إعلان

تفاصيل صغيرة.."قصص قصيرة"

د.هشام عطية عبد المقصود

تفاصيل صغيرة.."قصص قصيرة"

د. هشام عطية عبد المقصود
08:05 م الجمعة 19 أغسطس 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

مفتتح:

كانت شمس منتصف نهار القاهرة تتعامد بقسوة على امتداد كوبري أكتوبر بينما تمتد صفوف العربات أمامه دودة ملتوية بلا نهاية وشيكة، عندما تحدق فيها متأملا وهي تنتظم متتالية فتبدو كمكعبات لعب الأطفال الملونةـ أسند رأسه للوراء قليلا وأدار مؤشر الراديو جاء صوت اسماعيل ياسين ينطلق في مونولوجه : "كلنا عايزين سعادة .. قوللى يا صاحب السعادة .. قوللى قوللى".

1/ "طعم الحاجات" ..

حين يقترب القطار من المدينة الريفية الكبيرة عاصمة المحافظة، تعرف ذلك من أضوائها التي تخايل عيونك وهي تنظر من شباك القطار وهو يعبر عليها متباطئا، ومن شكب واجهة المكتبة الصغيرة التى على ناصية آخر مزلقان للقطار وقبل أن يتوقف تماما، حركة الناس تزداد زحاما، تفاجئك رائحة الطعمية تنبعث في الجو شهية تماما، تعرف ذلك المحل الصغير الذي يقدم الطعمية في أرغفة طازجة وتتناثر عليها قطع الطماطم المختلطة بالشطة الحارقة، ستنظر في ساعتك وتتحجج في داخلك بأن الوقت قد تأخر، وحين تكون في مواجهة المحل الصغير تماما، ستطلب رغيفين وتجلس على كرسي في ذلك المقهى المجاور منتظرا كوب شاى، تنظر إلى الهاتف ثم تبطل صوته وتضعه في الجيب الخارجى للحقيبة الصغيرة، تأكل بشغف المنتظر بينما يصافح وجهك هواء الشارع متأملا ذات القطار يقف في رصيفه هناك، مستعدا ليأخذ طريق إيابه الذي يعرفه عبر السنين.

2/ بواقى البهجة ..

وضع يده في جيبه ومشى، كان المساء المتأخر يحمل معه هدوء الشارع الذي يقصده، كانت نسمات نهاية الصيف في ذلك المساء المتأخر ودودة، وكان يصافحها بوجهه فرحا بذلك، مشى متمهلا حتى اقترب كثيرا من المقهى، نظر نحو الشجرة الكبيرة التي ترتفع في مدخله، أخذ الكرسي من داخل المقهى ومضى به حيث الشجرة، كان شكل الراديو الموضوع على مسند خشبي يبدو كأنه شيء قديم منسي، تابع أبخرة الشاي المتصاعدة من الكوب الزجاجي وهي قادمة نحوه، كان صوت أم كلثوم يتهادى إليه:" زي الغصون لو بعدت يوم جه النسيم قرب بينها".

3/ حكاية أخرى ..

هبط من العربة الصغيرة التي توقفت فجأة، صائحا متوجها نحو سائق الميكروباص الذي ربما أغلق عليه الطريق أو توقف أمامه استجابة لإشارة من شخص على الطريق، ظل سائق الميكروباص جالسا في مكانه غير مهتم حتى اقترب ذلك الرجل منه متلفظا بشيء ما، هبط سائق الميكروباص مسرعا كأنه كان واقفا على الأرض لم يبارحها، وأخذ يلكمه ويركله بقوة وتواصل، وكان الرجل مستسلما تماما حتى إنه لم يحاول مطلقا أن يفعل أى شيء، فلم يطلق صوتا أو حتى يحاول أن يتفادى اللكمات، ثم بعد أن تعب أو مل سائق الميكروباص من ضربه تركه، عاد الرجل هادئا صامتا إلى عربته والتي كان ابنه الصغير ينظر من داخلها، تجمع حول كل ذلك كثيرون وتوقف الطريق لكن أحدا لم يبادر بالتدخل، قبل أن يصعد سائق الميكروباص إلى مقعده بدأ الركاب معه يخففون عنه فتتوالى جمل: "توكل على الله شوف رزقك" و"أهو خد نصيبه"، دخل سائق الميكروباص وجلس على مقعده دون رد.

كانت وجوه الركاب في أتوبيس النقل العام الكبير المجاور المتوقف محدقة صامتة وهي تنظر عبر الشبابيك.

إعلان