إعلان

أزمة "ديزني" مع المجتمعات العربية

د. إيمان رجب

أزمة "ديزني" مع المجتمعات العربية

د. إيمان رجب

* زميل أبحاث مقيم بكلية الدفاع التابعة لحلف الناتو بروما

ورئيس الوحدة الأمنية والعسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

07:00 م الإثنين 05 سبتمبر 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

لعبت مسلسلات وأفلام الكرتون المنتجة من قبل شركة ديزني طوال العقود الماضية دورًا في تشكيل وعي أجيال عدة في المنطقة العربية، وجميعنا نتذكر "بينوكيو" و"سنو وايت والأقزام السبعة" و"أليس في بلاد العجائب"، وشخصيات ميكي وميني والعم بطوط ونيمو وغيرها والتي ظلت لصيقة بمراحل الطفولة وبحكايات الأصدقاء التي تتداول ما يدور في هذه الأفلام، حتى أن حصص الرسم في المدرسة كانت تعتمد على هذه الشخصيات في تعزيز المهارات الإبداعية لدى الأطفال.

ظلت هذه الشخصيات الكرتونية لصيقة بالبعض حتى بعد مرحلة النضج، وأتذكر عند زيارتي ديزني لاند في فلوريدا في 2007 انبهرت بعدد البالغين الذين يزورون الحديقة مثلي تمامًا، وهو ما أدركت فيما بعد أنه نتيجة لتغير الفئات المستهدفة من قبل شركة ديزني والتي لم تعد تقتصر على الأطفال والمراهقين كما كان الوضع من قبل، وإنما أصبحت العائلات والبالغين أيضًا.

قد يتصور البعض أن فيلم الكرتون السينمائي lightyear هو موضوع الأزمة التي تمر بها ديزني اليوم في علاقاتها مع الشعوب العربية، ولكن هذا الفيلم ما هو إلا رأس الجليد وليس الفيلم الوحيد لديزني الذي تضمن مشاهد ذات صلة بالمثلية الجنسية كما أنه ليس الفيلم الوحيد الذي يتم حظر بثه في عدة دول، فالأزمة أكثر عمقًا من ذلك وتدور حول من له التأثير الأكبر في تحديد ما هو مقبول هل هي الدولة أم أفلام ديزني؟

لا ترتبط قوة شركة ديزني بملاءتها المالية فقط، وإنما أيضًا وهذا هو الأهم بفلسفة صناعة المحتوى التي تتبناها، والتي تقوم على أن الشركة تستطيع أن تشكل الوعي وأن تفرض قيم معينة وأن تفتح آفاق تفكير من يشاهد أفلامها لأمور لم تكن من بين الأمور المعتاد التفكير فيها.

ورغم أن هذه الفلسفة ليست جديدة، وكانت دومًا محط انتقاد في عدة دول غربية طوال الفترة الماضية، كما اهتمت عدة جامعات غربية بدراسة هذه الأفلام الكرتونية وما تحول منها إلى أفلام سينمائية فيما بعد لتحليل تأثيرها السلبي على المجتمعات. ولكن لم تتبنه الشعوب العربية لذلك ولم تجد معظم هذه الدراسات صدى مناسباً في عالمنا العربي أو استجابة ملائمة على مستوى السياسات للتعامل معها.

وما يزيد من قوة ديزني على التأثير في التوجهات أن ما تفرضه من قيم وشخصيات ليس حبيس شاشة السينما أو شاشة التليفزيون أو المنصة الرقمية وإنما يجد طريقه لمنتجات مدرسية عدة يستخدمها طلبة المدارس بشكل يومي.

ولا يخفى على أحد أن اتجاه ديزني لتضمين أفلامها مشاهد وقيم ذات صلة بالمثلية الجنسية سيقود لخلخلة القيم التي تقوم الدول على حمايتها وتغيير ما يمكن قبوله لكونه من الأمور المألوفة المتماشية مع العادات والتقاليد والثقافة السائدة، فضلًا عن تعارض كل ماله صلة بالمثلية الجنسية مع القيم الدينية وطبيعة تكوين الأسرة وقدسية علاقات الزواج التي تنظمها القوانين والسياسات.

ورغم ذلك، فإن البيانات الخاصة بمعدل الاشتراك في منصة "ديزني بلس" الرقمية والتي أطلقت في 2019، توضح أن نسب الاقبال على مشاهدة افلام المنصة مرتفعة، فوفق بيانات العام 2019 كان 64% من المشتركين فيها في سن 35 سنة فأكثر وينتمون لعدد 42 دولة منها 16 دولة في منطقة الشرق الأوسط، وخلال الربع الثاني من العام 2022 بلغ اجمالي المشتركين في منصة "ديزني بلس" 152.1 مليون وبلغ اجمالي المشتركين في المنصة وغيرها من خدمات ديزني خلل نفس الفترة 221.1 مليون مشترك، وهو معدل يتخطى إجمالي المشتركين في منصة نتفليكس.

هذا الوضع يستدعي الحاجة لتفكير جاد يتخطى المطالبة بإطلاق قناة للأطفال، ويبحث عن سياسات خارج الصندوق تكون فعالة في إضعاف قدرة ديزني وغيرها من شركات صناعة المحتوى الترفيهي على فرض قيم معينة على مجتمعاتنا.

إعلان