إعلان

جيلي وأفتخر.. حدوتة مصرية "1"

د طارق عباس

جيلي وأفتخر.. حدوتة مصرية "1"

د. طارق عباس
07:00 م الأحد 26 سبتمبر 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

هو رائد في مجال الإعلام وواحد من أهم خبرائه والعاملين فيه والمدافعين عنه، حيادي وعلمي ومنهجي وصادق عندما يعبر عن وجهة نظره، ومؤثر وجذاب ومقنع إذا اتخذ موقفاً أو روّج لرأي، آمن بالحرية مبدأ والانفتاح على الآخرين غاية، قضى سنينه في الإعلام ولا يزال واعياً بأولوياته محترماً لقلمه حريصاً على تنظيم الإعلام ورفع كفاءة أداء الإعلاميين، يكتب ولا يخاف ويواجه دون اكتراث بأية حسابات شخصية، يدافع عن قناعاته ومبادئه مهما تكلف من ألم ومعاناة، يقدم استشارات إعلامية، يحاضر، يُدَرب، يُنَظم ندوات ومؤتمرات، يدير مؤسسات إعلامية كبيرة ومهمة، يكتُب، يَعمَل في مجال حقوق الإنسان، يُسهم في وضع مواد قوانين وتشريعات برلمانية ودستورية، يُنفِق كل وقته فيما ينفع ويُحرك عجلة المجتمع في الاتجاه الصحيح .

ربما لم يسعدني حظي بأن أشرف بلقائه إلا مرة واحدة، كنا فيها ضيفين في ندوة حول "الرؤية المستقبلية للإعلام المصري بعد 25 يناير 2011" لكنني كثيراً ما صادفته عبر شاشات التليفزيون متحدثاً عن حرية الصحافة والإدارة المستقلة للإعلام وأهم التحديات التي تواجهه وكيفية تجاوزها وكثيرا ما قرأت له في جرائد ومجلات مصرية وعربية ودولية مقالات موضوعية اتسمت بالمصداقية والوضوح والصراحة والجدة في الإصلاح.

إنني أتحدث اليوم عن المفكر والكاتب والمحلل والناقد والحقوقي والمدرب والخبير الإعلامي الدكتور "ياسر عبد العزيز" مصري الجذور، ريفي الأصول، قاهري النشأة المولود بأحد أعرق أحياء القاهرة "حدائق القبة" في "15 أكتوبر عام 1968".

هو ابن أسرة حلوة السيرة طيبة المسيرة، ورغم بساطتها ومحدودية مواردها إلا أنها كافحت وثابرت من أجل تحقيق التقدم التدريجي في طريق الصعود الاجتماعي من خلال التعليم المجاني الذي جعلته ثورة يوليو حقاً مكفولاً لعموم المصريين دون تمييز وقد نجح أفراد الأسرة في بلوغ مرامهم مستغلين هذه الفرصة العظيمة التي لم تكن لتتاح لهم لولا الثورة.

احتل كاتبنا- بحكم موقعه الأسري - مكاناً ومكانة خاصة، فقد كان الأكبر بين إخوته وبالتالي كان المسؤول عنهم، ارتبط بهم وارتبطوا به في إطار اجتماعي محكم بالقيم الأخلاقية التي كونت بنية هذه الأسرة، كان والد ياسر عبد العزيز من محافظة الشرقية، وقد ظل بها حتى حصل على الشهادة الإعدادية، بعدها انتقل للقاهرة حيث التحق بالقوات المسلحة ثم بالمصانع الحربية للعمل فيها، اشتُهِرَ عن الرجل الضبط والربط وحلاوة الحديث ودماثة الخُلُق والحكمة البالغة في إدارة أمور الحياة، أما بالنسبة لوالدة كاتبنا، فالحديث عنها يحلو ويفيض جمالاً؛ إذ كانت نموذجاً مشرفاً للمرأة المصرية، التي تُعطي ولا تنتظر مقابلاً وتنسى نفسها ليبقى البيت عامراً بالاستقرار والحب والأمل في الحاضر والمستقبل، لم تتلقَ تعليماً نظامياً في المدارس، ومع ذلك علمت نفسها بنفسها القراءة والكتابة إلى درجة الإجادة وعشقت الكتاب حتى تماهت معه وكاد يصبح جزءاً منها وكادت تصبح جزءاً منه، وقد دفعها هذا العشق لأن تقضي أوقات فراغها في القراءة ثم مناقشة رأي أو موقف أو فكرة أو قضية مع أي من أفراد الأسرة، وكم كان يسعد كاتبنا بهذا الجو الذي حبّب إليه المعرفة والثقافة وألفة الكِتاب والكُتاب. الأهم من ذلك أن هذه السيدة العظيمة كانت شبه وزيرة مالية الأسرة تدير مواردها- رغم محدوديتها- وتسعى لأن تكفي أفرادها شر الحاجة حتى في أحلك اللحظات .

هكذا نشأ وعاش ياسر عبد العزيز في جو أسري عبقري مفعم بالحميمية والمودة، ورث من خلاله الالتزام والانضباط عن والده وحب المعرفة والرحمة عن أمه واحترام الكبير والعطف على الصغير عن إخوته، لذلك عَرفَ جيدا ما يجب عليه قبل ما يحق له، ومنذ اللحظة الأولى التي التحق فيها بمدرسة "حدائق القبة الابتدائية" قرر الجد والاجتهاد والمثابرة، رغبة في التفوق العلمي والتميز الثقافي والفكري، فكان الأول على زملائه في الفصل كما كان يشارك في الأنشطة الرياضية والفنية وفي الإذاعة المدرسية، وبقي على تفوقه هذا حتى في مدرسة "النقراشي" طيلة المرحلة الإعدادية والثانوية، مهتماً بكل ما له علاقة بالتفكير والتعبير والحوار والخطابة وغيرها من الفعاليات التي تربط بشكل مباشر وغير مباشر بالاتصال.

حصل كاتبنا على الثانوية العامة "القسم العلمي- شعبة علوم" بمجموع متميز جداً يؤهله لأية كلية يمكن أن يطمح فيها من هم في مثل سنه، لكن عشقه للإعلام دفعه دفعاً للسعي إلى دراسته ولم يجد أفضل من كلية الإعلام كي يلتحق بها لتحقيق غايته، فقد كانت مرموقة وفريدة ولا مثيل لها في الجمهورية، في هذه الكلية انفتح كاتبنا على الحياة وأشرقت شمس شبابه بالأمل، وتعددت روافده المعرفية وتنوعت آفاقها، وتجسدت أهم تلك الروافد فيما يلي:

أولا، زملاء الدراسة، فقد كانوا- وفق ما أكده كاتبنا دوما- أول أساتذة تعلم منهم وتأثر بهم واستقى منهم خبراته، عَرَفهم ولا يزالون خضرا يبحثون عن رواء يثري وجدانهم بالتخيل والابتكار والإبداع، عايشهم وعايشوه، وأحبهم وأحبوه، ومن تنوع مشاربهم أنعشوه، خاصة أن منهم كان الليبرالي والإسلامي والماركسي والناصري والوسطي، ومنهم كان الكاتب والشاعر والروائي والرسام وعاشق الفلسفة، لذلك كان كاتبنا يقضي معهم أمتع الأوقات، يفكرون يتحاورون يتشاورون يتبادلون الكتب والمحاضرات ويتشاركون حضور الندوات والمؤتمرات والسيمينارات والعروض السينمائية والمسرحية والاتفاق أو الاختلاف حول قضايا أخلاقية وفلسفية واجتماعية جديرة بالاهتمام والالتفات.

ثانيا، الأساتذة، وكانوا كُثُراً، منهم من كانوا داخل كلية الإعلام، أمثال دكتور "عواطف عبد الرحمن" التي استفاد منها كثيرا وتعلم على يديها كيف يقرأ ويحب ما يقرأ، كيف يمارس البحث على أساس علمي ومنهجي، متى يتخذ موقفاً، وإلى أي مدى يجب أن يتمسك بموقفه مهما تكلف من تضحيات. كما تأثر كاتبنا كثيرا بالدكتور "محمود خليل" الذي كان معيداً في ذلك الوقت، وأُعجب كاتبنا بشخصيته أيما إعجاب وبطريقة تفكيره وبأسلوبه في النقاش والحوار، ولم يقف الأمر عند انبهار ياسر بمن تتلمذ على يديهم داخل الكلية وإنما هناك من وفدوا إليها من الخارج لإعطاء المحاضرات في النقد واللغة والعلوم السياسية، وقد حرص كاتبنا على الحضور لهم والاستفادة منهم ومن أفكارهم، ومن هؤلاء كان "الدكتور عبد المحسن طه بدر، والدكتور سيد البحراوي، والدكتور محمد علي العويني"، ناهيك عن حرص الكاتب على حضور محاضرات لأقطاب المفكرين في كليات أخرى، أمثال "دكتور حسن حنفي والدكتور نصر حامد أبو زيد".

من هذا التنوع المعرفي تشكل وجدان صاحبنا وبُنِيَت شخصيته ومضت سنواته الجامعية حافلة بممارسات إعلامية متميزة، سواء من خلال مشاركته بالكتابة في جريدة "صوت الجامعة" أو مجلة "المصريون" التي أسسها هو وزملاؤه في السنة الثانية بالكلية أو من خلال مراسلة الجرائد والمجلات العربية خاصة في السنة النهائية للدراسة.

بعد تخرج كاتبنا يبدأ رحلة جديدة في مشواره الحياتي سوف نتحدث عنها بالتفصيل في الأسبوع القادم.

إعلان