لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

جوزيف ناي يكتب: كيف تخطط الصين وروسيا لغزو العالم بالقوة الصلبة؟

05:51 م الإثنين 29 يناير 2018

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

ترجمة- سامي مجدي:

تتصارع واشنطن حاليا مع مصطلح جديد يصف تهديدًا قديمًا. "القوة الصلبة"، كما سكها كريستوفر وواكر وجيسكا لودفيغ من الصندوق الوطني للديموقراطية (في تقرير طويل لمجلة الشؤون الخارجية)، لتوصيف حرب المعلومات التي تشنها قوى اليوم السلطوية خاصة الصين وروسيا.

وفي مقال نشرته مجلة "الشؤون الخارجية"، قال العالم الأمريكى جوزيف ناى وهو من أطلق مفهوم القوة الناعمة في عام 1990: "خلال العقد الماضي، أنفقت بكين وموسكو عشرات المليارات من الدولارات لتشكيل تصورات وسلوك الرأي العام حول العالم، عبر أدوات جديدة وقديمة، مستغلة عدم تناسق الانفتاح بين نظمها التقييدية والمجتمعات الديمقراطية. لكن في الولايات المتحدة، تركزت المخاوف على التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية في 2016، وعلى الجهود الصينية للسيطرة على مناقشات في موضوعات حساسة في المطبوعات والأفلام وصفوف الدرس الأمريكية.

في تقريرهما الخاص بالصندوق الوطني للديموقراطية، رأى "وواكر" و"لودفيغ" أن التوسع وتنقيح القوة الصلبة الصينية والروسية يجب أن يدفع صناع السياسة في الولايات المتحدة والديموقراطيات الأخرى إلى إعادة التفكير في الأدوات التي يستخدمونها للرد. فهذه الأدوات تناقض القوة الصلبة، التي "تثقب أو تخترق أو تخرم البيئات السياسية والمعلوماتية في بلدان مستهدفة" بـ"القوة الناعمة" التي تسخر جاذبية الثقافة والقيم لتعزيز قوة بلد ما.

ويجادلان بأن الديمقراطيات لا يجب فقط أن "تلقح أنفسها ضد النفوذ الاستبدادي الخبيث" بل أيضا "اتخاذ موقف أكثر حزما بكثير نيابة عن مبادئهم الخاصة."

اليوم، التهديد الذي تفرضه حرب المعلومات الصينية والروسية حقيقي. بيد أنه في مواجهة هذا التهديد، ينبغي على الحكومات والمجتمعات الديمقراطية تجنب أي إغراء لتقليد أساليب خصومهم. وهذا يعني عدم الثورة بصورة مبالغة على القوة الصلبة بسبل تقوض من ميزتهم الحقيقية. فحتى اليوم، تأتي هذه الميزة من القوة الناعمة.

قوة البقاء من القوة الناعمة

في السياسات الدولية، القوة الناعمة (وهو مصطلح استخدم للمرة الأولى في كتاب صدر في 1990) هي القدرة على التأثير في الآخرين عن طريق الجذب والإقناع أكثر من (التأثير) عبر القوة الصلبة عبر الإكراه ودفع الأموال. ونادرًا ما تكون القوة الناعمة كافية بحد ذاتها. لكنها عندما تكون مرفقة بالقوة الصلبة، تكون قوة مضاعفة. هذا المزج كان محوريا على نحو خاص للقيادة الأمريكية (اعتمدت الإمبراطورية الرومانية على قوة الجيوش الرومانية وجذب الحاضرة الرومانية). تعتمد القوة على أي جيش يفوز، لكنها تعتمد أيضا على أي قصة تفوز. فسرد قوي يعد مصدر قوة. القوة الناعمة في حد ذاتها ليست جيدة أو سيئة. تشويه العقول ليس بالضرورة أفضل من تشويه الأذرع. فأسامة بن لادن لم يهدد أو يدفع أموال للرجال الذين قادوا الطائرات ودخلوا بها في مركز التجارة العالمي – فقد جذبهم بأفكاره. لكنه رغم أن القوة الناعمة يمكن استخدامها لنهايات شريرة، إلا أن وسائلها تعتمد على الطوعية، لذا هي المفضلة من وجهة نظر استقلالية البشر.

