لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الدولة والثورة والخديعة

د. أحمد عبد العال عمر

الدولة والثورة والخديعة

د. أحمد عبدالعال عمر
07:01 م الخميس 10 نوفمبر 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تَروي لنا ملحمة الإلياذة لهوميروس أن حصار اليونانيين لمدينة طروادة قد استمر لعشرة سنوات، بعد أن حالت مناعة أسوار المدينة وشجاعة وقوة حكامها ومواطنيها في الدفاع عنها، دون تمكن تحالف الجيوش اليونانية من إسقاطها ودخولها؛ ولهذا لجأ البطل اليوناني الداهية "أوديسيوس" إلى حيلة ماكرة وهي التظاهر بفك الحصار والعودة إلى بلادهم، والادعاء برغبتهم في إبرام معاهدة سلام مع الطرواديين.

وفي نفس التوقيت قام الداهية "أوديسيوس" بتكليف المهندس اليوناني "إبيوس" ببناء حصان خشبي ضخم مجوف من الداخل، وقد أتم المهندس "إبيوس" هذا العمل ببراعة شديدة في ثلاثة أيام فقط.

وبعد ذلك قام الداهية أوديسيوس بتعبئة باطن الحصان بالمقاتلين اليونانيين، وتركه بالقرب من أسوار طروادة، بعد أن قام اليونانيون بفك الحصار، والذهاب إلى سفنهم الراسية قرب الشاطئ.

وفي نفس التوقيت قام جاسوس يوناني اسمه "سينون" بإقناع الطرواديين بأن الحصان هدية من اليونانيين، لأنهم لا يستطيعون حمله على سفنهم، وأنهم جادون في طلب السلام، وفي طريقهم للرحيل إلى بلادهم، بعد فكوا الحصار بالكامل.

وقد نجحت خديعة الداهية أوديسيوس في التدليس على الملك "بريام" ملك طروادة، ولهذا قام بإدخال الحصان الممتلئ باطنه بالجنود اليونانيين إلى قلب المدينة، بالرغم من تحذيرات بعض حكماء المدينة من خطورة هذا الأمر، ومن خديعة ودهاء ومكر اليونانيين.

وعندما جاء المساء احتفل الطرواديون برفع الحصار وأكلوا وشربوا الكثير من الخمر، وفقدوا وعيهم تمامًا.

وعند تلك اللحظة خرج الجند اليونانيون من باطن الحصان بمساعدة الجاسوس "سينون"، وقاموا بفتح بوابات أسوار مدينة طروادة بالكامل للجنود اليونانيين، فدخلوها بالخديعة دون قتال، وقاموا بتحطيم ونهب المدينة بلا رحمة، وقتل كل الرجال، وأخذ النساء والأطفال كعبيد.

وبهذه الخدعة الكبيرة التي خطط لها الداهية اليوناني القائد "أوديسيوس" انتهت حرب طروادة بعد حصار دام عشر سنوات، وسقطت تلك المدينة الذهبية الرئعة واختفت من الوجود.

وأظن أننا نحتاج كثيراً اليوم في عالمنا العربي للتأمل في رمزية ودلالة قصة "حصان طروادة"، بعد أن عشنا على مدار أكثر من عشر سنوات تجربة الثورات الشعبية ضد الأنظمة الفاشلة والرخوة التي تأسست في العالم العربي منذ خمسينات القرن الماضي، والتي اخفقت في تحقيق طموح شعبها في العدالة والحرية والحياة الكريمة، وخلق فشلها أسباباً موضوعية لا يمكن إنكارها لغضب وثورة الشعب عامة والأجيال الجديدة منها خاصة.

ثم رأينا كيف فشلت هذه الثورات في تحقيق أهدافها، وانتهائها بفضل صراع القوى الداخلية والإقليمية والدولية، ولعب أجهزة المخابرات الخارجية إلى خراب وحروب أهلية هددت أمن واستقرار ووحدة الدول التي قامت فيها.

وهو الأمر الذي حدث في ليبيا واليمن وسوريا، ونجونا منه في مصر بفضل قوة الجهاز المناعي الوطني والحضاري للمصريين، ووعي الشعب المصري، ووطنية ووحدة المؤسسة العسكرية، ووحدة ورسوخ كافة مؤسسات وأجهزة الدولة الوطنية.

وبناء على ما سبق، فقد صرت على يقين - في ظل وجود طابور خامس بيننا، وفي ظل تعقيدات الوضع الإقليمي والدولي، وفي ظل سطوة أجهزة المخابرات الدولية، وضخامة قوتها وأدواتها ونفوذها، وسرعة تدخلها وتأثيرها - أن أي دعوة في مصر للثورة ونزول المصريين للشارع كما حدث في 25 يناير 2011، هي دعوة مُضللة هدفها التدليس على المصريين، وفتح الباب لبعض مراكز القوى والجماعات التي فقدت نفوذها ودورها في مصر لإيجاد موضع قدم لها في المشهد المصري، بعد إسقاط نظام الحكم القائم، وهدم مؤسسات الدولة.

وأن تلك الدعوة هي أشبه ما تكون بـخديعة "حصان طروادة"؛ شكل مُبهر وغاية نبيلة في الظاهر، وقبح وشرٌ كبيرٌ في الباطن يؤدي لجعل الدولة ساحة اقتتال داخلي، وميداناً لصراع قوى خارجية، وتحقيق تغييرات جيوسياسية جديدة في المنطقة.

وأظن أن كل المصريين أصبحوا على يقين من ذلك، ولهذا كفروا بالخيار الثوري وجدواه في عملية التغيير والإصلاح، حفاظًا على وحدة واستقرار وأمن الدولة المصرية، ومؤسساتها الوطنية، وحفاظًا على أمنهم الشخصي والمجتمعي واستقرار حياتهم؛ دون أن يفقدوا- بالطبع - الحلم بالإصلاح والتغيير التدريجي، لإعادة بناء مؤسسات واقتصاد الدولة المصرية، وبناء الإنسان المصري، وتوفير مقومات السلام الاجتماعي والحياة الكريمة لكافة المصريين.

إعلان