سيطرة الإمارات على موانئ القرن الأفريقي.. طموح اقتصادي أم مشروع سياسي؟
برلين (دويتشه فيله)
تثير مساعي دولة الإمارات العربية المتحدة للسيطرة وإدارة عدد من أكبر وأهم الموانئ في القرن الإفريقي تساؤلات حول ما إذا كان الأمر مجرد طموح اقتصادي لزيادة عائدات الدولة أم أن وراء هذا الطموح مشروع سياسي خفي.
بدأت دولة الإمارات العربية المتحدة قبل عدة سنوات مشروعاً سياسياً استراتيجياً تعدى حدود الطموح الاقتصادي بكثير، وإن ظل الاقتصاد ركناً ركيناً فيه. لم يعد البترول وحده هو المحرك ولا عمود الأساس للإمارات الذي تعلم جيداً أن مخزوناتها من النفط والغاز الطبيعي لن تستمرا إلى الأبد وأنه لابد من أعمدة أخرى يستند إليها الاقتصاد الإماراتي.
اقتصاد "الموانئ"
وأدركت الإمارات قبل فترة طويلة مدى أهمية الموانئ البحرية في الاقتصاد العالمي فأقامت "موانئ دبي"، وبعد أن أصبحت رقماً صعباً في محيطها بدأت في التوسع خارج حدودها.
والناظر إلى خريطة الملاحة والموانئ في الشرق الأوسط والقرن الإفريقي سيلاحظ امتداداً جيوستراتيجياً إماراتياً توزع ما بين اليمن والقرن الإفريقي ومصر على استحياء، بعيداً عن مناطق نفوذ السعودية التي تركت لها الإمارات "قيادة" الخليج والعالم الإسلامي، لتخلق لنفسها دوراُ أشد أهمية وتأثيراً خارج محيطها الإقليمي الخليجي المليء بالنزاعات ومحاولات السيطرة.
اليمن.. إدارة الموانئ تحت غطاء "الشرعية"
تحت راية "إعادة الشرعية"، تم خلق تحالف من عدة دول يهدف إلى إعادة سيطرة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي على اليمن وإنهاء نفوذ الحوثيين المدعومين من إيران. وتوجهت أعين الإمارات إلى موانئ اليمن والمجهز بعضها لاستقبال البضائع والسفن، ويقدم خدمات الشحن والتفريغ والتخزين، بجانب موانئ أخرى مخصصة للنفط وموانئ محلية.
وكان الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح قد منح موانئ دبي في عام 2008 حق إدارة ميناء عدن، وموانئ أخرى، لمائة عام قادمة. لكن بعد الثورة اليمنية وخلع صالح، قرر مجلس إدارة مؤسسة خليج عدن إلغاء اتفاقية تأجير ميناء عدن لشركة موانئ دبي العالمية.
وكان وزير النقل اليمني قد طلب عقب توليه الوزارة من الشركة الإماراتية تعديل اتفاقية تأجير الميناء أو إلغاء الاتفاقية، التي وصفها بأنها "مجحفة بحق اليمن"، وأنها "أُبرمت في ظروف راعت المصالح السياسية أكثر من الاقتصادية".
كانت حجة إلغاء الاتفاقية منطقية: فكيف تقوم الامارات بتطوير وإدارة ميناء هو أحد أخطر منافسي موانئها إلا إن كانت ستستحوذ عليه وتبطئ من إيقاع ووتيرة العمل به ضماناً لتفوق موانيها لتعود الإمارات مجدداً لميناء عدن ولكن تحت غطاء "إعادة الشرعية".
واليوم أصبحت الإمارات تسيطر على موانئ جنوب اليمن، من المكلا شرقاً وحتى عدن غرباً، إلى الموانئ الغربية للبلاد، فيما تستمر المساعي للسيطرة على مينائي المخا والحُديدة.
جيبوتي
في عام 2005 وقع سلطان أحمد بن سلّيم، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الموانئ والجمارك والمنطقة الحرة في دبي وياسين علمي بوح وزير المالية في جمهورية جيبوتي اتفاقية تعاون وتتولى جمارك دبي، والتي كان يفترض أن تستمر 21 عاماً، تقوم خلالها الإمارات بإدارة وتطوير الأنظمة والإجراءات الإدارية والمالية لجمارك جيبوتي وتطوير العمليات الجمركية ونظام وإجراءات التفتيش.
كما كان يفترض أن توفر جمارك دبي نظاماً متطوراً لتقنية المعلومات إضافة إلى إقامة البرامج التدريبية لمختلف فئات الكادر الوظيفي في جمارك جيبوتي.
لكن شهر العسل بين الدولتين انتهى بعد أن اتهمت حكومة جيبوتي موانئ دبي في 2014 بتقديم رشىً لرئيس هيئة الميناء والمنطقة الحرة في جيبوتي آنذاك عبدالرحمن بوريه، لضمان الفوز بعقد امتياز إدارة محطة وميناء دوراليه للنفط، ما دفع بالرئيس إسماعيل عمر غيله لفسخ التعاقد من جانب واحد، لكن محكمة لندن للتحكيم الدولي رفضت في مارس 2016 اتهامات حكومة جيبوتي لموانئ دبي وألزمتها بنفقات الدعوى.
اريتريا
وقعت الإمارات اتفاقا مع اريتريا تستخدم بموجبه ميناء ومطار عصب على البحر الأحمر لمدة 30 عاما. وينص الاتفاق على أن تدفع مؤسسة الموانئ والجمارك والمنطقة الحرة في دبي مقابلا سنويا للسلطات الأريترية، إضافة إلى 30 بالمئة من دخل الموانئ بعد تشغيلها.
ومع الميناء، حصلت الإمارات على مطار يحتوي على مدرج بطول 3500 متر، يمكن لطائرات النقل الكبيرة استخدامه في الاقلاع والهبوط. وقد استغلت الإمارات والسعودية ميناء وقاعدة عصب بشكل فعال للغاية في عميلة "عملية السهم الذهبي عام 2015".
مصر
لعل الإمارات كانت الدولة الوحيدة التي لم تقطع علاقاتها مع مصر عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد، ما جعل للعلاقات المصرية-الإماراتية مكانة خاصة في أجندة الحكم المصري.
لكن الوضع تأزم بشدة مع انتخاب الرئيس الأسبق محمد مرسي وتولي جماعة الإخوان المسلمين مقاليد الحكم. وبعد الإطاحة بمرسي تعود العلاقات أقوى مما كانت عليه وتصبح الإمارات أحد أهم الحلفاء الاستراتيجيين للنظام المصري الجديد.
وفي عام 2011، قال الدكتور ممدوح حمزة استشاري مشروع ميناء العين السخنة في مؤتمر صحفي إن "هناك فساد في مشروع العين السخنة حيث تم تخصيص أراض مصرية لشركات أجنبية بالمخالفة للقانون" معلناً إطلاق "حملة لاسترداد ميناء العين السخنة من شركة موانئ دبي" داعياً إلى "ملاحقة شركة موانئ دبي قانونياً" بسبب الخسائر التي سببتها لمصر.
بربرة ..ميناء في دولة لا يعترف بها احد!
في مايو من عام 2017، تسلمت موانئ دبي العالمية إدارة ميناء "بربرة" في جمهورية أرض الصومال، إيذاناً ببدء تطبيق عقد امتياز إدارة وتطوير الميناء، في حفل أقيم بحضور رئيس "جمهورية" أرض الصومال، وسلطان أحمد بن سليّم رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمجموعة موانئ دبي العالمية.
وأرض الصومال هي جزء من دولة الصومال تقع في الشمال وفي عام 1991 أعلنت انفصالها عن الصومال معلنة حكماً ذاتياً من جانب واحد وتحاول إلى اليوم انتزاع اعتراف دولي بها. ويقع ميناء بربرة على ممر بحري هو الأكثر استخداماً عالمياً، ويربط بين قناة السويس والمحيط الهندي، وهو قريب من أثيوبيا التي لا تحظى بأي منفذ بحري.
الإمارات ليست في اليمن من أجل موانئها
وفي لقاء هاتفي أجرته DW عربية مع الدكتور عبد الخالق عبد الله أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإمارات قال إن الامارات تدير مجموعة كبيرة من الموانئ حول العالم من الصين في شرق الكرة الأرضية مروراَ بموانئ في أوروبا وآسيا وانتهاء بموانئ في الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية بما يقارب 70 ميناء من أهم وأكبر وأفضل الموانئ في العالم، بما في ذلك أكبر ميناء في إفريقيا وهو ميناء الجزائر وتدير كل ذلك باقتدار وفعالية وربحية هائلة، مضيفا أنها "لا تحتاج لأن تبذل أي جهد لإدارة ميناء معزول كميناء عدن خاصة في ظل الحرب الأهلية القائمة هناك والفوضى القائمة في البلاد والتي قد تستمر لعشر سنوات قادمة".
وأضاف أن الإمارات ليست في اليمن من أجل ميناء عدن وليس لديها أي احتياجات من هذا القبيل كون اليمن من أفقر الدول العربية، وأكد على أن الامارات في اليمن من أجل اسباب واضحة ومشروعة أهمها وفي مقدمتها أنها جاءت بدعوة من الحكومة الشرعية وثانياً حرصها على أمن واستقرار اليمن والذي هو من أمن واستقرار السعودية ودول الخليج وثالثاً لوقف التمدد الإيراني.
الإمارات تبقي دبي بعيداً عن منافسة جيرانها
وعن محاولات الإمارات للسيطرة على عدد من الموانئ الاستراتيجية في محيط باب المندب قال الدكتور إبراهيم محمد الخبير الاقتصادي في لقاء مع DW عربية إن هذا التوجه الإماراتي يهدف إلى إبقاء دبي بعيداً عن منافسة الجيران كمركز إقليمي وعالمي للتجارة والسفر ونقل البضائع ومن أجل ذلك تقوم بتحجيم الموانئ التي تدخل في إدارتها على مدى سنوات طويلة كي لا يؤثر ذلك على مكانة دبي كمركز أساسي للتجارة والاعمال.
الإمارات تشتري حصانة سياسية بمشروعات عملاقة
ويضيف الدكتور إبراهيم محمد أن الإمارات تريد من خلال النفوذ الاقتصادي التأثير على دول الجوار وعبر العالم أيضاً من خلال المال وكذلك بالدخول في شركات إعلام واقتصاد عالمية وأن تتمتع بحصانة سياسية تحميها من الحملات السياسية التي تطالبها بالكف عن ملاحقة المعارضين والسماح بنوع من التعددية السياسية والسماح بتأسيس احزاب ونقابات وماشابه ذلك، ومن خلال هذه المشروعات الاقتصادية تستطيع الإمارات أن تحمي نفسها وأن تتمتع بالحصانة مضيفا أنها ليست سياسة إماراتية فقط وإنما سياسة تتبعها قطر والسعودية والدول النفطية الأخرى.
فيديو قد يعجبك: