لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

  البطولة الروحية للإنسان

د. أحمد عمر

البطولة الروحية للإنسان

د. أحمد عبدالعال عمر
09:41 م الأحد 17 أبريل 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

البطل الملحمي هو الذي يأتي في زمانه ومكانه الصحيحين، ويُواجه بشجاعة تامة، وجسارة كبيرة كل التحديات والصعوبات التي تواجهه في حياته، كي يُحقق ما يريد، ويصل لهدفه، ويُكرس حضوره، ويصنع أسطورته الخاصة، التي سوف تروى من بعده.

والبطل الملحمي إنسان كامل، لا يعرف الإنهاك الوجودي ولا الاستسلام لظلم الأمر الواقع وقبحه، وهو يثير فينا مشاعر الإعجاب، ويجعلنا نُعظم قيم الفروسية والإصرار والشجاعة، ويعلمنا أن كل من سار على الدرب وصل، مهما تكن صعوبات وعثرات الطريق.

أما البطل التراجيدي، فهو من يأتي في غير زمانه ومكانه، أو ربما يأتي في زمانه لكن في غير مكانه، أو في مكانه، لكن في غير زمانه، وفي جميع الأحوال فهو يعاني بسبب غربته وعدم تحققه، ومع ذلك يظل لآخر عمره يغالب واقعه وقدره، متمتعًا بلياقة وجودية وروحية كاملة. وسيان عنده إن وصل لهدفه أم لم يصل؛ فيكفي أنه عرف ذاته وهدفه وطريقه، وظل من البداية للنهاية هو لا غيره.

والبطل التراجيدي يثير فينا بعض الإعجاب لتصميمه وقوة إرادته، وكثير من التعاطف والشفقة لسوء حظه وتعثر مسيرته، رغم سمو أخلاقه ووسائله وهدفه.

وبالطبع، فإن نموذجي البطل الملحمي والبطل التراجيدي- كما صورتهما الملاحم والتراجيديات الكبرى وبعض الروايات، مستلهمة واقع الحياة التي عاشها الإنسان في عصور سابقة، قد صارا في عصرنا الحالي نموذجين نادرين؛ لفقر وضيق الواقع المعاصر، وهشاشة تصور الإنسان اليوم عن ذاته وقيمته وهدف حياته.

ولهذا عرفت الآداب المعاصرة نموذجًا جديدًا للبطولة، هو نموذج "البطل الضد"، الذي فقد جسارة وفتوة الروح والعقل، ولم يعد مشغولًا بصنع ملحمته وأسطورته الشخصية بعد مغالبة قدرة وواقعه، بل صار مأخوذًا بخيباته وسقطاته وهزائمه الشخصية والعامة.

باختصار، صار "البطل المعاصر" إنسانًا مهزومًا، لامباليًا، مستسلمًا لضعفه وواقعه وقدره.

ولهذا فإن "البطل الضد" هو بطل هذا الزمان، وهو أفضل تعبير عن "حالة الإنهاك الوجودي" الذي يعيش فيه الإنسان المعاصر، حين يشعر أنه تعب، ولم يعد قادرًا على بذل مزيد من الجهد، وأن لعبة الحياة الدائرة حوله لم تعد تُغريه بالاستمرار فيها، بعد أن تقلصت أحلامه، وتمثلت في حلم أخير، هو أن يتجاوز ما كان عليه ليكون غيره، ويعيش الحياة بوصفه كائنًا وحيدًا لامباليًا.

ورغم تعاطفي الشخصي مع نموذج "البطل الضد" أو "البطل اللامبالي" وتفهمي لحالة "الإنهاك الوجودي" المؤدية إلي خياراته تلك - وهي حالة إنسانية نعيشها جميعًا من وقت لآخر- فإنني أرفض غواية الاستسلام لجاذبية هذا النموذج الإنساني، الذي يعيش لجد ذاته ورثاء حياته وأحلامه.

وأرى أن البطولة الروحية للإنسان المخلوق على صورة الله، ويحمل قبسًا من روحه، يُحتم عليه الاعتراف بالهزيمة دون الاستسلام لها، وأن يبحث بصدق وشجاعة في حجمها وأسبابها، لكي يتجاوزها ويصنع لنفسه ومجتمعه وبلاده قدرًا ومصيرًا جديدًا؛ تأسيسًا على إيمانه الرسخ بأن الأقدار والمصائر في يد وملكوت الله لامتناهية كذاته وقدرته.

إعلان