إعلان

مبادرة في سماء شرم !

سليمان جودة

مبادرة في سماء شرم !

سليمان جودة
07:26 م الأحد 13 نوفمبر 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

وقع اختيار الرياض على قمة المناخ العالمية، التي بدأت أعمالها في شرم الشيخ ٦ من هذا الشهر ، لتطلق من فوق منصتها النسخة الثانية من مبادرة الشرق الأوسط الأخضر .

أعمال المبادرة انطلقت يوم ١١ من الشهر ودامت يومين ، وطموحها الأخضر يصل إلى أعلى سقف، والدليل أنها تسعى إلى زراعة خمسين مليار شجرة على مساحة من الأرض تصل إلى ٢٠٠ مليون هكتار .. فإذا عرفنا أن الهكتار يساوي فدانين ونصف الفدان ، وأن الفدان مساحته ٤٢٠٠ متر ، تبين لنا حجم المبادرة في مجملها ، وتبين لنا مدى ارتفاع السماء التي تحلق فيها .

ولا تنفصل هذه المبادرة عن مبادرة موازية لها تحمل شعار "مبادرة السعودية الخضراء" التي تعمل على زراعة عشرة مليارات شجرة. وكان الأمير محمد بن سلمان ، ولي العهد السعودي ، قد أطلق المبادرتين في السنة الماضية ، وكان إطلاقهما إعلاناً بالتضامن العملي مع كل جهد دولي يواجه تغيرات المناخ. فلما جاءت هذه السنة كان ولي العهد حريصاً على أن يكون في شرم حاضراً وشاهداً على اطلاق النسخة الثانية.

وفي مؤتمر حوار الأديان الذي انعقد في البحرين أول هذا الشهر ، بحضور الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، والبابا فرنسيس الأول ، بابا الڤاتيكان ، وبحفاوة ظاهرة من العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى ، قال الدكتور الطيب إن الاسلام أوجب الحفاظ على البيئة ، ودعا إلى عدم قطع الأشجار أو إغراقها ، وحثنا في كل وقت على احترام الشجرة وعدم الإضرار بها .

والمعنى أن ديننا يدعوننا الى أن تكون قضية البيئة حاضرة أمامنا في كل وقت ، وأن ننتبه الى أن البيئة مسألة حياة بالنسبة لنا جميعاً ، كما أنها مسألة جودة في هذه الحياة ، وليست مجرد قضية نظرية قد ننشغل بها ثم ننساها بعد حين .

وقيمة مبادرة الشرق الأوسط ، أنها مبادرة تتعامل مع فكرة البيئة في المنطقة كلها ، رغم أنها مبادرة منطلقة من الرياض ، ولو شئنا لقلنا إنها تمتد بتأثيرها إلى ما هو أبعد من المنطقة ، لأن كل شجرة من أشجارها المستهدفة تنشر الأوكسجين في الفضاء كله ، ولا يتوقف ما تفرزه عند نطاقها الضيق ، ولكنه يتحرك مع الهواء في كل مكان تذهب النسمات إليه .

فكأن هذه المبادرة تشبه المبادرة العربية التي أطلقها الملك عبد الله بن عبد العزيز ، يرحمه الله ، في قمة بيروت العربية ٢٠٠٢ ، وقد كان الرجل وقتها ولياً للعهد . لقد بدأت المبادرة العربية سعودية ، ثم ما لبثت أن اكتسبت الطابع العربي الخالص منذ إطلاقها إلى هذه اللحظة .

وهكذا ستكون مبادرة الشرق الأوسط الأخضر ، عندما تتحول إلى واقع عملي بإذن الله ، وستكون مبادرة انسانية الطابع أكثر منها سعودية أو عربية ، وسيستفيد منها كل إنسان في النهاية ، سواء كان يعيش في المنطقة أو كان يعيش في خارجها .

إن منطقتنا تقع بين صحراء الربع الخالي في شرق الجزيرة العربية ، وبين الصحراء الكبرى في شمال القارة السمراء ، وحين يكون هذا هو موقعها الذي قضت به عليها الجغرافيا ، فلا بد أنها ستظل أحوج ما تكون إلى مبادرات خضراء ، لا إلى مبادرة خضراء واحدة ، ولا بد أن مبادرة الشرق الأوسط الأخضر ستفتح الطريق أمام مبادرات أخرى مقبلة .

ستفتح هذا الطريق لأن تغيرات المناخ وتقلباته صارت هاجساً يضغط على الجميع ، وصارت من شواغل صانع القرار في كل عاصمة تقريباً ، ولم يعد من الممكن تجاهلها ، ولا القفز فوقها ، ولا غض البصر عنها ، ولا حتى التهوين من تداعياتها على حياة الفرد والجماعة .

وقد جاء اختيار قمة مناخ شرم منصةً لإطلاق مبادرة الخمسين مليار شجرة ، اختياراً في مكانه الصحيح ، والسبب أن هذه هي القمة الأكبر في موضوعها من سنة إلى سنة ، والسبب أيضاً أن هذه مبادرة تفعل بقدر ما تتكلم في قضيتها ، والسبب للمرة الثالثة أن لها أول نراه ولها آخر نعرفه ، وأن تمويلها جاهز ومعلن بالرقم ، وأنه ملياران ونصف المليار دولار ، وبالتالي، فهي أقرب إلى ما هو حي يتحرك بقدمين على الأرض ، منها إلى ما هو نظري قد يعلو فوق منصات الكلام .

والمؤكد أنها ستحفز عواصم أخرى في المنطقة على إطلاق مبادرات تتكامل مع بعضها البعض ، وتفتح طريقاً أمام الإنسان إلى حياة على مستوى من الجودة يليق ببني آدم الذين كرمهم الله تعالى ، وفضلهم على كثير ممن خلق ، ونزل القرآن الكريم ليقول ذلك ويعلنه .

إعلان