إعلان

 فكر "الموضة"

د. غادة موسى

فكر "الموضة"

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

07:06 م الأحد 04 يوليو 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إبحث عن لوجو مصراوي داخل الموقع يومياً خلال شهر رمضان للفوز بجائزة

تسجيل الدخول

الموضة أو كما يطلقون عليها "الصرعات"، تمثل ابتكاراً وتطوراً في أشكال الحياة المادية أو الفكرية. ومثلما تطال الموضة السلع والخدمات، فإنها تطال الأفكار. فهناك فكرُ للموضة.

وينظر البعض للموضة باعتبارها تقليدا أو محاكاة للغرب تحديدا، حيث يتم ابتكارها وتسويقها.

وفي مجتمعاتنا المشرقية ننظر أحيانا للابتكارات الغربية باعتبارها موضة يجب الحصول عليها. وأنها غاية في حد ذاتها وليست وسيلة لتحقيق غاية. والحصول عليها يمكن أن يجعلنا في مصاف الدول المتحضرة والمتقدمة.

وفكر الموضة يشمل فكر "الرقمنة"، فلا أحد ينكر أهمية التحول الرقمي في الألفية الثالثة في ربط المجتمعات والأفراد ببعضهم، وتقريب المسافات، وإتاحة السلع والخدمات بشكل أفضل وأسرع، والحد من المخالفات والممارسات الفاسدة.

ولكن مجتمعاتنا تنظر إلى الرقمنة على أنها إما موضة (غاية في حد ذاتها)، أو أنها عائق يجب تعطيله.

والفكر الذي يوجه التحول الرقمي لم يتعامل مع هذه الإشكاليات، والدليل على ذلك تنافس المؤسسات الرسمية والخاصة فيمن يقوم بماذا في غياب التنسيق وتحديد المسؤوليات.

نعم، توجد لدى معظم الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خطط واستراتيجيات للتحول الرقمي ولوائح تنص على بعض الإجراءات، ولكن المؤشر هو مدى استخدام وإفادة الأفراد منها، وقدرة هذا التحول على تيسير حياة الناس والمجتمعات.

فالتحول الرقمي قضية مجتمعية قبل أن تكون موضوعاً تقنياً. ومن الأهمية بمكان حساب تكلفتها الاجتماعية قبل حساب تكلفتها المالية. وأقصد بالتكلفة الاجتماعية، مدى رضاء المجتمع عنها وقدرته على استخدامها وأثرها على تسهيل حياة الناس وربطهم بالمؤسسات وفتح آفاق جديدة أمامهم للتواصل والعمل.

والتحول الرقمي كما أفهمه كفرد غير متخصص في مجالات تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات- يشتمل على بنية تحتية مادية (خطوط كابلات)، وبنية فوقية سياسية وثقافية. والأخيران مرتبطان ببعضها. فالبنية السياسية هي المناخ الذي يُمْكِنُ من وجود ابتكارات. لأن الابتكارات تتطلب مساحة من حرية الفكر والإبداع وإطلاق ملكات العقل لخدمة البشرية.

إذن، فلسفة التحول الرقمي يجب أن تستند إلى طرف يوفر المناخ والمتطلبات المادية، وطرف آخر يُفعل ذلك من خلال إعمال ذهنه لابتكار حلول لمشكلات المجتمع والتحديات التي يمر بها.

وفي هذا الصدد سنجد العديد من التقارير الدولية التي تتناول هذه الاعتبارات بشيء من التحليل والتفصيل. فهناك تقرير الابتكار العالمي Global Innovation Index GII وهناك تقرير تطور الرقمنة Digital Evolution Index DEI.

وهما من التقارير المهمة التي ترصد تطور فكر الرقمنة في التقدم الذي حققته الدول في مجالي الابتكار وحل مشكلات الخدمات تحديداً.

وفي هذا المجال لا بد من التطرق أيضاً لأهمية التشريعات والقوانين والإجراءات التي تؤمن هذا التحول وتنظمه؛ ففي مجتمعاتنا المشرقية تستغرق عملية التشريع وقتا طويلا لا يتناسب مع سرعة الابتكارات والتحولات الرقمية في العالم؛ فليست الإشكالية في غياب التشريعات، بل في السرعة والشمول وفكر إدارة المخاطر في سن تلك التشريعات.

إذن، فكر التحول الرقمي يجب أن يصل لكل فرد في المجتمع، وأن يشارك في تطويره، وأن يتفهم أفراد المجتمع أهدافه وفوائده، وأنه يمكن أن يساعدهم على العَيش بشكل أفضل.

ومثال ذلك، ابتكار (النظارة) الذي قام به شاب لتبسيط التواصل مع ذوي الهمم من الصم والبكم وفهم كلامهم، فهو لم يبتكر النظارة لأنه أراد ان يصير مبتكرا، وإنما أراد مساعدة ذوي الهمم.

التحول الرقمي يجب عدم النظر له باعتباره "موضة"، بل هو أحد إسهامات العصر نحو تطوير المجتمع وربطه ببعضه.

كما أنه مساهمة في جعل المعرفة في خدمة النمو الاقتصادي، من خلال تحويل الأفكار لمنتجات يمكن تسويقها.

إعلان