في المقابل، القوة الصلبة تقوم على اغراءات بالقوة أو الإكراه بالتهديد. إذا وضع شخص ما مسدسًا على رأسك وطلب حافظة نقودك، هنا أنت مجبر ولا يعني منحك إياها أن هذا ما تريده أو تفكر فيه. هذه هي القوة الصلبة. إذا حاول نفس الشخص إقناعك بشكل حر أن تتخلى عن حافظة نقوك، فكل شيء يعتمد على ما تريده أو تفكر فيه. وهذه هي القوة الناعمة.

القوة الناعمة، عبر الاستخدام الخادع للمعلومات لأغراض عدائية، هو نوع من القوة الصلبة. التلاعب بالأفكار والتصورات السياسية والعمليات الانتخابية لها تاريخ طويل. فالولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي لجئا إلى مثل هذه السبل خلال الحرب الباردة. ولطالما حاولت الحكومات السلطوية استخدام الأخبار المزيفة والاضطراب الاجتماعي لتقليل جاذبية الديمقراطية.

في ثمانينيات القرن الماضي، أطلق جهاز الاستخبارات السوفيتي (كي جي بي) شائعة أن الإيدز كان نتاج تجارب الحكومة الأمريكية للأسلحة الكيماوية؛ بدأت هذه الشائعة بخطاب مجهول إلى صحيفة صغيرة في نيودلهي ثم حصلت حملة دعاية عالمية عبر إعادة انتاج وتكرار الأمر على نطاق واسع.

في 2016، استخدمت نسخة محدثة من نفس الأسلوب لخلق "بيتزا غيت"، وهي شائعة مزيفة ادعت أن مدير حملة هيلاري كلينتون أساء معاملة الأطفال في مطعم في واشنطن.

الجديد هنا ليس النموذج الأساسي؛ الجديد هو السرعة التي يمكن أن ينتشر بها مثل هذا التضليل والكلفة المنخفضة لنشر الشائعة. فالإلكترونيات أرخص وأسرع وأكثر أمانا ويمكن إنكارها أكثر من الجواسيس.

ومع جيوشها المدفوعة من المتصيدين والروبوتات، إلى جانب وسائل إعلام مثل روسيا اليوم وسبوتنيك، تمكنت الاستخبارات الروسية بعد قرصنة البريد الإلكترونية للجنة الوطنية للحزب الديمقراطي وكبار المسؤولين في حملة كلينتون، صرف الانتباه وتعطيل دائرة الأنباء أسبوعًا وراء أسبوع.

غير أنه إذا أخلت القوة الناعمة بالعمليات الديمقراطية الغربية وشوهت نموذج البلدان الديمقراطية، فإنها لا تحقق شيئا يذكر لمرتكبيها – ففي بعض الحالات تأتي بنتائج عكسية. بالنسبة لروسيا التي تركز على لعب دور المفسد في السياسات الدولية، قد يكون ذلك كلفة مقبولة. غير أن الصين لديها أهداف أخرى تتطلب جاذبية القوة الناعمة فضلا عن إكراه القوة الصلبة من أجل الاضطراب والمراقبة. هذان الهدفان من الصعب دمجهما.

في أستراليا، على سبيل المثيل، كان القبول الشعبي للصين في تنامي، حتى تراجعت بشكل كبير بفضل الروايات المقلقة بشكل متزايد عن استخدامها أدوات القوة الصلبة بما في ذلك التدخل في السياسات الأسترالية.

