لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

ميسى وعباءة أمير قطر

أسامة شرشر

ميسى وعباءة أمير قطر

07:00 م الأربعاء 21 ديسمبر 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

توقفت كثيرًا أمام لقطة تاريخية أصبحت حديث العالم عندما قام الأمير تميم بن حمد، أمير دولة قطر، باستغلال هذا الحدث التاريخي الاستثنائي بإقامة مونديال كأس العالم لأول مرة في دولة عربية إسلامية، لتدشين الهوية العربية ممثلة في وضع العباءة العربية، على أحسن لاعب في العالم (ميسي) أثناء تسلم كأس العالم.

وأصبحت هذه العباءة رسالة قوية للعالم تعطي معنى كبيرًا بأننا نصدّر القيم والأخلاق واحترام الآخر وحقوق الإنسان والتقاليد والعادات العربية المتوارثة؛ لأننا أصحاب حضارة حقيقية ولسنا مدعين جددًا.

وأعتقد أن (عباءة ميسي) هي أهم حدث في نهائي كأس العالم، وسيتكلم عنها التاريخ الرياضي وستسجلها الذاكرة الرياضية على مستوى العالم، بعدما شاهد هذه اللقطة العبقرية قرابة 5 مليارات إنسان؛ مما يعطي رسالة أخرى أنك بالذكاء والخروج عن قيود المألوف والتقليدي يمكن أن تصدّر مشهدًا يمثل الهوية العربية والإسلامية لم يكن ليتحقق بهذا الإخراج لو أنفقت مليارات الدولارات.

والأخطر أنها رسالة للعالم أن الشعوب العربية والإسلامية ومعها الشعوب الإفريقية توحدت في مونديال قطر، وأن رئة العالم كله تتنفس أكسجين كرة القدم، وهو ما أفاقت عليه دول أوروبا وأمريكا، بعيدًا عن العنصرية والاحتقار والنظرة الفوقية من دول الشمال لدول الجنوب على مستوى العالم، وعادت لغة التسامح واحترام القيم العربية الأصيلة للواجهة العالمية بعدما كانت مختزلة داخل النطاق العربي المحدود.

وهذا يعطي رسالة على الجانب السياسي أيضًا بأنه على الحكام العرب أن يستوعبوا هذا الدرس من الشعوب العربية بعيدًا عن الولاء والتبعية والخنوع للغرب، وأن يدركوا أن المواطن العربي والإفريقي قادر على الإبداع والتحدي والمنافسة، ليس من خلال استخدام أساليب عنصرية وشائعات واتهامات، وأن هناك بشرًا فوق البشر في العالم، ولكن من خلال العمل الجاد والتخطيط المنظم واختيار الكفاءات.

كما أن الإعلان الأخير من بعض دعاة الحرية المزعومة بأنه في حالة فوز فرنسا سيقوم اللاعبون برفع أعلام المثليين، قوبل برد عربي مثالي، وهو العباءة العربية الإسلامية، وافتتاح كأس العالم بالقرآن الكريم، حتى أصبح الأذان في أذهان وذاكرة لاعبي 32 منتخبًا بالإضافة إلى مليارات المتابعين حول العالم.

فهل نفيق ونستفيق ونبني على هذا الحدث الكروي الذي يعطي دلالات سياسية وإنسانية أننا نسير في الطريق الصحيح وليس إلى المجهول؟ ولكن بشرط الاعتماد على إبداعات الشباب العربي الواعد، الذي استطاع أن يطوع التكنولوجيا الحديثة والسوشيال ميديا وسلاح الإعلام لخدمة المصالح العربية وليس الإسرائيلية أو الغربية.

أهم ما لفت نظري في هذا المونديال الاستثنائي أن القضية الفلسطينية كانت حاضرة بشكل قوي جدًّا في كل الملاعب وبين كل الجماهير، ورفض كل الجماهير العربية التعامل مع الإعلام الإسرائيلي، مما أعطى رسالة قوية لشعوب العالم بأن تفهم وتستوعب وتحترم التقاليد العربية، وأن التسامح واحترام الآخر لدى العرب يأتيان ليس من منطق الضعف كما يتصور البعض، ولكن من منطق القوة المبنية على الحضارة العربية التاريخية التي لا يستطيع أحد أن يشتريها ولو بكنوز الدنيا.

والنقطة الثانية أن ما صنعه وما فعله المنتخب المغربي ليس مجرد الوصول إلى دور الأربعة الكبار في كأس العالم، ولكنه استطاع أن يعطي رسالة لكل المنتخبات العربية والإفريقية أن هذا المنتخب المغربي حقق المستحيل في زمن المستحيل الرياضي عندما استطاع أن يبني قاعدة من المبدعين الرياضيين وأن يؤسس أكاديميات رياضية ويصدّر لاعبين للخارج، لتكون هذه نتيجة هذه السياسة العلمية والتخطيطية المبنية على العلم والمعرفة وتطويع الطاقات الشبابية المغربية في الملاعب العالمية ليتشكل منتخب وطني كاد يصل إلى نهائي كأس العالم، واستطاع أن يقدم نموذجًا رياضيًّا حقيقيًّا؛ فليت الاتحادات العربية، وخاصة الاتحاد المصري لكرة القدم، تستفيد من هذه التجربة العملية والواقعية، وأن تكون هناك نواة وقاعدة انطلاق لتصدير الموهوبين رياضيًّا للخارج لصقلهم وزيادة احتكاكهم بمدارس قوية، وليكون لدينا بدلًا من محمد صلاح واحد، عشرة أو عشرون محمد صلاح آخر منتشرون في أكبر الدوريات الكروية على مستوى العالم.

والنقطة الأخيرة هي: هل تستطيع دولة عربية أخرى في المستقبل أن يتم اختيارها من خلال البنية التحتية من ملاعب واستادات رياضية، لاستضافة كأس العالم الذي سيصبح عدد المنتخبات المشاركة فيه 48 منتخبًا؟!.

وهل نبني على مؤتمر المناخ الذى تم عقده في شرم الشيخ واستضافت فيه مصر كل رؤساء دول العالم لمناقشة ما يسمى التغيرات المناخية والبيئية، ليكون هناك حدث في الرياضة المصرية وإحداث نوع من التغيرات الرياضية الحقيقية، وإبادة كل الأشخاص الذين أثبتوا بالأرقام والنتائج فشلهم في كل الملفات من ملف المونديال، حتى تراجعت الكرة المصرية إفريقيًّا وعربيًّا، وبعدما كانت في سنوات تحصد الذهب أصبح منتخبنا فاشلًا ومتراجعًا، لأن الرياضة المصرية حاليًّا مبنية على الفاشلين وعدم اختيار الكفاءات، وأصبح التصالح مع الفساد هو شعارها الرسمي، خصوصًا بسبب تعارض المصالح الذي يجعل أصحابها يدافعون عن مصالحهم ومكاسبهم الشخصية ولا يبحثون عن تطوير الرياضة، والضحية هو منتخبنا الوطني.

ولا ننسى هنا السعودية التي استضافت مؤخرًا القمة العربية الصينية، ومنتخبها الوطني الذي استطاع أن يفوز على منتخب الأرجنتين بطل العالم.

فهل نبني على كل هذا وتكون لدينا قاعدة رياضية عربية فيها نوع من التنسيق والتعاون المشترك الحقيقي وليس منصات واتحادات منعزلة عن بعضها البعض؟!.

أتمنى أن يجتمع وزراء الشباب والرياضة العرب وأن ينسقوا لتكون هناك بنية رياضية عربية حقيقية تؤكد لشعوب العالم أن هناك نهضة رياضية عربية، قادرة على تصدير الموهوبين، وأن تكون رقمًا فاعلًا في الرياضة العالمية وليس مفعولًا بها كما يجري الآن.

على قدر نجاح قطر في تنظيم هذه اللوحة الرياضية الرائعة التي أذهلت الأصدقاء قبل الأعداء، لكن الشارع المصري الذى يمثل ثلث سكان العالم العربي تقريبًا يدور في ذهنه وعقله وقلبه سؤال حائر هو: لماذا لم تصل مصر إلى كأس العالم؟ وهل لو وصل منتخبنا إلى كأس العالم كان أداؤه سيقارب أداء المنتخب المغربي الشقيق؟!.

إجابة هذه التساؤلات تحتاج إلى تشريعات حقيقية تعيد هيكلة الرياضة المصرية، وإلى بنية تحتية، وخطط علمية، والاستعانة بالكفاءات المهملة على المستويات وفي كل الاتحادات الرياضية.

ولا يمكن أن أختم مقالي دون أن أذكر اللواء الدهشوري حرب، رئيس اتحاد كرة القدم الأسبق، الذي كون فرقًا للشباب والناشئين من خلال تخطيط مدروس، واستطاع منتخبنا الوطني أن يفوز ببطولة الأمم الإفريقية ثلاث مرات متتالية في 2006 و2008 و2010، ولكن للأسف الشديد دخلت المجاملات والمحسوبيات الرياضة وكرة القدم فسقطنا جميعًا في بئر الفساد المادي والاستديوهات التحليلية التي أصبحت وبالًا على كرة القدم المصرية.

أفيقوا يرحمكم الله.

إعلان

إعلان

إعلان