إعلان

امرأة ستفكر في لا شيء!

الكاتب الصحفي سليمان جودة

امرأة ستفكر في لا شيء!

سليمان جودة
07:00 م الأحد 26 سبتمبر 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

رغم أن نتيجة الانتخابات البرلمانية التي جرت في ألمانيا صباح الأحد من هذا الأسبوع، ربما لا تكون قد ظهرت عندما ترى هذه السطور النور، إلا أن النتيجة الأهم لها قد جرى الإعلان عنها منذ وقت مبكر، وهي خروج المستشارة أنجيلا ميركيل من السلطة!

ورغم أن ميركيل التي قضت ١٦ عاماً في دار المستشارية، كان في إمكانها أن ترشح نفسها من جديد على رأس الحزب الديمقراطي المسيحي، الذي حكمت من خلاله ما يقرب من العشرين عاماً، إلا أنها فضلت ألا ترشح نفسها وألا تخوض السباق من جديد، وأن تستريح لتفكر في "لا شيء" على حد تعبيرها عندما سألوها عما ستفعله حين تغادر!

وقد يكون الشيء اللافت جداً أن الذين حزنوا لمغادرتها، ليسوا الألمان الذين انتخبوها وأعادوا انتخابها مرات، وليسوا مواطنيها الذين عرفوا على يديها مكانة معتبرة لبلادهم في أوروبا كلها!

لا .. فالألمان ليسوا هُم الذين حزنوا لخروجها وتألموا، أو هذا هو ما يبدو أمامنا على الأقل، وإنما المهاجرون الشرعيون واللاجئون الى بلادها هُم الذين فعلوا ذلك، وسوف يحزنهم جداً أن يستيقظوا فيما بعد السادس والعشرين من سبتمبر، فلا يجدونها في دار المستشارية على رأس ألمانيا كما اعتادوا أن يجدوها، ولا يجدونها قادرة على أن تقدم لهم من الخدمات العامة ما عاشت طوال وجودها على الكرسي تقدمه لهم دون منافس على مستوى الساسة في القارة العجوز!

وقد بلغ تعلّقهم بها في سنواتها الأخيرة إلى حد أن كثيرين منهم أطلقوا اسمها على مواليدهم، بل وتباهوا بذلك، وبعضهم كان يتحين أي فرصة ليلتقط معها صورة سيلفي!

وليس سراً أنها كانت تنحاز إليهم دون باقي الساسة في القارة، وكانت تقف إلى جوارهم على الدوام، وكانت تفعل ذلك وتعلنه وهي تعرف أن ما تفعله لا ينال رضا بين الغالبية من الألمان، وبالذات بين الألمان اليمينيين الذين كانوا ولا يزالون يرون في كل مهاجر مشروع مشكلة، حتى ولو كان مهاجراً شرعياً دخل البلاد من أبوابها، وحتى ولو كان لاجئاً ألجأته ظروف إنسانية قاسية إلى دخول ألمانيا!

ولكنها لم تكن تهتم بهذا كله، وكانت تناصر المهاجرين الشرعيين على طول الخط، ولم تكن تعبأ كثيراً بأن ذلك يمكن أن ينال من رصيدها السياسي لدى الناخب، إذا ما فكرت ذات يوم في أن تدخل السباق الانتخابي لتحكم فترةً رئاسية جديدة!

لم يكن هذا يشغلها، وهذا ما أعطاها شعبية واسعة بين المهاجرين الشرعيين واللاجئين، خصوصاً الذين تدفقوا من سوريا فيما بعد ٢٠١٥!

وقد قيل أنها لم تكن تميل إليهم، ولا كانت تفتح أبواب ألمانيا أمامهم، لأسباب إنسانية كما كان يقال، وإنما كانت تفعل ذلك لأسباب براجماتية عملية خالصة!.. وكانت هذه الأسباب هي أن الغالبية من الشعب الألماني هُم من كبار السن الذين تخطوا سن العمل، وأن العدد الأكبر من المهاجرين الشرعيين هُم من بين الشباب، ولذلك فإنهم قادرون على تعويض النقص في الألمان الذين يصلحون للعمل!

قيل هذا سراً وعلناً، وهو في جزء كبير منه صحيح، ولكن القضية تبقى أنها احتضنت المهاجرين الشرعيين في الحالتين، سواء كان احتضانهم لأسباب انسانية، أو كان لأسباب عملية سياسية .. فطبيعة الأسباب لم تكن هي التي تشغل بال المهاجر الشرعي، وكل ما كان يهمه أن يجد أرضاً تستقبله وترحب به وتحتويه، بصرف النظر عن السبب الذي لم يكن يعنيه في شيء!

وسوف يكون غريباً في سنوات قادمة، أن ينشأ جيل من المهاجرين في ألمانيا، وأن يكون اسم أنجيلا شائعاً ومنتشراً بين أفراده، رغم أنهم ليسوا من الألمان في الأصل .. فالقصة كلها ستكون قصة تعبير عن امتنان لصاحبة الاسم ليس أكثر!

إعلان