إعلان

حق القوة.. وقوة الحق

خليل العوامي

حق القوة.. وقوة الحق

خليل العوامي
07:00 م الإثنين 28 فبراير 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

يمنح الحق صاحبة قوة أدبية كبيرة إلا أن هذه القوة لا تضمن له بالضرورة الحصول على حقه، فتظل قوة الحق معنوية بصورة كبيرة، ومرتبطة بالقانون وإنفاذه وإيمان الآخرين بعودة الحقوق إلى أصحابها، ولن أكون متفائلا وأقول معاونتهم في الوصول إليها، ستظل تطالب بحقوق إلى ما لا نهاية إن لم يكن لديك قوة حقيقية من تلك التي يعترف بها الآخرون، تحمي بها حقك وتمكنك من انتزاعه.. الحقوق تنتزع ولا تمنح.

قوة الحق تظل دائما رهينة أصحاب القوة الفعلية إن أرادوا أنصفوك وإن تعارض حقك مع مصالحهم المباشرة أو غير المباشرة، خذلوك ومنعوك .. فلابد للحق من قوة تحميه هكذا علمنا التاريخ.

وإن كان هذا هو الحال على مستوى الأفراد فإنه على مستوى الدول والجماعات يكون أكثر تعقيدا، ويتأثر بكل تشابكات وتعقيدات العلاقات الدولية ومصالح الدول فالقاعدة هنا تقول "لا صديق دائماً، ولا عدو دائماً، وإنما المصلحة فقط هي التي تدوم"، ووفق هذه المصالح تعمل الدول وتتحرك مؤسساتها السياسية والاقتصادية وتناور جيوشها وأسلحتها .. وتتناسب فرص حصولك على حقك بمدى قوتك.. لا تقبل الخداع أكثر من هذا، ولتعرف أن العالم غابة تبدو ذات قوانين وقواعد أممية..

هذه المقدمة البسيطة كانت لازمة لنفهم ما يجري في الأزمة الروسية- الأوكرانية التي تحولت خلال أيام إلى استعراض قوة علنية بين روسيا والغرب فيما يشبه لعبة "تكسير عظام".

لقد تصرف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بناء على معرفته الجيدة بسياسية "القوة قبل الحق" وتحرك بدافع شعور متعاظم ليس فقط بتهديد مصالح بلاده وإنما بما يمكن اعتباره تهديدا وجوديا للدولة الروسية ذاتها.

عند خطر التهديد الوجودي تتلاشى القيم الإنسانية والاتفاقيات والأعراف الدولية وتعلو لافته واحدة "الموت أو الحياة" هكذا وجد بوتين نفسه وهكذا كان عليه التحرك فوراً.

وجاء تحركه إلى جانب الخطر المحدق ببلاده، جاء مدفوعا بقوة حقيقة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، فروسيا اليوم ليست روسيا أمس، وهذا ما يعرفه بوتين، بينما يحاول الغرب تجاهله وتقويضه في سعيه الدائم لإحكام خناق سياسي وجغرافي على روسيا دون التفات لمطالبها الأمنية حتى شعر بوتين أن الصبر أو الانتظار أكثر من ذلك يعني وجود قوات واسلحة حلف الناتو على بعد كيلومترات فقط من حدوده ويمكنها قصف قلب المدن الروسية في دقائق معدودة، وحدوث هذا يعني انتهاء روسيا للأبد.

ما أقوله ليس دعما أو تبريرا للموقف الروسي، وليس أيضا تهوينا من حق أوكرانيا في أن تظل دولة ذات سيادة، وإنما هو تفسير لما يجري، وقراءة لما يجري على رقعة الشطرنج، حيث استبدال القطع الخشبية بأرواح بشر من لحم ودعم، لعبة تحركها القوة العسكرية وترسانات الأسلحة وليست الأصابع، وفي اللعب سعى الغرب بأكمله وعلى رأسه الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا لوضع بوتين في الزاوية ورفضوا إعلان عدم قبول أوكرانيا في حلف الناتو فلم يعد أمامه إلا الحرب، لأن البديل أكثر مرارة، فقرر بوتين تفعيل القاعدة الذهبية الأخرى "العالم لا يحترم إلا الأقوياء" ودخل المنافسة التي لن تنتهي قريبا على ما يبدو.

إعلان