هم الأمريكيون، أحد الأماكن القليلة التي يتواجد فيها الجيش الأمريكي، حيث توجد ثلاث قواعد أمريكية صغيرة في منبج وحولها، لإبعاد القوات التركية عن مجلس منبج العسكري الكردستاني، بحسب ما نقلته الصحيفة عن مسؤولين في المجلس.
تزايد التوترات
قالت الصحيفة إنه رغم أن الدبلوماسية عملت على إخماد التوترات، وبدأت القوات العسكرية الأمريكية والتركية في الآونة الأخيرة في القيام بدوريات مشتركة على طول الخط الأمامي، لكن هناك هجمات تحدث بتواتر متزايد خلف الخطوط الأمامية.
ويعتقد محمد مصطفى علي "أبو عادل"، رئيس مجلس منبج العسكري، أن الجماعات المرتبطة بالحكومة السورية وإيران وراء بعض الهجمات، قائلاً: "نحن محاطون بالأعداء، وكلهم يريدون المجيء إلى هنا".
الدمار في كل مكان
ونقلت الصحيفة الأمريكية عن مسؤولون أكراد، قولهم إن الإحباط يتزايد بداخلهم بسبب النقص الحاد في التمويل لإعادة الإعمار، مما يعوق الجهود الرامية إلى كسب القلوب والعقول في المناطق العربية غير الكردية.
في وقت سابق من هذا العام، خفض ترامب مبلغ 200 مليون دولار الذي تم تخصيصه لإجراء إصلاحات أساسية في أسوأ المناطق المتضررة، على الرغم من استبدال هذا المبلغ بتبرعات من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إلا أنه في النهاية يُعد "جزء بسيط من مليارات الدولارات المطلوبة لإعادة الإعمار".
وفي الرقة؛ أكبر مدينة في الجزء الذي تتمركز فيه القوات الأمريكية في سوريا، يعم حالة من الإحباط الشديد، بعد أن دُمّرت بسبب الغارات الجوية التي قادتها الولايات المتحدة والتي رافقت هجوم قوات سوريا الديمقراطية لمدة أربعة أشهر لطرد تنظيم داعش، وبعد مرور عام لا تزال المدينة في حالة خراب.
تعود بوادر الحياة؛ مع افتتاح المتاجر والأسواق في بعض الأحياء، وأيضًا عودة حوالي نصف السكان، الذين سكنوا في المباني الأقل تضررًا، وكانوا يعيشون أحيانا بدون جدران ونوافذ.
كما تم تطهير معظم الطرق من أكوام الردم التي تركها القصف، لكن الكُتل على الأرض محطمة وغير صالحة للسكن، بحسب الصحيفة.
أما المياه فلم يتم استعادتها إلى المدينة المُحطمة إلا في سبتمبر الماضي، وحتى الآن؛ لا توجد كهرباء.
وبدون المزيد من الدعم المالي، هناك خطر يتمثل في أن "تنقلب الرقة إلى نفس الضعف الذي وجدته داعش عند وصولها لأول مرة، إذ كانت "مدينة ممزقة مهيأة للاستيلاء والاستغلال المتطرفين"، حسبما جاء في تقرير صادر عن المفتش العام في البنتاجون الشهر الماضي.
وأكدت الصحيفة أن الغضب بادي في شوارع المدينة، فبعض السكان يعادون الزوار الأجانب بشكل علني، وهو أمر نادر في المدن والبلدات الأخرى المحررة من سيطرة داعش في سوريا والعراق، حتى أولئك الذين يؤيدون وجود الجيش الأمريكي وقوات الدفاع الذاتي يقولون إنهم مستاؤون من أن الولايات المتحدة وشركائها في التحالف الذي قصف المدينة، لا يساهمون في إعادة الإعمار.
وفي سياق آخر؛ أشارت الصحيفة إلى أن عددا كبيرا من السوريين لا يدعمون "حكامهم الجُدد"، إذ قال مواطن يعمل خياطًا رفض ذكر اسمع خوفًا من عواقب حديثه: "نحن لا نريد الأمريكيين .. إنه احتلال لا أعرف لماذا كان عليهم استخدام مثل هذا العدد الضخم من الأسلحة وتدمير المدينة. نعم، كان داعش هنا، لكننا دفعنا الثمن. وهم عليهم مسؤولية".
وأكدت الصحيفة أن الجميع يقولون أن الشوارع ليست آمنة، وشهدت الأشهر الأخيرة زيادة في عمليات الاغتيال والخطف، تستهدف في الأغلب أفراد قوات الأمن أو الأشخاص الذين يعملون مع المجلس المحلي.
كما لفتت الصحيفة إلى بعض الكتابات على جدران المدينة، إذ كانت هناك كتابات تظهر في كثير من الأحيان بين عشية وضحاها، كـ"تذكير شرير بأن داعش يحاول الظهور من جديد".
"باقية رغم أنفكم" .. كُتبت هذه العبارة باللون الأسود بطلاء لم يجف بعد، على جدار لمبنى دمره القصف، في إشارة إلى شعار تنظيم داعش "باقية وتتمدد".
فيديو قد يعجبك: