إعلان

التعليم الجامعي المعاصر

د. غادة موسى

التعليم الجامعي المعاصر

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

07:13 م الجمعة 25 مارس 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

سأتحدث في هذا المقال عن التعليم الجامعي من وجهة نظر الطالب أو المتعلم وليس من وجهة نظر الأستاذ المحاضر. فعادة ما تسير العملية التعليمية الجامعية في اتجاه أستاذ يحاضر وطالب يستمع ويلتقي. وكانت - ومازالت - هي الفلسفة السائدة في التعليم الجامعي. فالطالب ليس لديه ما يقدمه أو يضيفه والأستاذ يعرف اكثر. وقد تكون هذه النتيجة منطقية بفعل فرق العمر والخبرة. لذلك كان مستغربا ومستهجنا أن يدلو الطالب بدلوه أو يختلف مع أستاذه أو حتى يعارضه. وخلال رحلتي التعليمية كطالبة أعرف بعض الأساتذة الذين لم يتقبلوا رأياً آخر لا أثناء الدرس ولا في كراسات الإجابة !

وقد أسفر عن ذلك إنتاج طلاب أشبه بالقواميس المتحركة أو براديو الكاسيت الذين يكررون ما يتلقونه في الدرس بدون إضافة أو نقد. وصحبتهم تلك الثقافة بعد تخرجهم فصاروا يجترون ما تعلمونه في المرحلة الجامعية بدون إضافة أو تطوير.

وهنا لا أتحدث عن جامعات بعينها بل عن حالة عامة وخصيصة من خصائص الطالب الجامعي المعاصر في معظم الجامعات المصرية الحكومية والأهلية والخاصة. فبعض الأساتذة قد يبذلون جهداً مضنياً من أجل اعتصار رأي أو معلومة إضافية من الطالب أو المتعلم، أو حتى لدفعه أن يتكلم أو يشارك!

وهو الأمر الذي يتطلب الانتباه والوعي بأهمية إعادة النظر في عملية التعليم الجامعي برمتها. ولا يجب أن تقتصر الفلسفة على نوعية التعليم التي تؤهل الطالب لسوق العمل، لأن سوق العمل يحتاج مهارات في التفكير والابتكار وحل المشكلات لا ترتبط بمجال تعليمي بعينه كما سبقت الإشارة في مقالات عدة، بالاضافة إلى أن الفرد في الظروف المعاصرة هو من يخلق عمله ولا ينتظر عملاً !

ويتطلب إعادة النظر في فلسفة التعليم الجامعي الوعي بأن الطالب أو المتعلم جزءاً هاماً من استقرار ونجاح تلك العملية. فهو ليس متلقياً ولكنه مشارك؛ لذا وجب الاهتمام به وإدماجه في المقررات وفي الدرس حتى تتحقق الفائدة من التعليم الجامعي. كما لابد من إدماج الأنشطة بداخل العملية التعليمية. ففي إحدى المرات سألت الطلاب ما الذي يريدونه في موضوع إصلاح التعليم الجامعي؟ وقد كانت إجاباتهم صادمة لي نوعاً ما، لأنهم أشاروا إلى عدم رغبتهم في الحضور، وتفضيلهم الحضور فقط وقت الامتحانات. كما أنهم لا يستمتعون بالتعلم، وما يقوله الأستاذ يمكن أن تتم دراسته في المنزل إذا وفر الأستاذ أو المحاضر المادة العلمية!

هذه الإجابات تشير إلى أن التعليم الجامعي كف أن يكون جاذباً أو ممتعاً، و صار شبيهاً بمرحلة التعليم المدرسي. كما كف معظم الأساتذة عن نقل شغف حب التعلم للطالب بسبب ما يعاني منه الأستاذ نفسه من تراجع في الإمكانات والتقدير المادي والمعنوي، من جانب، وبسبب عدم قدرة بعض الأساتذة على التحرر من الخبرات التي مروا بها عندما كانوا هم أنفسهم طلاباً فصاروا - بدون وعي - ينقلون تلك المعاناة للطلاب من جانب آخر.

لقد كانت الجامعات في الماضي مصنعاً لإنتاج العقول والمثقفين والذين يساهمون في تطوير المجتمع في كافة المجالات. فهناك حاجة إلى إعادة الطالب للجامعة كما كان في الماضي. بمعنى أن يشعر الطالب برغبة ودافع للذهاب للجامعة، وشغف في تلقي العلم. كما لابد وأن يشعر بقيمته في العملية التعليمية وأنه مشارك ومساهم في تطويرها وليس مجرد "زبون" أو مفعول به في تلك المنظومة. كما من الأهمية بمكان أن يتم الاهتمام- بشكل خاص- بالأنشطة الجامعية التثقيفية. وإجراء المسابقات الأدبية والعلمية.

وحسناً فعل المجلس الأعلى للجامعات بأن أضاف مادة التفكير النقدي إلى المواد الدراسية التي يتلقاها الطالب. ولكن من الضروري أيضاً أن تتحول من مجرد مادة للدرس إلى ممارسة حقيقية في اتجاه النقد البناء والتفكير المنطقي السليم.

إعلان