الأزمة الخليجية بين التوتر السياسى والاستقرار الاقتصادى
الدوحة - (دب ا):
حالة من التوتر والقلق تحيط بالموقف السياسي على مستوى الدول الخليجية. وحالة أخرى من القلق تصيب مواطني هذه الدول من احتمالات التصعيد على خلفية الأزمة الخليجية الماثلة وقطع دول خليجية هي السعودية والامارات العربية المتحدة والبحرين الى جانب مصر، علاقاتها الدبلوماسية مع دولة قطر وفرض حالة حصار بري وبحري وجوي عليها .
لكن هذا القلق لا تقابله حالة من الهلع والخوف على ارض الواقع بين المواطنين في قطر. واذا كان من المفترض ان يقاس حجم درجة التوتر بين الناس في ظواهر مألوفة عند الأزمات الكبرى من اقبال كبير على الشراءوتكديس السلع الاستهلاكية، فإن حجم هذا الاقبال يبدو انه عند درجاته الاعتيادية داخل المجمعات الاستهلاكية الكبرى في العاصمة القطرية الدوحة.
وحتى شوارع الدوحة التي كانت عادة مزدحمة بالسيارات في الصباح والمساء، يبدو انها قد تأثرت بقدوم موسم العطلات وانتهاء الموسم الدراسي اكثر منه تأثرا بالاجراءات المتبادلة بينها وجيرانها في السعودية والامارات والبحرين، فبدت خالية نسبيا ولاتعاني من الطوابير الطويلة الممتدة بمعظم الشوارع الرئيسية.
في هذا الجانب يلفت النظر اختفاء الكثير من تلك السيارات التي تحمل لوحات سعودية والتي يمارس اصحابها اعمالهم بشكل اعتيادي في دولة قطر مستفيدين من قرارات دول التعاون في حرية الحركة والعمل لمواطني دول مجلس التعاون، علما بأن السلطات القطرية لم تلجأ الى ابعاد مواطني الدول التي قطعت علاقاتها مع قطر من أراضيها .
الأسواق المحلية والمجمعات التجارية تشهد اقبالا عاديا ووفرة في السلع الغذائية والأساسية وهي عادة ماتكون مكتظة في الساعات التي تسبق موعد الافطار لشراء احتياجات شهر رمضان المبارك.
وزارة الاقتصاد القطرية، من ناحيتها تعيش في حالة اجتماعات لاتكاد تنقطع ، اطرافها ممثلي التجار والموردين ومسؤولي غرفة تجارة وصناعة قطر تبحث عن البدائل وتوفير السلع الغذائية والاستهلاكية و تلبية احتياجات السوق المحلي منها .
بعض المراقبين يرون ان من الصعب ادراك تأثير محسوس مرتبط بالأزمة السياسية الماثلة وتداعياتها الاقتصادية وذلك لطبيعة التركيبة السكانية في دولة قطر .
تقول آخر احصائية نشرتها وزارة التخطيط التنموي والاحصاء القطرية ان عدد سكان دولة قطر في نهاية شهر أيار / مايو الماضي قد بلغ حوالي مليونين و700 الف نسمة بنسبة زيادة قدرها 0.9 % عن نهاية شهر ابريل الماضي ، وبزيادة قدرها 4.4 % عن نهاية شهر مايو 2016، الغالبية العظمى من هذه التركيبة هم من العمال الاسيويين وبحكم مدخولهم المالي الضعيف فهم بالكاد يحسون بما يدور حولهم ويدركون تداعيات الأزمة، وهم لذلك غير عابئين أصلا بالتدافع على شراء السلع استهلاكية.
وهناك شريحة كبيرة من المقيمين العرب خاصة ربما هاجسهم الاكبر الان السفر والعودة الى اوطانهم مع بدء موسم العطلات وانتهاء العام الدراسي. ولذا تبقى شريحة معظمها من القطريين والمقيمين وهؤلاء يشكل اقبالهم على المجمعات "والمولات " جزءا من الطقوس الرمضانية المألوفة.
وزارة الاقتصاد والتجارة اعلنت عن خطة متكاملة تضمن استمرار تدفق المواد الغذائية والسلع الأساسية بشكل منتظم.
يقول الخبير الاقتصادي القطري خالد الخاطر من مصرف قطر المركزي لوكالة الأنباء الألمانية( د ب أ) ان هناك عاملا نفسيا مسيطرا نتيجة للوضع السياسي لكن قطر قد حصنت نفسها منذ تجربة عام 2014 حينما تردت العلاقات مع السعودية والامارات وقطعت السعودية الامدادات الغذائية عن الاسواق القطرية والتي تصلها عبر المعبر البري في منطقة ابوسمرة .
وقال ان قطر اصبح لديها منذ ذلك الحين علاقات تجارية متنوعة ومتقدمة مع مختلف الاسواق الخارجية منعا لتكرار تجربة عام 2014 .
ويقول الخاطر ان الوضع المالي القوي لقطر يجعلها تواجه هذه المصاعب بقدرة على الحركة وسيولة مالية كافية . ويؤكد بأن الوضع المالي والاقتصادي لقطر قوي .
ونتيجة لذلك اضطرت قطر الى توفير احتياجاتها من الاسواق في تركيا وماليزيا وتايلاند والمغرب . وقد التفتت دولة قطر منذ ذلك الوقت ببناء مخزون استراتيجي من السلع الغذائية الاساسية والذي اعلنت وزارة الاقتصاد انه يكفي البلاد لأكثر من عام كامل .
وفوق ذلك انفقت قطر الكثير من المال لتأمين امداداتها الغذائية عبر مؤسسة حصاد من عدد من الدول تمتد من شرق افريقيا الى شرق اسيا وخصصت لذلك اسطولا من الطائرات العملاقة التي تستغل عادة لنقل التبرعات الاغاثية القطرية للدول المنكوبة بالكوارث .
وتسعى الاجتماعات الطارئة التي تعقدها وزارة الاقتصاد يوميا مع المنتجين المحليين للسلع الغذائية لطرح منتجاتهم في الاسواق والتي تقول الوزارة انها باتت تشكل نسبة 65 % من الخضروات ومنتجات الدواجن بالاسواق المحلية .
ويؤكد على هذا التوجه الخاص بتوفير الغذاء، الشيخ جاسم بن جبر آل ثاني وكيل وزارة الاقتصاد والتجارة المساعد لشؤون قطاع المستهلك، إذ يقول أن السوق القطري لن يتأثر بالإجراءات التي تم اتخاذها مؤخرا من بعض الدول الخليجية أو نتيجة لإغلاق الحدود .
ويقول أن خطة الطوارئ بالوزارة تضمن استمرار تدفق السلع والمواد الغذائية والسلع الأساسية بشكل منتظم واستيرادها من دول مختلفة وبأسعار مختلفة .
اللافت داخل المجمعات التجارية ان السلع الغذائية احتفظت باسعارها الثابتة من قبل التطورات الاخيرة وتـشـمـل قـائـمـة الأســعــار المثبتة حوالي ٥٠ ألف سلعة غذائية وغير غــذائــيــة مـنـهـا الـــدواجـــن والـبـيـض ومـنـتـجـاتـهـا، والــلــحــوم الـمـجـمـدة ومــشــتــقــاتــهــا، والــحــلــيــب الــطــازج والـــمـــكـــثـــف والــــــبــــــودرة والألــــبــــان ومــشــتــقــاتــهــا ، والـــبـــقـــولـــيـــات والـــحـــبـــوب والأرز ومـنـتـجـاتـهـا، والـــمـــيـــاه الــمــعــدنــيــة والــعــصــائــر الــطــازجــة والـمـعـلـبـة، والأغـــذيـــة الـمـحـفـوظـة والمعلبة، وزيـوت الطعام والطبخ، وحــــلــــيــــب وأغـــــــذيـــــــة الأطــــــفــــــال، وحــــفــــاضــــات الأطـــــفـــــال، والـمـنـظـفـات الـشـخـصـيـة والـمـنـزلـيـة بـأنـواعـهـا وغيرها من سلع
. وتنتج قطر ٨٠ ٪ من احتياجات السوق من الاسماك و نـحـو ٣٠ ألــف طــن من التمور .
لهذه الاسباب مجتمعة وتجربة مريرة عاشتها دولة قطر عام 2014 فقد بدت الاوضاع حاليا على الاقل حتى الان تسير وفقا لما خططت له قطر قبيل اندلاع الأزمة.
ويبقى السؤال ماثلا حول الأمد الذي سوف يستغرقه هذا الحصار الذي يبدو غير مؤثر الان، لكنه يغذي حالة من القلق والمخاوف من استمرار تفاقم الأزمة .
فيديو قد يعجبك: