سمير القنطار.. اغتيال الرجل الذي تكرهه إسرائيل – (بروفايل)
كتبت- هدى الشيمي:
عندما وقع الرئيس الراحل أنور السادات معاهدة كامب ديفيد، وسافر إلى القدس وقال داخل الكنيسيت الإسرائيلي عام 1977 إن زمن الحروب انتهى، وقعت تلك الكلمات على الشاب سمير القنطار، ذو السبعة عشر عاما آنذاك كالصدمة، فقرر الانضمام لكتائب التحرير الفلسطيني، للمشاركة الفعلية في المقاومة الفلسطينية.
كان القنطار ابنا لعائلة ميسورة ماديا، لعبت مدرسته وأحد معلميه دورا كبيرا في إشعال فتيل المقاومة داخله، بالإضافة لتجلي الحقائق حول الانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين خلال فترة السبعينيات داخل لبنان، فحاولت العائلة إرساله للخارج من أجل اثنائه عن الأمر، وإبعاده عن ذهنه، ولكن الاندفاع الوطني، وشعوره بالواجب تجاه هذا الشعب دفعه للتفكير والعثور على شيء ما للتضامن الفعلي، ليس بالشعارات والهتافات، فذهب لتنفيذ عملية النهارية في العمق الفلسطيني عام 1979، والتي أسر بعدها حوالي 30 عاما فحصل على لقب "عميد الأسرى اللبنانيين".
لم تكن عملية النهاريا أو عملية "جمال عبد الناصر" كما يدعوها أفراد المقاومة الأولى بالنسبة لقنطار، فقام قبلها بعملية في الأردن اعتقل بسببها 11 شهر، ولكن السلطات أطلقوا سراحه شرط ألا تطأ قدماه الأراضي الأردنية مرة أخرى، إلا أن ذلك لم يقضِ على رغبته في المقاومة، فتقدم قنطار بطلب التحاق بوحدات خاصة للقيام بعمليات داخل فلسطين.
خضع لبرنامج تدريبي، يصفه بـ "القاسي جدا" استمر لثلاثة أشهر، إذا نجح فيه المقاوم يخضع لبرنامج تدريبي آخر خاص بالعملية نفسها، وعلم أن هناك هدفين من العملية الاستشهادية، أحدهما استراتيجي والآخر تكتيكي، فرغب أفراد المقاومة التأكيد على أن اتفاقية كامب ديفيد لا تمثل أي جهة، ولكنها تمثل السادات فقط، وأرادوا التوضيح أمام العالم بأن المقاومة والكفاح الفلسطيني لن يقفا أبدا، فذهبوا لمنطقة النهاريا التي يعيش داخلها كبار الرجال الإسرائيليين من أجل أسر مجموعة منهم، يستعملوهم كورقة ضغط على إسرائيل لكي يطلقوا سراح الأسرى الفلسطينيين، فاختطفوا عالم الذرة الإسرائيلي داني هاران، وابنته عنايات ذات الأربعة أعوام.
لم تسر الأمور كما خطط لها القنطار وزملائه، فاستمرت العملية حتى صباح اليوم التالي، وواجه فيها المقاومون الأربعة مئات الجنود الإسرائيليين، مما تسبب في مقتل عالم الذرة الإسرائيلي وابنته، وقتل اثنين من زملاء قنطار، أما هو بعد إصابته بخمس رصاصات وشريكه الأخير انتقلا إلى السجن الإسرائيلي.
بالإرادة والإيمان استطاع القنطار التغلب على الضغوطات المفروضة عليه من قبل العدو الإسرائيلي، ففي أول يوم في الأسر، أرسلوا له عدد كبير من الضباط، ووجهوا أسئلة متعددة في نفس الوقت، حتى يجبروه على الإجابة تلقائيا دون تفكير، فرد عليهم بالشتائم والسُباب، وهذا كان الوضع لثلاثين عاما، ويقول القنطار "عندما خرجت من الأسر كنت مثلما دخلته، فاللحظات الأولى هي الأهم، وأنا علمت في تلك اللحظة إني إذا نزلت درجة سُلم واحدة سينهار كل شيء".
بدأت جلسات النقاش داخل المجتمع اليهودي، واجتمع السياسيون والقيادات الكبرى للبحث عن عقاب يليق بقنطار، والذي من وجهة نظرهم قتل خمسة أشخاص، وتسبب في إحداث الفوضى وأقدم على تنفيذ عمليات إرهابية، ووجدوا أن عقوبة الإعدام هي الأمثل، إلا أن رفض المسئولون في الديانة اليهودية بحكم شريعتهم التي تحرم الموت عمدا، دفعهم للحكم عليه بـ542 عاما، وفي ذلك الوقت سأل القنطار القاضي بتهكم "وهل تتوقع أن تعيش دولة إسرائيل 542 عاما، حتى تصدر علىّ هذا الحكم"، فغضب وطرده من المحكمة.
خلال ثلاثة عقود قضاهم القنطار داخل السجون الإسرائيلية، تغيرت شخصيته تماما، إلا أن الثوابت والركائز لم تتأثر، تطورت شخصيته، وأصبح أكثر وعيا وادراكا وحكمة في ادارة الأمور، وأكثر فهما للعدو والصديق، واستطاع المساهمة في تحويل السجون من مقابر إلى مدارس ثقافية خرج منها رموز كبيرة للمقاومة، فبنوا مجتمعا حضاريا وثقافيا، وتمكنوا من الحصول على حق التعليم بالمراسلة، وعن طريقه درجة بكالوريوس في الأدبيات والعلوم الاجتماعية من جامعة إسرائيلية مفتوحة.
لم تكن محاولات الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الدبلوماسية بإطلاق سراح القنطار مجدية، وحاولت المقاومة التدخل أكثر من مرة وأسر قيادات إسرائيلية لكي تجبرهم على فك أسره ولكنها كانت محاولات يائسة، حتى عام 2006 عندما وقعت حرب يوليو عام 2006، والتي أجبرت العدو الإسرائيلي على تبادل الأسرى فخرج القنطار، وكان في استقباله العديد من القيادات الكبرى على رأسهم الرئيس اللبناني في ذلك الوقت ميشال سليمان، والسيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله والذي أقام الاحتفالات ترحيبا به.
حاول القنطار تسجيل رحلته الطويلة في كتاب "قصتي"، أهداه لعائلته ولزوجته التي اجتمع بها بعد حصوله على الحرية، واستمرت للتصدي لعدوه الأول إسرائيل، إلا أن تأييده للرئيس السوري بشار الأسد منذ قيام الثورة عام 2011، قلب بعض الأشخاص ضده، خاصة وأن السوريين في وضع سيء جدا لا يحسدوا عليه.
وخلال سبعة أعوام حاولت إسرائيل القضاء عليه أكثر من مرة، واستهدفته في سوريا، وخارجها، حتى قضي الأمر، ونجحت الطائرات الإسرائيلية في اغتياله أمس، في بناية ببلدة جرمانا جنوب العاصمة السورية دمشق، انتهت بمقتله إلى جانب عدد من قيادات حزب الله.
يقول القنطار إنه عندما بدأ عمله في المقاومة لم يكن يعلم ما هو دافعه في ذلك، ولكنه بعد تفكير طويل، استخلص إن ذلك كان محاولة لعمل موازنة بين ماضيه العربي العريق، وواقعه الهزيل، فيقول "خلقنا في زمن ورثنا فيه الهزائم عن ابائنا حرب 1948، 56، و67، فبالتالي الانسان الذي يحمل تاريخ عربي مليء بالبطولات، وبنفس الوقت خُلق في تاريخ مأسوي يعيش حياة من التناقض، ويواجه امرين، إما أن يذهب للأمام وينسى قيم أمته ويبتني قيم غربية، أو يذهب للوراء ويتبنى قيم قديمة جدا فيضل سبيله كما يحدث مع تنظيم القاعدة، أو يتجنب الأمرين ويحاول خلق توازن لنفسه مثلما فعلت"
فيديو قد يعجبك: