لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

تعالا شوف وحس واستمتع بمهرجان «قابس سينما فن»

د. أمــل الجمل

تعالا شوف وحس واستمتع بمهرجان «قابس سينما فن»

د. أمل الجمل
08:46 م الثلاثاء 22 يونيو 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تشتهر تونس لدى الغرب بأن الجيل الجديد من شعبها مُتعلّم. هو طبعاً شعب متعلّم ومثقف، وقادر على الوصول إلى المعلومة حتى لو كانت- في بعض الأوقات- السبل إليها مغلقة، لكن الحقيقة التي قد لا يُدركها الغرب أنه ليس فقط الجيل الجديد من الشعب التونسي هو وحده المثقف؛ فالكثير من أبناء الشارع العاديين والناس البسطاء الكبار في السن لديهم ثقافة خصبة، يهتمون بالفنون، بالغناء، بالموسيقى، بالشعر، بالقراءة، بالسينما. وهذا الأمر ينعكس على تشكيل هويتهم، وثراء وعمق شخصياتهم.

ذلك اليقين بأهمية وقيمة الشخصية التونسية جعلني أوافق على الفور عندما اقترحت عليَّ الصحفية والمترجمة زينة توتنجي أن تدعوني لحضور الدورة الثالثة من مهرجان «قابس سينما فن».

وافقت بترحاب وذلك رغم علمي أن المدينة تبعد نحو أربع أو خمس ساعات بالسيارة عن تونس بعد رحلة طيران تمتد لثلاث ساعات، وأن المهرجان كان من المتوقع أن يُقام خلال أشهر الصيف، وأن المدينة ذاتها (قابس) معروف عنها معاناتها من التلوث جراء المصانع الكيماوية هناك التي تسببت في إصابة العديدين بالسرطان، وتركت آثارها على البيئة بدءاً من البحر وأسماكه التي تشتهر بها قابس، على نقاء السماء والهواء، على التربة وفي مقدمتها الواحة البديعة الشهيرة هناك والتي تحتوي على نحو ٣٠٠ نخلة، وهي الواحة الفريدة من نوعها على امتداد المتوسط التي توجد على البحر مباشرة.

منذ خروجي من أرض المطار اصطحبني السائق محمد علي الذي أخذ يتحدث ببهجة وانطلاق عن متابعته لما يحدث في مصر من خلال اليوتيوب، وانتقد بعض الأمور مختتماً حديثه بأنه يحب مصر والمصريين.

رافقني في تلك الرحلة من تونس العاصمة إلى قابس على مدار خمس ساعات- الشابة يُسر، مدرسة رياضيات، قادمة من تونس خصيصى لتحضر فعاليات المهرجان، والمخرج التونسي إسماعيل اللواتي الذي يُشارك في دورة هذا العام بتقديم ماستر كلاس ضمن فعالياته عن فن الفيديو انطلاقاً من شاعرية نظام الفيديو المنزلي وصولاً إلى سياسة الطائرات بدون طيار.

قدم إسماعيل محاضرته في شكل عرض سينمائي، مجموعة لقطات من أفلامه، ومن غيرها، ثم أخذ في طرح التساؤلات حول السينما، وعلاقته بها، والطفرات التي وقعت في مجال الصورة، وأدوات التسجيل للصوت والصورة وجمالياتهما، منذ اختراع إتش إس - VHS - وصولاً إلى الانتشار الواسع لشاشات العرض في العصر الرقمي. كذلك، بعد الماستر كلاس تم عرض أجزاء من أعمال إسماعيل التي أنتجها بالفترة من ٢٠١٠- ٢٠٢١ والتي تراوح بين السينما التجريبية والفيديو، ومنها أحدث أفلامه.

يصف إسماعيل نفسه قائلاً: «بأنه ينطبق عليه المثل المصري: (سبع صنايع والبخت ضايع)». فهو مصوّر، مسجّل صوت، محرر، كاتب سينمائي، منتج ومخرج في حوالي عشرين مقطع فيديو فنيا ومنشآت فيديو وأفلام.

مع ذلك يرى إسماعيل أنه ليس خبيراً في أي من هذه المجالات، ما يجعلنا نتساءل: إذا كان يرى نفسه هكذا فكيف تحصل على جائزة أسد المستقبل من فينيسيا ٢٠١٦، أو الجائزة الكبرى من مارسيليا ٢٠١٢؟!

وكيف عرضت أعماله ومنها «بابل»، فيلم «آخر منا» وغيرها من أعماله المختلفة في MoMA نيويورك، ومعهد الفنون المعاصرة بلندن، ومراكز مهمة في باريس والمكسيك، أم أنه تواضع الفنان وعدم رضاه الدائم عن نفسه؟

ضمن قسم الماستر كلاس أيضاً نظم مهرجان قابس سينما فن تجربتين لكل من الفنان البلجيكي التونسيي كريم بن خليفة، وكذلك المخرج التونسي الشهير طارق تقية الذي يقدم محاضرته غداً.

الأمر الآخر ضمن الجانب الثقافي والفكري أن المهرجان القابسي يهتم بتنظيم ورشة للكتابة النقدية، خصوصاً أن كثيرا من الشخصيات التونسية ترى أن هناك قصوراً في هذا الجانب المهم الذي يتعلق بالتلقي السينمائي كأحد جسور التواصل بين الجمهور والفن، لكن الأمر لا يقتصر على تونس، برأيي، بل هو أمر شائع بأغلب دول العالم العربي.

في كل ركن بالمهرجان ستجد جمهوراً من الشباب والشابات وكبار السن متنوعي الأعمار، يتنقلون بحرية والتزام وحرص على التباعد الاجتماعي، ففي عروض الأفلام ستجد المقاعد المسموح بالجلوس فيها جميعها مشغولة، وفي قاعات الواقع الافتراضي، وفي معرض «أخبار من اللامكان»، وعروض الكازما، والكا أوف.

ستجد الجمهور يتنقل بسرعة بين الأفلام الطويلة والقصيرة بحرص شديد على ألا يفوت ما خطط لمشاهدته. وستجد الحديث متنوعاً على موائد الفطور، أو في اللقاءات العابرة يغلب عليها نقاش سينمائي أو ترشيح لأفلام ممتعة لمشاهدتها.

وهذا لا يمنع من أن يعرج الحديث أحياناً على الوضع السياسي والاقتصادي الراهن في تونس وتوقعاتهم للأيام المقبلة، من دون أن يغفلوا المقارنة بين مصر وتونس، وبلدان أخرى.

قائمة تعالا…

أمر مدهش أن مهرجان «قابس سينما فن» هو مهرجان قد يبدو صغيراً للوهلة الأولى، لكن معايشة التجربة تكشف عن كونه مهرجاناً وُلد كبيراً بأثره الممتد رأسياً وأفقياً، رغم عدم ضخامة إمكانياته أو موارده.

هناك جهد كبير وتنظيم أكثر من رائع، وبرمجة مشهود لها. إضافة إلى حسن الاستقبال والتعامل الطيب الكريم واللائق من جميع أفراد المهرجان.

منذ اليوم الأول تجولت في معرض «أخبار من اللامكان» ووجدتها تجربة فنية مختلفة ولها أهميتها؛ تعتمد على التجريب والبحث المطول ومساءلة الواقع بأسلوب فني مغاير. ثم حضرت حلقة نقاش عن الاستشراق والسينما والآداب، فوجدتها حلقة نقاشية ثرية جدا وحافلة بالآراء المتنوعة التي تُلقي بظلالها على مناطق الضعف في الدراسات المتعلقة بالسينما بموضوعية، سواء من جانب الغرب أو من جانب العرب. جلسة نقاشية تستحق مقالا بمفردها.

شاهدت أفلاماً لمخرجين عرب وتناقشت معهم؛ فالمهرجان يهتم في المقام الأول بالسينما العربية بكل أطيافها ويمنحها منصة متجددة للعرض، كذلك يمنح فنون الفيديو فرصة ومساحة مهمة. بالطبع هناك إطلالة على عدد من أبرز الأفلام العالمية تحت عنوان «سينما العالم» إضافة إلي قسم «سينما الأرض»، وذلك في محاولة لربط الإنسان ببيئته، وتقوية تلك العلاقة.

التقيت بمخرجين تونسيين كنت أتابع أعمالهم من قبل مثل طارق تقية، وحمزة عوني الذي يقدم جديده «المدسطنسي»، وسامي التليلي، المدير الفني للمهرجان، لكني حصلت على أفلامه ما بعد «يلعن أبو الفوسفات» لأشاهدها، فأتاح لي مهرجان «قابس سينما فن» أن أجدد لقائي بهم وأتابع أعمالهم الجديدة، خصوصاً أنني من أشد المتحمسين للسينما التونسية، وأرى أن الوثائقي في هذا البلد قد حقق إنجازاً كبيراً، وتعد السينما الوثائقية التونسية - أو كما أفضل أنا تسميتها بالسينما العابرة للنوع - من أفضل وأقوى الأنواع في الوطن العربي.

والحقيقة أن مهارة المخرجات والمخرجين التونسيين وقدرتهم على التواصل والاحتكاك بالخبرات مع الغرب وأوروبا مكنَّتهم من تحقيق أفلامهم عبر الإنتاج المشترك بجودة فنية وفكرية عالية.

أما شعار المهرجان فهو «تعالا…» وتحته يندرج الكثير من الخبرات التي تتعلق بالحواس مثل: تعالا شوف، تعالا حس، تعالا اسمع، تعالا شارك، تعالا استمتع، تعالا ناقش وتفاعل، وجرَّب.. إضافة إلى أي عدد آخر يمكن تصوره من «تعالا» التي اتُخذت شعاراً للمهرجان منذ دورته الأولى عام ٢٠١٩، وحققت نجاحاً كبيراً، ثم جاء وباء كورونا ليُهدد المهرجان الوليد، لكن المنظمين خاضوا التحدي، ونظموا الدورة الثانية افتراضياً، فكانت المفاجأة أن تلك الانطلاقة أون لاين لعبت دورها في مزيد من الانتشار للمهرجان، وتحقيق نسبة متابعة كبيرة له، فكان قرار منظميه مواصلة التحدي والإصرار على الاستفادة من كل هذا النجاح وتحقيق الدورة الثالثة على أرض الواقع التي حتى لحظة كتابة هذه الكلمات أثبتت نجاحها وتفاعل الجمهور معها بفرح كبير.

فتحية تقدير لكل فريق العمل بهذا المهرجان القابسي.

إعلان

إعلان

إعلان