لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

لحظة موت عالمنا القديم

د. أحمد عبد العال عمر

لحظة موت عالمنا القديم

د. أحمد عبدالعال عمر
08:11 م الأحد 19 فبراير 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع


"إنّنا نواجه عمليّة تغيير كاملة لخريطة المنطقة؛ دول كاملة ستزول، ودول جديدة ستقوم.

لقد تمّ الاتفاق على الحدود، ووضعت خطط القسمة، لكنّ النيّات غير صافية ولا بدّ من تعديلات طفيفة هنا وهناك، وسيجري التعديل بالسكين والقنبلة والمسدّس الكاتم للصوت والسيّارة ذات الرقم المزوّر التي تسير عكس السير فلا يخالفها أحد.

وكلّ هذه التعديلات ستجري في الجسم الحيّ لكلّ الذين يقاومون أو يعترضون أو حتّى يشكّ في أنّهم يعرفون.

إنّها لحظة موت عالم قديم، لكنّه موت بلا ميلاد.

إنها عمليّة اغتيال سيرث فيها القاتل تركة القتيل، ويُذبح القّصّر والأيتام.

ستكون حروب ليس لها شرف الحرب، وثورات تشين سمعة الثورات.

صلّوا من أجل أن يكون عبورنا لذلك اليوم العظيم سريعًا وخفيفًا.

اللهم لا أسألك رد القضاء، ولكن اللطف فيه".

هذه النبوءات السابقة التي كُتبت بلغة توراتية مكثفة ومتخمة بالدلالات، وكأنها نبوءات وتحذيرات الصارخ في البرية "يوحنا المعمدان"، هي أفضل وصف لواقعنا في العالم العربي في العقود الأخيرة.

وهي أصدق وصف لما حدث فيه من ثورات وسقوط لأنظمة حاكمة، ونشوب لحروب أهلية أدت إلى تمزيق أرض ووحدة بعض الدول العربية، ولا يزال الحبل على الجرار، كما يقولون.

والغريب أن هذه النبوءات لم تُكتب اليوم، بل كُتبت في مقال حمل عنوان "مبارك المجد الآتي باسم الحل" للصحفي اللبناني الراحل ميشال أبو جودة، ونُشر بجريدة النهار اللبنانية يوم 13 سبتمبر 1974.

وعلى الرغم من أنها ربما بدت للقراء في ذلك الزمان خيالية مفرطة في التشاؤم، فإن نهر الأحداث والمتغيرات الذي شهدتها المنطقة العربية في العقود الأخيرة أثبت واقعيتها الشديدة وصدقها.

كما أثبتت الخمس عشرة سنة الأخيرة على وجه التحديد، أن المخططين لتغيير خريطة المنطقة العربية وإضعاف دولها المركزية وتمزيق وحدتها والسيطرة على مُقدراتها لا يعرفون اليأس.

كما أثبتت تلك السنوات أن القادم قد يكون أسوأ، إن لم يتخلص العرب من ميراث حروب الإخوة الأعداء فيما بينهم، ثم يسعون - بعد الاستفادة من دروس فشل الماضي - لاستكمال بناء مشروع الدول الوطنية المدنية في بلادهم على يد نخب وقيادات وطنية واعية ومُخلصة.

وإن لم يتحقق ذلك فسوف نعيش لنُشاهد لحظة تفكك وموت عالمنا القديم، ولنشاهد أيضًا عملية تغيير خريطة المنطقة حولنا بالكامل، لنظل نردد بحسرةٍ ما قاله ميشال أبو جودة في نهاية مقاله منذ 45 عامًا: "اللهم لا نسألك رد القضاء، ولكن اللطف فيه".

إعلان

إعلان

إعلان