شبكة أمريكية تتحدث عن "لحظة نادرة" في لبنان: مصلحة البلد تتقدّم على الطائفة
كتبت- رنا أسامة:
في جميع أنحاء العاصمة اللبنانية بيروت، تظهر مُلصقات لرئيس الوزراء المُستقيل سعد الحريري، تحمل عبارات "كلنا معاك". ولا يبدو أنهم يؤيدون الحريري كسياسي، بل يبدو أنهم يُعربون عن تضامنهم مع رجل يعتقدون أنه "الأسير" في المملكة العربية السعودية. ترى شبكة "سي إن إن" الأمريكية أنها لحظة نادرة في لبنان عندما تتقدّم مصلحة البلد على نوع الطائفة.
وتُشير الشبكة، في تقرير عبر موقعها الإلكتروني، إلى أن الحريري عندما أطلّ، مساء الأحد الماضي، على التلفزيون اللبناني للمرة الأولى للحديث عن استقالته المفاجئة التي أعلنها قبل أسبوع، بدا أنه "مُنهك"، قائلًا "أردتُ أن أُحدِث صدمة ايجابية للشعب اللبناني حتى يعرف الناس مدى خطورة الوضع الذي نعيش فيه".
استقالة الحريري، التي أعلن عنها عبر قناة العربية الإخبارية من العاصمة السعودية، الرياض، كان لها وقع الصدمة حقًا؛ فلم يحدث شيئًا كهذا من قبل. لقد اتهم إيران وحليفها اللبناني، حزب الله، بزعزعة استقرار بلاده والمِنطقة، وزعم أن حياته مُهددّة بالخطر.
بيد أن البعض في لبنان، بما في ذلك الرئيس المدعوم على نطاق واسع، يعتقدون بأن المملكة العربية السعودية كانت وراء استقالة الحريري، مُعربين عن غضبهم من كونه لم يفعل المزيد للتصدّي لحزب الله، الفصيل المدعوم من إيران الذي يتقاسم السلطة في لبنان.
وتنفي السعودية بشدة هذا الادعاء بشدة. لكن إذا كان مؤيّدو الحريري السابقون في الرياض يأملون في أن تُثير الاستقالة موجة عارمة ضد حزب الله، فلرُبما يكونوا قد شعروا بخيبة أمل. فما من عاصفة هبّت لتطيح به إلى الآن.
بخلاف صدمة إعلانه الاستقالة، سيطر على اللبنانيين شعورًا بالاستهجان والكلل من جرّ البلاد مُجددًا في أزمة.
بعد يوم من استقالة الحريري، ظهر أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، على قناة المنار، يزعم بهدوء أن الحريري لم يكن حرًا، وأن السعودية أملت بيان استقالته. ولم يهاجم نصرالله الحريري، لكنه أعرب بدلًا من ذلك عن تعاطفه مع رئيس الوزراء السابق البالغ من العمر 47 عامًا.
لم تقتصر هذه المزاعم على نصرالله فقط؛ إذ قال الرئيس اللبناني ميشال عون، الأربعاء، للصحفيين إن الحريري "رهينة" في السعودية. وأضاف عون أن احتجازه "اعتداء علينا وهجوم على استقلالنا". اللبنانيون لا يوافقون على الكثير من السياسات، ولكن من الصعب العثور على شخص يعتقد أن الحريري كان "سيد قراراه".
وحتى السياسيين السعوديين المنتمين لحزب الحريري نفسه، "حزب الاستقلال"، يبدو أنهم ينتقدون سياسة قادتهم، مطالبين بعودة الحريري من أجل "كرامة الأمة". وردًا على شائعات اختيار المملكة لرئيس وزراء لبناني جديد، قال وزير الداخلية نهاد المشنوق، المدعوم من السعودية أيضًا: "نحن لسنا قطيع من الأغنام أو قطعة أرض تنتقل ملكيتها من شخص إلى آخر".
وفي بيروت، يُعرب المُقيمون عن رؤى مُماثلة. "نريد عودة رئيس وزرائنا"، هكذا يقول أمين، أحد قاطني جنوب لبنان الذي قدم للمشاركة في سباق ماراثون بيروت الأحد الماضي. وأضاف لـ(سي إن إن): "إنه يُمثّل كل واحد منا".
وقالت أخرى، تُدعى ألين: "في النهاية، إنه لبناني، واللبنانيون جميعهم أشقاء، بغض النظر عن طوائفهم". ورفضت أن تقول إنها مؤيدة للحريري.
وتذكر الشبكة الأمريكية أن لبنان بلد صغير، فقير الموارد، يعتمد منذ فترة طويلة على الدول الغنية بالنفط مثل السعودية، في الوظائف والفرص التجارية. مئات الآلاف من اللبنانيين يعملون في الخليج، ويدّروا مليارات الدولارات سنويًا إلى بلادهم في شكل تحويلات تساعد على الحفاظ على الاقتصاد من الانهيار.
وعلى مدى عقود، ظلّ لبنان "الملعب المُفضّل للسعوديين" الأثرياء وغيرهم ممن يأتون إليها للانغماس في أشكال التسلية والترفيه المحظورة على أراضيهم المُحافظة. تصف الـ(سي إن إن) العلاقة بين البلدين بالقول: "إنها علاقة تبعيّة مصبوغة بأكثر من مجرد شعور بالاستياء".
خلال حديثه التلفزيوني الوحيد، وفي تغريداته اللاحقة على تويتر، وعد الحريري بأنه سيعود "قريبًا"، في غضون يومين أو ثلاثة أيام، لكنه لم يفعل. فيما أكّد مسؤولون لبنانيون لـ(سي إن إن) أنهم يعتقدون أنه سيعود في نهاية المطاف إلى بيروت "إن شاء الله.. إن شاء الله"، بحسب قولهم.
وتماشيًا مع تصريحات المسؤولين للشبكة الأمريكية، قال رئيس الوزراء اللبناني المُستقيل إنه سيعود إلى لبنان الأربعاء المُقبل للمشاركة في الاحتفالات بعيد الاستقلال، في اتصال هاتفي مع الرئيس اللبناني ميشال عون صباح اليوم، السبت، بعد وصوله إلى العاصمة الفرنسية باريس مع قرينته لارا، في زيارة رسمية للقاء إيمانويل ماكرون.
وبينما يحاول المسؤولون السعوديون التأكيد على أن الحريري ليس رهينة، لامست الدراما المُحيطة بوضع رئيس الوزراء المستقيل "وترًا حساسًا"، بحسب وصف الشبكة.
بعد فترة وجيزة من استقالة الحريري، حذّر وعقب استقالة الحريري، حذر وزير شؤون الخليج السعودي ثامر السبهان اللبنانيين من أنه ينبغي عليهم الاختيار ما بين "السلام أو العيش داخل الطائفة السياسية لحزب الله".
يقول بهاء، شاب من شارع الحمرا، "سواء كنت ترغب في بقائه أولا، لا يمكنك طرد حزب الله من المجتمع أو السياسة اللبنانية "إذا كنت ترغب أم لا، لا يمكنك إزالة حزب الله من السياسة أو المجتمع اللبناني".
وبينما يشكو الكثيرون في لبنان من الجناح العسكري القوي لحزب الله، ولولائهم المُتصوّر لإيران، ترى الشبكة الأمريكية أن اللبنانيين لا يُفضّلون الدخول في سِجال مع الجماعة، خوفًا من أن يقود إلى مواجهة مسلحة أو حرب أهلية أخرى.
ومن مقهى يونس، يقول السياسي الساخر عبدالرحيم العوجي، إن اللبنانيين اعتادوا على التدخّل الأجنبي، "بالعودة إلى الفراعنة والرومان". ويُضيف "ليس فقط السعوديين من يحاولون التدخّل في لبنان اليوم، بل الجميع، بما في ذلك الإيرانيين والأمريكيين.. الجميع!"
هذه المرة، ومع ذلك، يشعر العديد أن التدخّل وصل إلى مستوى جديد كليًا. يقول اللبنانيون إنه ليس بالجديد أن تضغط قوة خارجية على كاهل الساسة اللبنانيين أو تمارس الابتزاز عليهم، لكن شيئًا جديدًا حدث وهو احتجاز رئيس الوزراء.
إذا وقف السعوديون حقًا وراء هذه المؤامرات، فقد يجدون أنهم توغّلوا قليلًا في أعماق السياسة اللبنانية هذه المرة. وكما المثل اللبناني الذي يقول فيما معناه أنه "ليس كل ما يتم ابتلاعه يُهضم"، فإن المملكة العربية السعودية، بقيادة ولي عهدها الطموح صاحب الـ32 عامًا، قد تتسبّب فيما يُمكن أن يُطلق عليه "عُسر هضم" لبناني.
فيديو قد يعجبك: