إعلان

"سجناء أوروبا": لاجئون يعانون الذل والهوان في مخيمات اليونان

03:13 م الخميس 08 سبتمبر 2016

مخيم اللاجئين في سوفتكس

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- سامي مجدي ورنا أسامة:

بداخل مُخيّم اللاجئين في سوفتكس، القابِع شمال اليونان، العتمة تسود المكان، فيما يظهر بصيص من النور ينبعِث من مصابيح لا تعمل إلا ليلًا، فلا يرى قاطنيه النور سِوى عند حلول المساء؛ رُبما يرجع جزء من السبب وراء ذلك إلى أن تصميم المكان لم يكن مُخصّصًا لإيواء سُكان، فقد كان في الأصل مصنع ورق تواليت، مُجردَا من النوافذ، غير آهِل للإيواء.

"إنه شيء مُهين!"، قالتها السوريّة هندية أساني، 62 عامًا، في لهجة ملئوها الأسى، وتابعت: "كل شيء هُنا مُهين؛ الحياة، الأكل، وفكرة وجود مِرحاض أمام الخيم".

وأشارت صحيفة "الجارديان" البريطانيّة، أن الذُل والهوان الذي يعيشه هؤلاء اللاجئين، نِتاج منطقي لسياسات الهجرة التي تنتهجها أوروبا وتسير على دربها، منذ وفاة الطفل السوري آلان كُردي، الذي مات غرقًا العام الفائت.

"صفقة تهجير"

في محاولة لوقف تدفّق اللاجئين إلى أوروبا، عقد السياسيّون صفقة تهجير أو إقصاء مع تركيا، تم على إثرها إقصاء مُعظم اللاجئين المُهاجرين المتوجّهين إلى أوروبا بعيدًا، وبُنيت أسوار في جميع أنحاء مِنطقة البلقان، وتم حِصار نحو 50 ألف شخصًا في اليونان.

في الوقت الذي لا يزال بعضهم يهرب شمال البلاد، تقطّعت السُبُل بالغالبيّة العُظمى التي لا تزال باقية على الأراضي اليونانيّة، منذ تم إغلاق الحدود مارس الماضي، وتوزّعوا على نحو 50 مُعسكر في أنحاء البلاد، تعرّض سبعة أشخاص على الأقل للدغات عقارب وثعابين في تلك المخيّمات، فيما نال سوفتكس حظًا وافرًا من سوء السُمعة بينهم، وفقًا لعُمّال الإغاثة الذين أوردوا أنه ملئ بحشرات البق إضافة إلى العقارب والثعابين.

"من بين كل المباني الفارغة المنتشرة، وكل الأماكن المُخصّصة كمُعسكرات لإيواء اللاجئين، كيف يُبنى أحد أكبر المُخيّمات (سوفتكس) مكان مصنع ورق تواليت مهجور؟" هكذا تساءل مُستنكرًا، نيكو ستيفينز- مدير المشروعات في مجموعة Help Refugees- ساعدوا اللاجئين.

يقع "سوفتكس" بإحدى القفار الصناعية، على الحدود الشمالية من سالونيك، ثاني المُدن اليونانيّة، وبات ملاذًا للاجئين منذ أُغلِقت الحدود في شهر مايو، يعيش مُعظمهم في خيم بداخل المستودع القاتِم المهجور، فيما تنام البقيّة خارجًا، على بُعد بِضع مئات من الأمتار من صف القطارات القاتِمة المُحترقة ومداخن المصانع.

"إننا نعيش مُعاناة، لا نشعر بأننا بخير - على المستوى العاطفي" هكذا قال سائق التاكسي الثلاثيني، محمد محمد، الذي تعيش زوجته وأطفاله تحت الحصار في إحدى ضواحي دمشق.

جاء محمد إلى اليونان فبراير الماضي، على أمل أن يشُق طريقه إلى ألمانيا، فيطلب اللجوء، ثم يتقدّم بطلب لانضمام أسرته إليه، غير أن "الرياح تأتي بما لا تشتهيه السفن"، فقط أُغلِقت الحدود بشكل مُفاجئ قبل أن يتمكّن من المغادرة، ما يستوجب بدوره إما دفع النقود إلى أحد مُهرّبي اللاجئين، للفرار به شمالًا، أو انتظار برنامج إعادة التوطين الخاص بالاتحاد الأوروبي، لتعيين مكان دائم يعيش به.

غير أن برنامج إعادة التوطين هذا لا يعمل على نحو صحيح، وتوفير 5100 مكان في غضون 12 شهرًا يحتاج حوالي عشرة أعوام للانتهاء، "إذا استمرينا في البقاء هُنا لمدة شهر آخر، سينتهي بنا المطاف في مُستشفى للمراض العقلية"، هكذا قال محمد.

إحباط واكتئاب

يبدو هذا الشعور مألوفًا في أوساط اللاجئين، الذين تم نسيانهم مُحاصرين بين أسوار المُخيّمات، بعيدًا عن أحبّائهم وذويهم، تاركين محال إقامتهم، وعملهم، وتعليمهم، يجرّون من خلفهم أذيال الخيبة والضياع، لا يرون أمامهم سِوى مستقبل ضبابي غير واضِح المعالم، ما أثار مشاعر إحباط كبير لديهم، ونوبات اكتئاب غير مسبوقة، تخللّتها مشكلات في الصحة النفسيّة.

يعيش الفتى أبوني، 17 عامًا، في مُخيّم سوفتكس، بمُفرده بمنأى عن والديه وأخته، الذين لا يزالون تحت الحصار في مدينة حلب، وبالنظر إلى كونه "قاصِرًا"، فإنه يأمل أن يتم قبول طلبه لانضمام أسرته إليه، بعد منحه حق اللجوء، غير أنه من المُرجّح أن يشهد عامه الـ 18 قبل أن يتمكّن من تحقيق حلمه، وبسبب قلقه الشديد حِيال هذا الأمر، فقد تم نقله إلى المُستشفى أربع مرات بعد تعرّضه لـ "نوبات هَلَع".

"أحيانًا أشعر بالغضب الشديد لدرجة تجعلني أفقد قٌدرتي على التنفّس، ثم أسقط بعدها مُغشيًا عليّ"، قالها أبوني، الذي طلب الإشارة إليه تحت اسم مُستعار؛ تجنّبًا لوصمه داخل المُخيّم.

"لديّ عائلة في سوريا تُعاني من القصف، وحينما أتحدّث إلى أختي الصغيرة عبر الهاتف، فإنها تسألني عما إذا كانت لن تراني ثانية، ما يُزيد من شعوري بالقهر والعجز لأني عالِق هُنا في هذا السجن المُميت".

لا يختلف الوضع كثيرًا في مُخيّم فازيليكا Vasilika الذي يقع خارج مدينة سالونيك، "بحُكم عملي، شاهدتُ على مدى أعوام أشخاصًا يُقتلون في سوريا، حتى وصلت إلى هنا منذ ستة أشهر، فأصبحت بعيدًا عن المشهد لا أعرف ما يدور في الخارج"، هكذا قال "هشام"، الذي عَمِل مُسعِفًا بجماعة الإغاثة الدولية على مدى عشرة أعوام في سوريا.

وأردف: "أعجز عن النوم، فما وقع ولا يزال يقع في سوريا يدور في رأسي كل ليلة، كما الأفلام، يظهر أمام عيني بشكل لا إرادي؛ لذا أشعر بأنني في حاجة غلى طبيب!".

بينما يشهد مُخيّم "بازليك" صعوبة في توفير خدمات صحية للاجئيه، تعمل جماعات الإغاثة مثل الصليب الأحمر لعدة ساعات في مُعظم المُخيّمات، وإن كانت الخدمات التي يُمكن لهم تقديمها لا تزال "محدودة"، كما تستغرق سيارات الإسعاف فترات طويلة من الوقت للوصول في الحالات الحَرِجة.

وفي هذا الشأن، روت اللاجِئة السوريّة هندية أساني للصحيفة البريطانيّة، أن زوجها السبعيني تعرّض لسكتة دماغية بداخل مُخيّم "سوفتكس"، واستغرقت سيارة الإسعاف حينها أكثر من ساعة للوصول، وحينما وصل أخيرًا إلى المُستشفى، قال الأطباء إنه كان ضعيفًا جدًا لدرجة لا تُمكّنه من تحمّل العيش بداخل "خيمة"، غيرَ أن تحذيرهم ذلك ذهب سُدى دون الالتفات له من جانب المسئولين، حتى أُعيد إلى المُخيّم بعد أيام قليلة من الحادثة.

وفيما يتعلّق بالأدوية، فحدّث ولا حرج، فتوافر العقاقير أمر نادر الحدوث، تقول الجارديان: إن طفلَا يُدعى محمد إبراهيم، يبلغ من العمر عشرة أعوام، تعرّض لاضطراب في الدم معروف باسم "الثلاسيميا"، داخل مُخيم فازيليكا، دفعت الحكومة اليونانيّة لنقل الدم له مرة كل شهر، غير أنهم لم يتمكّنوا من توفير العقار الذي تحتاج إليه حالته، "والمتوافر حاليًا سينفذ في غضون أسبوعين" وفقًا لأخيه "ريزان".

"عصابات من اللاجئين"

علاوة على كل ذلك، فإن الشعور بالأمان مُنعدِم، إذ تُدار المُخيّمات برعاية الجيش ودوريات الشرطة بشكل صوري، فعادة ما يُغادرون عند حلول المساء، وحضورهم بالنهار يكون باهتَا.

تمامًا كحال أي بيئة سُكانية تضم 50 ألف شخصًا، فإن هذا التراخي الأمني خلق أقليّة صغيرة من اللاجئين في بعض المُخيّمات الفرصة لتشكيل عصابات، ووَفقًا لروايات بعض اللاجئين وعُمّال الإغاثة، فإن هذه العصابات قامت في بعض الأحيان بسرقة ومُهاجمة طالبي اللجوء، واعتدت على بعض النساء، وأجبرت أُخريات على مُمارسة الدعارة.

تُساعد ماريا دياكوبولو برنامجًا ينقل بعض سكان المخيمات الأكثر ضعفًا إلى سكن خاص في سالونيك. إحدى السيدات اللاتي تلقت مساعدة من دياكوبولو "تم نقلها على أيدي زعيم المافيا في المُخيّم، وضُربت بشدة، ثم أُجبرت على ممارسة الجنس مع الناس في المخيم، فيما تلقّى (زعيم العصابة) الأموال".

كانت "الجارديان" على دراية بحالات أخرى يُزعم تعرّضها للعنف الجنسي، ارتُكِب بعضها بحق أناس ليسوا لاجئين، لكنها اتفقت على عدم نشر تفاصيل حيالها بهدف الحفاظ على هوية الضحايا مجهولة، وبشكل أكثر عمومية، فإن القضية تُمثّل "مصدر قلق خطير" لوكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.

وقال رولاند شونبور، المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في اليونان، "نحن قَلِقون للغاية حيال ذلك، خاصة وأن الأمر مرتبط ارتباطًا وثيقًا بتدنّي الظروف المعيشية لطالبي اللجوء في اليونان. في كثير من الأماكن، لا توجد مراحيض للجنسين، وهناك أماكن استحمام بدون أبواب، ومساحات للنوم ينام فيها الجنسين معًا".

تجارة الجنس

في بعض الحالات، ينخرط طالبو اللجوء، عن طيب خاطر، في تجارة الجنس لأنهم يشعرون بأن ليس لديهم بديل آخر.

بإحدى الليالي في أثينا، وصف "حسن" الكيفية التي عَلِم من خلالها أن رجلًا يريد أن يدفع له أموالًا في مقابل الجنس. "بالخبرة يمكنك أن تبلغهم من خلال نظرة الشخص"، يقول حسن، وهم اسم مستعار، "أو عندما تجلس على مقعد وشخص آخر يجلس إلى جوارك".

لم يكن حسن، وهو وكيل عقارات في السابق، يرغب في كشف كل ذلك. كما عشرات الإيرانيين والأفغان الآخرين الذين تحوّلوا إلى الدعارة في أثينا في الأشهر الأخيرة. "لكننا عالقين هنا في اليونان وليس أمامنا سبيل آخر لكسب أموال... لذا نحن مجبرون على القيام بذلك"، قالها حسن وهو إيراني عمره 29 سنة.

ومنذ زمن طويل، يبيع الرجال الجنس في متنزه بيديون أروس، وسط أثينا، فيما يقول المُطلعين على المشهد إن الأعداد ارتفعت بشدة في الأشهر الأخيرة - مع بدء أوروبا في تشديد حدودها خلال الشتاء.

يعمل أحمد شير، أفغاني عمره 36 سنة، في المتنزه على نحو متقطع منذ عدة سنوات – ويعتقد الآن أن هناك من 30 إلى 40 منافسًا جديدًا له، ويقول بينما يجلس على مقهى بالقرب من مدخل المتنزه، "أتكسّب أموالًا أقل كثيرًا، ولديّ عمل أقل لأن هناك الكثير جدًا من الناس في المتنزه"، وأضاف: "منذ إغلاق الحدود، يُمكنك أن ترى فتى كل 10 أو 20 دقيقة داخل (الأشجار المتشابكة) مع فتى أكبر منه سنًا".

وصل حسن إلى اليونان من إيران في فبراير/ شباط، بهدف الانضمام إلى آلاف آخرين من طالبي اللجوء الذين توجّهوا شمالًا عبر مقدونيا في ذلك الوقت، وحينها أُغلِقت الحدود المقدونية أمام الإيرانيين – وأمام كل الجنسيات في وقت لاحِق - لذا حاول حسن ست مرات تهريبه عبر البلقان بدلًا من مقدونيا.

في كل مرة يُلقى القبض على حسن، ويقول "المُهرّبين التهموا كل أموالي"، فلم يكن أمامه أية وسائل أخرى للاستمرار ولا البقاء، حتى أخبره صديق عن المتنزه.

يقول حسن: "معظمنا جاء على سبيل المزاح، سمعنا عنه واعتقدنا أننا سوف نرى كيف يبدو، إلا أننا أُجبّرنا على المجيء إلى هُنا طيلة الوقت بعد توقّف عائلاتنا عن إمدادنا بالأموال".

ربما اليأس الأكبر يمكن إيجاده على الجزر، حيث يمكنك العثور على مخيمات أكثر اكتظاظًا. قبل بدء اتفاق الترحيل مع تركيا، كان يمكن للقادمين الجدد الانتقال بحرية إلى البر الرئيسي، إلا أنه منذ مارس الماضي، لم يتمكّن معظم القادمين الجدد من المغادرة بشكل قانوني - فيما فشلت سياسة الترحيل بشكل كبير.

توترات

ومع اكتظاظ المخيمات، نشأت توترات مع بعض السكان المحليين، فعلى جزيرة ليروس الصغيرة، طلب غوغاء من سكان الجزيرة الغاضبين، اللاجئين المغادرة، فيما ترك أرنب ميت أمام مطبخ ناشطين في جزيرة كيوس.

وقال مثقال خلاوي، وهو فنّي سوري يعمل في مجال النفط عالق في كيوس، إن: "اللاجئين هناك يواجهون مصيرًا أكثر خطورة، وكثيرون (مُحبطين للغاية)"، وأضاف: "رأيت كثير منهم يبكون بشدة، إنهم هنا في منفى، لا شيء أكثر. سجناء أوروبا".

هناك إشارات صغيرة على التحسن، المخيمات يجرى تجديدها تدريجيًا، بفضل الجماعات التطوعية في أغلب الأحيان، الحكومة اليونانية سوف تحاول وضع كل الأطفال اللاجئين في نظام تعليمي هذا الخريف، فيما تأمل منظمة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين نقل 10 آلاف شخص بعيدًا عن المخيمات، في مساكن خاصة. بعض المشاريع الخاصة - مثل مشروع ماريا دياكوبولو - تساعد أيضًا في دمج اللاجئين في الأسر والمجتمعات المحلية؛ فخُمس من مائة لاجئ في خدمتها الآن يحصلون على نوع من العمل، حتى أن بعضهم أسّس شركات غير رسمية.

لكن معظم المراقبين يقرّون بأن الوضع العام "رهيبط - وهناك احتمالية لأن يتحول إلى مأساة طويلة المدى.

وخطة إعادة التوطين الخاصة بالاتحاد الأوروبي واتفاق الاتحاد مع تركيا تعنيان رؤية معظم طالبي اللجوء خارج اليونان، لكن مع تعثر الخطتين، يعتقد أحد المهندسين الأوائل أن اتفاق الاتحاد الأوروبي مع تركيا لن يُمكّن الكثير من اللاجئين من المغادرة أبدًا في نهاية المطاف.

ووفقًا لغيرالد كناوس، رئيس مركز أبحاث وأول من تصوّر الاتفاق في سبتمبر الماضي، "يمكن أن ينتهي المطاف باليونان بأن تكون حاضنة عملاقة للاجئين، وتلعب الدور الذي لعبته جزيرة ناورو ومانوس بالنسبة لأستراليا في المحيط الهادئ".

يقول كناوس إن الوضع إذا لم يتحسن "سوف نكون أمام نظام على غرار النظام الأسترالي، حيث تصبح اليونان ناورو".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان