إعلان

الحوكمة العالمية وترتيب النظام الدولي (٣)

د.غادة موسى

الحوكمة العالمية وترتيب النظام الدولي (٣)

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

06:57 م السبت 02 مارس 2024

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

تعتبر الحوكمة الجيدة من متطلبات ترتيب النظام الدولي وتحقيق كفاءته وفعاليته. وأولى متطلبات الحوكمة العالمية الجيدة هو حكم القانون. ويُقصد بالقانون هنا القانون الدولي الإنساني الذي يستمد فلسفته وقواعده من الإعلان العالمي لحقوق الانسان بمواده الإحدى والثلاثين، وفي مقدمتها الحق في الحياة. والواضح للعيان أن المجتمع الدولي أخفق ومازال يخفق في حماية حق الأفراد في الحياة. والدليل على ذلك عدد الأفراد الذين يلقون حتفهم في الصراعات والنزاعات المسلحة في العديد من دول العالم كالأطفال والنساء الفلسطينيات ضحايا القصف الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، واليمنيون الذين لقوا حتفهم من جراء الصراع الداخلي في اليمن بين قوات الشرعية وقوات الحوثيين، بالإضافة إلى ضحايا الحرب الروسية الأوكرانية من المدنيين. كما يثبت ما سبق فشل المنظمة الأممية في انفاذ القانون وتحقيق السلم والأمن الدوليين من خلال انفاذ القانون الدولي الإنساني. كما ثبت عجزها في جعل أحكام محكمة العدل الدولية ملزمة ضد مرتكبي جرائم الحروب.

وتعتبر نزاهة النظام الدولي ثاني متطلبات الحوكمة الجيدة. فلا يمكن بناء الثقة بين المجتمع الدولي والنظام العالمي إلا من خلال ترسيخ قيم وأخلاقيات عالمية تجمع دول العالم على ضرورة مراعاتها واحترامها مثل عدالة التنمية واستدامتها ومحاربة الفقر وكفالة حق تقرير المصير لكافة الشعوب وحماية الحقوق المدنية والسياسية والحفاظ على حقوق الأجيال وتحقيق المساواة بين الأفراد والشعوب.

ويشير الواقع إلى عدم وجود اتفاق بين أعضاء المجتمع الدولي على تلك القيم، بل تلاحظ وجود معايير مزدوجة عند تطبيقها. فالتنمية والحرية من حق مواطني وقاطني الشمال دون دول الجنوب. كما أن المساواة لا تتحقق بين الأفراد المختلفين من حيث اللون أو المعتقد الديني أو النوع الاجتماعي أو الرأي. فالمجتمع الدولي لا ينتفض إلا لأصحاب البشرة البيضاء، لأنهم – في اعتقاده- صانعو الحضارة. كما أنه لا يعطي إلا بالقدر الذي لا تستطيع به أن تتقدم تلك المجتمعات والدول أو أن تلحق بركاب الدول المتقدمة.

وحيث أن المجتمع الدولي أخفق في إنفاذ حكم القانون وتحقيق النزاهة العالمية كأحد أهم متطلبات تحقيق الحوكمة العالمية الجيدة فإن مؤسساته الأممية أضحت كبش فداء للدول الكبرى التي قد تراها معوقاً أمام تحقيق مصالحها. والنتيجة هي حرمان تلك المؤسسات من المساندة والتمويل اللازمين اللذين يمكناها من تحقيق أهدافها التنموية والأمنية.

كل ما سبق تسبب في انهيار أخلاقي عالمي وفشل في اختبار احترام الإنسانية، وهو أمر يثير الرعب ويدعو إلى القلق من المستقبل الذي ينتظر المجتمع الدولي.

إعلان