خيمة جورج واشنطن.. أول مكتب بيضاوي في تاريخ الولايات المتحدة
فيلادلفيا - (د ب أ):
عندما كان ممثلو المستعمرات الأمريكية الثلاثة عش الحديثة يتجادلون حول ما إذا كانت ستتم صياغة إعلان للانفصال عن التاج البريطاني وكيفية ذلك، كان جورج واشنطن يستعد لخوض الحرب.
وكانت معركتا ليكسينجتون وكونكورد عام 1775 تعنيان بالنسبة له أن ثمة صراعا مريرا وطويلا قادم .
وهكذا في ربيع عام 1776، قبل بضعة أشهر من إعلان الاستقلال في الرابع من يوليو 1776، أرسل واشنطن مساعده جوزيف ريد إلى مُنجّد في فيلادلفيا من أجل صناعة سرادقين - أي خيمتين كبيرتي الحجم.
وكان قائد الجيش القاري يحتاج أيضا إلى أكثر من ذلك بكثير - ما بين أوعية معدنية لحفظ اﻷطعمة الجافة وأواني وغلايات لفترة ستكون طويلة في الميدان بالنسبة له وجنوده.
وقيض للحرب ضد الجنود البريطانيين أن تستمر لمدة سبع سنوات، حيث كانت تبدأ الهجمات في الربيع ويستمر القتال حتى الشتاء التالي.
وحيثما كان واشنطن وجنوده يشنون حملات، كانت خيمته بمثابة مقر قيادته ومكان نومه ومكتبه في آن واحد. والآن باتت تلك الخيمة واحدة من الدرر الثمينة بين الكثير من المعروضات في متحف الثورة الأمريكية الذي افتتح حديثا في فيلادلفيا.
ويقع المبنى المشيد من القرميد القهرماني على الطراز الكلاسيكي في وسط المدينة التاريخي، حيث أجرت المستعمرات نقاشاتها المحمومة حول إعلان الاستقلال عن بريطانيا.
ومن بين المعروضات العديدة، البنادق القديمة والملابس العسكرية من عهد الحرب والصحيفة التي تحمل أول نسخة مطبوعة من إعلان الاستقلال، وأزرار معدنية للملابس العسكرية تحمل الحروف الأولى المختصرة للولايات المتحدة الأمريكية (يو إس إيه)، في أول استخدام لذلك الاسم المختصر الشهير الآن على مستوى العالم.
ولكن العنصر البارز بين المعروضات بلا شك هو الخيمة التي كان يتخذها جورج واشنطن مقرا لقيادته أو "أول مكتب بيضاوي" كما يصفه سكوت ستيفنسون، المسؤول عن مجموعة المقتنيات في المتحف، وإن كان ليس مبالغا في ذلك إلى حد كبير، بالنظر إلى أن واشنطن أصبح بعد ذلك أول رئيس للولايات المتحدة.
وتعد تلك المواد حساسة جدا للضوء ومن ثم يتم الاحتفاظ بالخيمة في الظلام وراء لوح زجاجي غير قابل للكسر. وبعد بث فيلم عن حرب الاستقلال يتم إضاءة الأنوار من أجل السماح للزوار بمشاهدة الخيمة لمدة دقيقتين فقط.
ويقول ستيفنسون إن الهدف من ذلك هو عدم تعريض الخيمة للإضاءة لتلك الساعات طويلة التي يتعرض لها، على سبيل المثال، العلم الأمريكي في متحف التاريخ الأمريكي في واشنطن.
وقد تكون الرؤية المقتضبة بمثابة خيبة أمل لهؤلاء الزوار الذين يأملون في تمعن الخيمة عن كثب (أو حتى دخولها). ويبلغ طول الخيمة ستة أمتار وعرضها أربعة أمتار ونصف المتر.
ويقول مؤرخ المتحف فيليب ميد: "كانت (الخيمة) واحدة من الأماكن القليلة التي كان فيها واشنطن يشعر براحته" . وكان واشنطن نفسه قد كتب ذات مرة في آذار/مارس 1776 "ما أن أدخل خيمة، فإنني لا أتركها في الحال".
وداخل خيمته البيضاء الباهتة مع انحناءاتها المتعرجة والحدود العميقة الحمراء، كان واشنطن يتعرض لما تفرضه الحرب المريرة من مشاعر الانكسار والانتصار.
وكتب واشنطن في وقت ما عندما كان الجيش القاري يتعرض لمتاعب : "أنا مقتنع الآن، مما لا شك فيه أنه ما لم يحدث فجأة بعض التغيير الكبير والمهم.. سيختزل هذا الجيش حتما في واحد أو آخر من هذه الأشياء الثلاثة : الموت جوعا أو التفكك أو التفرق...".
وبعد سنوات، عندما اتضح أن النصر لم يكن بعيدا جدا ولكن لم يكن من الممكن التنبؤ به بعد، كتب الجنرال: "نحن أصبحنا في الرمق الأخير.. لابد أن يأتي خلاصنا الآن وإلا فلن يأتي أبدا".
وفي الواقع، جاء الخلاص مع انتصار نهائي على البريطانيين في معركة يوركتاون في أكتوبر عام 1781. وبعد عامين، انتهت الحرب رسميا.
وبعد الحرب، واجهت خيمة واشنطن رحلة طويلة وغير محتملة. وانتقلت الخيمة أولا إلى حوزة ابنه بالتبني بارك كوستيس الذي نقلها بعد ذلك إلى ابنته ماري كوستيس التي تزوجت بعد ذلك من الجنرال روبرت إي لي، قائد القوات الكونفدرالية في الحرب الأهلية الأمريكية (1861- 1865).
في نهاية المطاف، أخذت قوات الاتحاد خيمة واشنطن وتخزينها في مؤسسة سميثسونيان. وفي وقت لاحق، أعيدت إلى ماري كوستيس لي، التي باعتها في نهاية المطاف للمساعدة في جمع الأموال لأرامل جنود الكونفدرالية القتلى.
في وقت لاحق، في عمل يدوي مضني، تمكنت خبيرة نسيج اسمها فرجينيا ويلان من ترميم خيمة واشنطن. وكانت ويلان قد بنت سمعتها من خلال ترميم وشاح للمهاتما غاندي ومعطف للرئيس فرانكلين روزفلت كان يرتديه في مؤتمر يالتا عام 1945، إلى جانب تجديدها أشياء أخرى.
وأولئك الذين لا يرغبون في رؤية الخيمة الأصلية وراء لوح من الزجاج يمكنهم أيضا رؤية نسخة طبق الأصل تماما منها. وسيقوم المتحف أيضا بإقراض نسخة طبق الأصل إلى معارض ومتاحف أخرى.
يقول المؤرخ ميد إنه من الأكثر أهمية أن يروي المتحف قصة الثورة الأمريكية أكثر من التركيز على شيء واحد فقط.
وفي الواقع ينجح المتحف في هذا. فبدلا من حشو غرف كاملة بالمعروضات، فإنه يعيد إنتاج مشاهد ويعرض مقاطع فيديو توضح مسار الحرب.
ويروي المتحف قصص النساء والهنود الأصليين والعبيد والفرنسيين والمرتزقة الالمان في الجيش الأمريكي، حيث تُروى قصصهم جميعا في المعركة الدرامية كاملة في إطار نضال المستعمرات من أجل الاستقلال.
فيديو قد يعجبك: