لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

صفحات مشرقة للجيش المصري القديم "حرب التحرير ضد الهكسوس"

د. أحمد عمر

صفحات مشرقة للجيش المصري القديم "حرب التحرير ضد الهكسوس"

د. أحمد عبدالعال عمر
07:00 م الأحد 11 أبريل 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

حب هذا الوطن والحفاظ عليه هو ميراث الأجداد الذي نعتز به، ونحمله فوق ظهورنا. ومنذ أدرك المصري القديم أهمية بلاده وثراءها، وعرف بالتجربة أنها مطمع للغزاة من أجل ثرواتها وموقعها الجغرافي الفريد، سعى بكل ما يملك إلى حمايتها وتأمين حدودها وثغورها.

وكان سبيله الأول في الدفاع عنها تكوين الجيش المصري العظيم- أول مؤسسة عسكرية نظامية شهدتها البشرية، وجعل عقيدته القتالية، منذ نشأته الأولى، تستهدف "الدفاع عن أرض مصر المقدسة"، والدفاع عن وحدة وأمن واستقرار ثروات هذا الوطن الحبيب.

وأكبر دليل على إدراك المصري القديم أهمية الجيش في تأمين الدولة المصرية أن المصريين القدماء أسسوا مدارس عسكرية لتكوين الجنود منذ الطفولة. وكان الجندي المصري يلقى فيها أفضل رعاية وتعليم. كما كان يحظى أثناء وبعد خدمته في سياقه الاجتماعي بمكانة مميزة إيمانًا بدروه المقدس في حماية الوطن.

كما كان أهم مقومات الحاكم المصري القديم ارتباطه بجيش بلاده ورعايته له، وقدرته من خلال الجيش وقيادته له على حماية مصر وأرضها من الأعداء؛ ولهذا كان ملوك مصر يصورون دائمًا منذ الأسرة الأولى في مشاهد تُظهرهم، وهم يقهرون الأعداء.

وبناء عليه فقد قامت في مصر منذ 32 قرنًا من الزمان أقدم شكل للحكومة والسلطة المركزية. وكان عمادها "الجيش الوطني". وقد جاءت تلك السلطة المركزية نتاجًا للظروف البيئية والمخاطر الخارجية، وكضرورة أملتها مقتضيات الدفاع عن هذا الوطن، والحاجة لتنظيم الري، ووضع سبل الاستفادة من مياه النهر، بما يضمن الأمن والاستقرار واستمرار العمران.

وقد قبل المصريون هذه السلطة المركزية، وتوافقوا مع حكامها وقادتها ما دامت توفر لهم الحماية من المخاطر الخارجية، وتوفر لهم الأمن من الفوضى والمخاطر الداخلية، وتيسر لهم العيش الكريم.

وكل تلك الحقائق التاريخية يكشفها لنا ويُثبت صدقها كتاب قيم صدر حديثًا للأستاذ الدكتور عصام السعيد، أستاذ تاريخ وآثار مصر والشرق الأدنى القديم، بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، وقد حمل عنوان "صفحات مشرقة للجيش المصري القديم .. حرب التحرير ضد الهكسوس".

والكتاب في أصله رسالة علمية حصل مؤلفها بها- منذ عدة سنوات-على درجة الماجستير في التاريخ المصري القديم. وهو جدير بالقراءة في لحظتنا الراهنة المُتخمة بالتهديدات والمخاطر التي تستهدف مصر، وتريد إضعافها من الداخل، وضرب مصالحها وثوابت أمنها القومي في الخارج.

ويمكننا من خلال الكتاب استخلاص الكثير من الدروس الوطنية والعسكرية والجيوسترتيجية المستفادة من أول غزو واحتلال اجنبي تتعرض إليه الدولة المصرية في تاريخها، وأخذ العبرة والحكمة التي تؤكد على أهمية الوحدة الداخلية في مواجهة المخاطر الخارجية، وأهمية تقوية جيشنا الوطني، بوصفه عمود خيمة هذا الوطن منذ القدم.

يعرض الكتاب لواحدة من أكثر المحن التاريخية التي مرت بها مصر القديمة، وهي محنة أثرت كثيرًا في نفسية المصريين، وأذاقتهم لأول مرة في تاريخهم مهانة حكم الغزاة، وهي فترة حكم الهكسوس الذين شكلوا في التاريخ المصري الأسرات من الأسرة الخامسة عشرة إلى السابعة عشرة (1650 – 1550) قبل الميلاد.

والهكسوس هم الغزاة أو الأمراء الرعاة الأجانب الذين غزوا مصر من الداخل، بعد أن دخلوها في شكل هجرات خارجية سلمية، ثم سيطروا على الحكم في جزء كبير من أرضها، ودنسوا ترابها الوطني، وأهانوا مقدسات المصريين، وعرف المصريون معهم أول صور الأحتلال الأجنبي في تاريخهم، وأطلقوا عليه اسم "الوباء" أو "الطاعون". وظلت سنوات حكمهم المهينة عالقة في أذهان المصريين لسنوات طويلة.

ويوضح الكتاب أصل الهكسوس والطريقة التي تسللوا بها إلى مصر في الأسرتين الثانية عشرة والثالثة عشرة. وكيف نجحوا بعد ذلك بسبب ضعف بنية ومؤسسات الدولة، في غزو مصر من الداخل والوصول إلى سدة الحكم، والسيطرة على شرق وشمال مصر حتى مدينة "القوصية" شمال أسيوط، وتمزيق وحدة الأرض المصرية، وحكم تلك المناطق لمدة قرن من الزمان.

كما يناقش الكتاب مستخدمًا مصادر مصرية قديمة في قمة الأهمية، صفحات مشرقة للجيش المصري القديم، تتضمن تفاصيل سنوات حرب التحرير التي خاضها المصريون ضد الهكسوس، وتوضيح لأنواع الأسلحة المُستخدمة في القتال.

ويعرض لجهود ملوك مصر وحكامها الوطنيين (ملوك طيبة) في تحرير بلادهم وترابهم الوطني المقدس من الاحتلال الأجنبي؛ بداية من الملك العظيم "سقنن رع" الملك "الصادق الصوت"، الذي استشهد بين جنوده، وهو يحارب الهكسوس، والذي تُظهر "مومياؤه التي نُقلت مؤخرًا إلى متحف الحضارة، مدى شجاعته، حيث تحتفظ المومياء بأثر الجرح الذي كان سببًا في وفاته، وهو يُقاتل ببسالة إلى جانب جنوده.

وهو المصير الذي يُذكرنا بمصير الشهيد الفريق أول عبد المنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، والقائد الوطني المصري العظيم، الذي استشهد بين جنوده على الجبهة في أثناء حرب الاستنزاف في يوم 9 مارس 1969. وهو اليوم الذي صرنا في مصر نحتفل فيه بيوم الشهيد.

ثم يعرض الكتاب لجهود الملك "كاموس" وحور المتجلي على عرشه، وهو الابن الأكبر للملك "سقنن رع" في استكمال مسيرة والده في نضاله العظيم ضد الهكسوس، وكيف استشهد أيضًا أثناء حرب التحرير ضدهم.

وكيف خلفه من بعده في استكمال حرب التحرير أخوه الأصغر الملك "أحمس" الذي استطاع ببراعة ودهاء مميزين التخطيط للحرب، وتوحيد قوى الشعب المصري في الجنوب والشمال، ثم تحرير أرض مصر الطاهرة من هؤلاء الغزاة الذين دنسوها، وأهانوا مقدساتها؛ ليحفر التاريخ الوطني والعسكري المصري اسمه واسم أبيه "سقنن رع" واسم أخيه "كاموس" في سجلاته بحروف من دم ونور.

وقد جاء من بعد هؤلاء الملوك المحاربين العظام ملك مصري وقائد وطني عظيم هو" تحتمس الثالث" الذي كان حاكمًا وطنيًا مصريًا من الطراز الأول، ومفكرًا استراتيجيًا بارعًا، أدرك أن أمن مصر القومي يبدأ من خارج حدودها، ومن مد سيطرتها ونفوذها في مجالها الحيوي. ومن ثم جعل من الدولة المصرية إمبراطورية مترامية الأطراف، عبر قيامه بست عشرة حملة عسكرية استطاع بها أن يثبت نفوذ مصر في آسيا، وحتى بلاد النوبة جنوبًا.

وهو الدرس الذي يجب علينا استيعابه ووضعه دائمًا في صدارة عقولنا وأمام عيوننا؛ ومؤداه أن أمن مصر القومي يبدأ من خارج حدودها، ومن مد سيطرتها ونفوذها في مجالها الحيوي، رعاية لمصالحها ولثوابت أمنها القومي، وأن في انكماش مصر على نفسها مقتلها، وفتح الباب لاستهدافها في عقر دارها، بعد إضعافها وخنقها.

إعلان

إعلان

إعلان