في المقبل، تنفق الصين 10 مليارات دولار سنويا على أدوات القوة الناعمة الخاصة بها، بحسب دافيد شامبو من جامعة جورج واشنطن، لكن العائد كان ضئيلا على استثماراتها. فمؤشر "القوة الناعمة 30" وضع الصين في المرتبة 25 (وروسيا في المرتبة 26) من 30 دولة خضعت للتقييم.

المعضلة الديمقراطية

رغم أن القوة الصلبة والقوة الناعمة تعملان بطرق شديدة الاختلاف، فإنه من الصعوبة بمكان التمييز بينهما – وهذا جزء يجعل الرد على القوة الصلبة صعبا. جميع الرؤى تتضمن خيارات حول كيفية تأطير المعلومة. فقط عندما يتحول ذلك التأطير إلى خداع يحد من الاختيارات الطوعية لأمر ما، فإن ذلك يتعدى الحد إلى إكراه. إنها تلك الجودة، – الانفتاح والقيود على الخداع المتعمد –، التي تميز القوة الناعمة عن القوة الصلبة. وللأسف دائما ما يكون صعبًا رؤية ذلك.

في الدبلوماسية الشعبية، عندما تبث روسيا اليوم الروسية أو شينخوا الصينية بشكل مفتوح في بلدان أخرى، فإنها توظف القوة الناعمة التي يجب أن تكون مقبولة حتى إذا كانت الرسالة غير مرحب بها.

عندما تدعم إذاعة الصين الدولية بشكل سري محطات إذاعية أخرى في بلدان أخرى، فإنها تتخطى الحد إلى القوة الصلبة والذي يجب أن يتم الكشف عنه. وبدون إفشاء ملائم، تتم مخالفة مبدأ الطواعية. (هذا الفارق ينطبق على الدبلوماسية الأمريكية أيضا: خلال الحرب الباردة كان التمويل السري للأحزاب المعادية للشيوعية في الانتخابات الإيطالية في 1948. والدعم السري الذي قدمته وكالة الاستخبارات المركزية لمؤتمر الحرية الثقافية أمثلة على القوة الصلبة وليس القوة الناعمة).

وتوفر البيئة المعلوماتية اليوم تعقيدات جديدة. في الستينات، لاحظ المذيع «إدوارد آر. مورو» أن الجزء الأكثر أهمية من الاتصالات الدولية ليس التواصل الإلكتروني عبر عشرة آلاف ميل، لكن التواصل الشخصي (المباشر) عبر مسافة ثلاثة أقدام. لكن ماذا يعني ذلك في عصر التواصل الاجتماعي؟ "الأصدقاء" على بعد نقرة والأصدقاء المزيفين من السهل عليهم التزييف؛ يمكنهم عمل دعاية للأخبار المزيفة التي يوفرها المتصيدون والروبوتات المدفوعة. وبات الخط الفاصل بين القوة الناعمة والقوة الصلبة على الإنترنت مهمة ليست للحكومات والصحافة فقط بل أيضا للقطاع الخاص.

مع استجابة الديمقراطيات للقوة الصلبة، ينبغي أن تكون حريصة ألا ترد بانفعال، ولا أن تقوض قوتها الناعمة باتباع نصيحة هؤلاء الذين يدافعون عن التنافس بالقوة الصلبة على النمط الاستبدادي.

الكثير من هذه القوة الناعمة تأتي من المجتمعات المدنية – في حالة واشنطن وهوليود والجامعات والمؤسسات أكثر من جهود الدبلوماسية الشعبية الرسمية – ومن شأن إغلاق الوصول أو إنهاء الانفتاح أن يضيع هذه الأصول الحاسمة. تواجه الدول الاستبدادية مثل الصين وروسيا مشكلة في تعزيز قواها الناعمة بسبب عدم استعدادها لتحرير المواهب الكبيرة في مجتمعاتهم المدنية.

غير أن إغلاق الأدوات الشرعية للقوة الناعمة الصينية والروسية يمكن أن يكون له رد فعل عكسي. مثل أي نوع من القوة، غالبا ما تستخدم القوة الناعمة لأهداف تنافسية صفرية النتائج، لكنها أيضا يمكن أن تكون لها آثار إيجابية. على سبيل المثال، إذا أملت الصين والولايات المتحدة تجنب النزاع، فإن تبادل البرامج التي تزيد من الجاذبية الأمريكية للصين والعكس، يمكن أن يكون أمرا جيدا للبلدين.

وبالنسبة للتحديات العابرة للحدود الوطنية مثل التغير المناخي، يمكن للقوة الناعمة أن تبني الثقة وشبكات تجعل التعاون ممكنا. لكن بقدر ما سيكون من الخطأ حظر جهود القوة الناعمة الصينية لأنها في بعض الأحيان تتحول إلى قوة صلبة، من المهم مراقبة الخط الفاصل عن كثب. لنأخذ في الحسبان 500 معهد كونفوشيوس وألف صف دراسي كونفوشيوس تدعمها الصين في جامعات ومدارس حول العالم لتعليم اللغة والثقافة الصينية.

ولا يعني الدعم الحكومي أنه بالضرورة تهديد قوة صلبة. فهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) تتلقى دعما حكوميا لكنها مستقلة بما فيه الكفاية لتبقى أداة من أدوات القوة الناعمة ذات المصداقية. فقط عندما يتخطى معهد كونفوشيوس الخط ويحاول خرق الحريات الأكاديمية (كما جرى في بعض الأمثلة) ينبغي معاملة ذلك كقوة صلبة.

للرد على التهديد، ينبغي على الديمقراطيات أن تكون حريصة إزاء الأعمال الهجومية. فالحرب المعلوماتية يمكن أن تعلب دورا تكتيكيا مفيدا على ساحة القتال، كما في الحرب ضد تنظيم داعش. لكن من شأن ذلك أن يكون خطأ بالنسبة لها أن تقلد الاستبداديين وإطلاق برامج كبيرة لحرب معلوماتية خفية. هذه الأعمال لن تبقى سرية طويلا وعندما يتم الكشف عنها فإنها تقوض القوة الناعمة.

في غضون ذلك، في مجال التدابير الدفاعية هناك بعض الخطوات التي يمكن للحكومات الديمقراطية أن تتخذها لمواجهة أساليب حرب المعلومات العدائية التي تضم الهجمات الإلكترونية على العمليات السياسية والانتخابات، التي يشنها الاستبداديون. لم تطور الديمقراطيات بعد استراتيجيات مناسبة للردع والمرونة. سيكون عليها أن تكون أكثر انتباها للتأكد من أن برامج القوة الناعمة الروسية والصينية مثل معاهد كونفوشيوس لا تنزلق إلى قوة "صلبة." بيد أن الانفتاح يظل الدفاع الأفضل: ولموجهة هذه التهديد، ينبغي على الصحافة والمنظمات الأكاديمية والمدنية والحكومات والقطاع الخاص أن تركز على كشف أساليب حرب المعلومات وتطعيم الجمهور بكشفها.

لحسن الحظ، هذا هامش آخر تمتلكه الديمقراطيات عن الديكتاتوريات. صحيح أن انفتاح المجتمعات الديمقراطية يوفر فرصا للحكومات الاستبدادية لتوظيف أساليب من العصر القديم في حرب المعلومات. لكن الانفتاح أيضا مصدر رئيسي لقدرة الديمقراطيات على الجذب والإقناع. حتى مع الاستخدام المتزايد للقوة الصلبة، ليس لديها خوف يذكر من سباق مفتوح مع المجتمعات الاستبدادية حول القوة الناعمة. ومن شأن الديمقراطيات أن تبدد ميزتها الرئيسية عبر النزول إلى مستوى خصومها.

لقراءة النص الأصلي.... اضغط هنا

 

فيديو قد يعجبك: