حتى في مثواه الأخير - منفذ هجوم برلين منبوذ في مسقط رأسه بتونس
تونس (د ب أ)
حتى في مثواه الأخير يرقد منفذ هجوم الدهس في برلين أنيس العمري منبوذا في قبر نائي عن جبانة مسقط رأسه، مدينة الوسلاتية شمالي تونس. تاريخ الميلاد والوفاة ينم عن حياة قصيرة. الكتابة المنقوشة على شاهد قبره تشير إلى إخفاق في مرحلة ما في حياته التي بلغت 24 عاما: "أنت يا من تقف عند قبري، لا تتعجب من أفعالي. أرجو منك بحق الله أن تمد يداك وتدعو لي بالرحمة والمغفرة"... أنيس العمري.
هجوم الدهس في برلين، الذي وقع في 19 كانون أول/ديسمبر عام 2016، كان له صدى أيضا في مسقط رأس منفذه، مدينة الوسلاتية، حيث المنازل منخفضة مثل توقعات أهلها بالنسبة للمستقبل. يعلم الكثيرون في المناطق ذات الفرص المستقبلية المتدنية في تونس أن بعضا من أبناء بلداتهم انضموا إلى جماعات إرهابية مثل "داعش" أو "القاعدة" وقاتلوا في الخارج، في سورية أو ليبيا. لكن يبدو أن ما فعله العمري العام الماضي بدهسه مارة في إحدى أسواق عيد الميلاد (الكريسماس) في برلين وقتله 12 شخصا، غير شيئا في تونس.
وعندما دُفن جثمان العمري في مسقط رأسه الصيف الماضي أعربت مصادر من الشرطة في الوسلاتية عن انزعاجها لعودة جثمان منفذ الهجوم، الذي لقى حتفه برصاص الشرطة في إيطاليا عقب أيام قليلة من فراره من برلين.
وتخضع أسرة العمري حتى اليوم لمراقبة سلطات الأمن. وإذا جاء شخص مجهول لزيارة العائلة، يقف بعد فترة قصيرة أحد أفراد الشرطة أمام باب منزلهم ليسأل: من هذا الشخص؟ وماذا يريد؟ - عائلة العمري آثرت لذلك الانزواء، ولم تعد ترغب في الحديث عن ابنها. "هذا الموضوع انتهى بالنسبة لنا"، هكذا كان رد الشقيقة الكبرى لأنيس العمري على الهاتف قبل أن تنهي المكالمة.
وعقب فترة قصيرة من الهجوم ومقتل العمري، شهد مسقط رأسه اعتقالات على خلفية الهجوم. وكان ضمن المعتقلين ابن أحد أشقاء العمري، حيث أقنعه الأخير عبر رسائل دردشة سرية بإعلان ولائه لتنظيم "داعش"، الذي نفذ هجوم برلين لصالحه. وتحدثت وزارة الداخلية التونسية في ذلك الحين عن تفكيك "شبكة إرهابية" في المنطقة، وعقب أسابيع قليلة تبع ذلك اعتقالات على خلفية هجوم برلين.
لكن حتى اليوم لم يتم إدانة أحد. يقول سفيان السليتي المتحدث باسم المحكمة المختصة بالنظر في جرائم الإرهاب في تونس العاصمة: "الإجراءات لا تزال سارية حتى اليوم، لكن لا يوجد أي أحكام أو قرارات". تم القبض على ثمانية على الأقل عقب الهجوم في محيط مدينة الوسلاتية. وقبل أيام قليلة تم القبض على شاب لأنه نشر موادا دعائية لداعش على الإنترنت.
ورغم مرور عام على هجوم برلين، لا تزال قصة العمري تتردد في المدينة. تقول شابة من المنطقة فضلت عدم ذكر اسمها: "الناس لا زالوا يتحدثون عن الأمر... عائلة (العمري) استأنفت حياتها الطبيعية، لكن الموضوع لم ينته بالنسبة للناس". وبحسب مصادر للشرطة، هناك عدد من سكان الوسلاتية انضموا إلى داعش في الخارج.
وتعتبر تونس من أكثر الدول المصدرة لمقاتلين لتنظيم داعش على مستوى العالم. وتقدر معاهد بحثية أمريكية عدد التونسيين الذين يقاتلون في صفوف داعش في سورية والعراق وليبيا بنحو 7 آلاف تونسي.
وبحسب البيانات فإن موجة التطرف الكبيرة في تونس حدثت في السنوات الأولى التالية للثورة خلال الفترة من عام 2011 حتى عام 2014، وهي الفترة التي فر منها العمري من موطنه عبر البحر المتوسط إلى أوروبا، وقبع في أحد السجون الإيطالية. وبعد أعوام قليلة عاد العمري إلى المكان الذي غادره بأحلام عن مستقبل أفضل إرهابيا منبوذا في مثواه الأخير.
فيديو قد يعجبك: