إعلان

مشروع الدولة الوطنية المدنية في مصر ..!

د. أحمد عبد العال عمر

مشروع الدولة الوطنية المدنية في مصر ..!

د. أحمد عبدالعال عمر
08:26 م الأحد 29 يناير 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

أحدثت نكسة 1967 شرخاً كبيراً في شخصية وروح جيل كامل من المصريين، هو جيل الستينيات، وصدعت حلمهم الوطني وثقتهم في الدولة المصرية ومؤسساتها، وقي مشروع الدولة الوطنية التي تأسست على شرعية ثورة يوليو ١٩٥٢، على نحو فشلت معه حرب 1973 في ترميم تلك الشروخ والتصدعات، خاصة بعد انقلاب الرئيس السادات على سياسات الرئيس عبد الناصر، وانتهاجه لسياسة الانفتاح الاقتصادي ودعم جماعات الإسلام السياسي

وبسقوط الحلم الوطني لجيل الآباء (جيل الستينات) خرج جيل الأبناء والأحفاد في السبعينات والثمانينات وهو يفتقد للقدوة السياسية والاجتماعية، ويفتقد للثقة في مؤسسات الدول، ويفتقد للهدف والمشروع الوطني الواضح.

ولهذا سعى بعضهم لتجاوز إحباط وفشل مشروع الدولة الوطنية بالدخول في متاهة المشروع الإسلامي، خالطين في اختيارهم هذا بين دوافع لاشعورية للاندماج في غاية مثالية كبرى تعطي لحياتهم معنى ولوجودهم قيمة، وتجعلهم يهربون من واقعهم المأزووم اقتصادياً واجتماعياً، والمهزوم حضارياً وسياسياً، وبين دوافع سياسية ودينية واعية لكن مُختلقة، تمثلت في الدعوى لإعادة مجد الدين الإسلامي، وتخليص الأمة الإسلامية من حالة الهزيمة التامة التي تعيشه في مواجهة الحضارة الغربية.

وقد استمر مشروع الإسلام السياسي في الصعود بدعم الرئيس السادات ذاته، لضرب الحركة الوطنية والاتجاهات السياسية المعارضة له، حتى اكتملت تلك المأساة باغتيال الرئيس السادات عام 1981 على يد الجماعات التي رعاها ودعمها نظامه.

وبعد ذلك بلغت ظاهرة الإسلام السياسي ذروتها في عقدي الثمانينات والتسعينات، ودخل أصحابها وشبابها في صدام دامي مع الدولة.

وطوال تلك الفترة كان الشباب الوطني الواعي الذي لم تخدعه أوهام وأحلام الإسلام السياسي، وجماعاته المختلفة في حالة يأس وفقدان للأحلام الوطنية، وفي عزلة إرادية عن الشئون العامة والمشاركة السياسية.

لكن على حين غفلة من الجميع، ومع مطلع القرن الحالي، نشأ جيل جديد من المصريين انتعشت لديه المشاعر الوطنية، والرغبة في إصلاح مشروع الدولة الوطنية بعيداً عن أوهام ومتاهة الإسلاميين، والأحزاب السياسية الهيكلية، فخرجوا بكل نقاء ووطنية للثورة من أجل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية في 25 يناير 2011.

ورغم ما تحقق لهم من انجاز تمثل في إسقاط حكم الرئيس مبارك، وإفشال مشروع التوريث، فقد تبددت معظم أحلامهم في الإصلاح بسبب انتهازية النخب الثورية وانتهازية الإسلاميين.

وسقط بذلك حلم هذا الجيل في تجديد مشروع الدولة الوطنية في مصر ، وتحولت ثورة ٢٥ يناير إلى كابوس ونكسة جديدة في ذهن الكثيرين، خاصة مع وصول الإخوان المسلمين لمقعد الرئاسة في مصر.

ورغم الثورة الشعبية على جماعة الإخوان المسلمين في 30 يونيو 2013، التي كان قوامها مرة أخرى الشباب من الجنسين، وحزب الكنبة من المصريين غير المسيسين، ونجاحهم في إسقاط حكم الإخوان، فقد انقسمت بعد ذلك الجماعة والقوى الوطنية التي توحدت في 30 يونيو.

كما تراجع أغلب المصريين، خاصة الشباب منهم عن الاهتمام بالشأن العام، ومالوا إلى الانسحاب من الحياة العامة، والبحث عن خلاصهم الفردي بالسفر والهجرة للخارج، أو بالتركيز على النجاح المهني بأي طريقة، أو الانتماء لجماعات إرهابية متأسلمة جديدة كراهية في الدولة.

وهذا يحتم على كل وطني في مصر الدعوة إلى توحيد الجبهة الداخلية والجماعة والقوى الوطنية، واستيعاب الشباب، وتوحيد الجميع خلف مؤسسات الدولة لمواجهة المخاطر والتهديدات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تواجه مصر في هذه المرحلة الصعبة من تاريخها.

قديمًا قال المفكر السياسي والقانوني الفرنسي مونتيسكو: "إن ما يسمى في النظام السياسي بـ"وحدة"، أمر في غاية الالتباس؛ فالوحدة الحقة انسجام وتناغم بين أجزاء مختلفة جداً، تخدم كلها الصالح العام عبر ذلك ذاته. كما يحصل في الموسيقى، إذ بالنغمة النشاز يتم الكمال".

وهذا يعني أن الوحدة بلا تعدد في المجال العام والشئون الوطنية والسياسية، خواء وموت. والتعدد بلا وحدة تناقض وتنافر؛ ولهذا فإن أي خيار سياسي أو أمني يؤدي إلى خنق المجال العام، وسيادة صوت واحد ورأي واحد في كافة القضايا الوطنية المُثارة، دون الاستماع لوجهات النظر الأخرى واحترامها، لا يمكن أن يعد بأي حال نجاحاً سياسياً أو أمنياً لأن عواقبة المستقبلية وخيمة.

والنجاح الحقيقي الذي يخدم الوطن، ويُثري رؤيته وفكره، ويُقوي حاضره، ويُدعم مواجهته ومعركته مع الإرهاب والصعوبات السياسية والاقتصادية، ويجدد ويثبت (بشكل آمن) مشروع الدولة الوطنية المدنية في مصر، أن نمد جسور التواصل والحوار بين السلطة والجماعة الوطنية والشعب، وأن نصل لحالة سياسية وفكرية وثقافية نكون فيها موحدين لنا أهداف وثوابت وطنية مُتفق عليها، ومع ذلك نسمح بحرية الفكر والتعبير، وبتعدد الآراء ووجهات النظر وحق الاختلاف فيما بيننا.

إعلان